الرقابة الجزائرية تدخل معركة كسر العظم مع القنوات بشأن مساحة الإعلانات

السلطات تشهر سلاح العقوبات للحد من سطوة الإعلان على المحتوى الإعلامي.
الجمعة 2024/03/29
بحث عن مكان على الساحة

الجزائر - أعلنت السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري في الجزائر عن اتخاذ تدابير عقابية ضد عدد من القنوات التلفزيونية المحلية، بسبب عدم امتثالها لتعليمات تقليص حجم الإعلانات في البرامج الرمضانية. وجهت السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري بالجزائر، استدعاءات وصفت، بـ"العاجلة"، لمسؤولي قنوات تلفزيونية لم يكشف عن هويتها أو من أي قطاع، إلا أنها متهمة بمخالفة الأحكام القانونية والتنظيمية المتعلقة بالإعلان، الذي أثار جدلا صاخبا لدى الجمهور والمؤسسات الرسمية خلال شهر رمضان الجاري.

واتهمت الهيئة الحكومية القنوات التلفزيونية “بتقديم مصلحتها الربحية على حساب مصلحة المشاهدين وسلامة الأعمال الفنية، واستقلاليتها في إعداد البرامج". وبناءً على ذلك، قررت استدعاء مديري القنوات في الأيام القليلة المقبلة للاستجواب، قبل إصدار قراراتها العقابية، حيث ستنظر في كل حالة على حدة. خصوصا مع عدم تجاوبها مع توصيات سابقة دعت للتخفيف من هيمنة الدعاية الإعلانية على المحتوى الإعلامي والتثقيفي والترفيهي خلال شهر رمضان الجاري، وعدم احترام تلك الفضائيات توجيهات كانت وجهتها الهيئة وحتى الوزارة الوصية لها في وقت سابق.

وذكر بيان الهيئة الرقابية، أن "سلطة الضبط وبعد تسجيلها تمادي أغلب القنوات التلفزيونية، بإطالة مدة الفواصل الإشهارية إضرارا بمصلحة المشاهد، وتجاوزا للوقت الأقصى المخصص لبث الرسائل الإشهارية، كانت قد نوهت في بيان لها في 14 مارس الجاري بوجوب احترام الأحكام القانونية والتنظيمية المتعلقة بالإشهار السمعي البصري".

وسجلت سلطة الضبط "استمرار جل القنوات التلفزيونية على ذات الحال، وإصرارها على مخالفة الأحكام والتنويه المذكورين أعلاه، في حين كانت سلطة الضبط تنتظر أن تلقى استجابة طوعية من منطق الضبط الذاتي والاحترام الإرادي لقوانين الجمهورية، خاصة وأنها تركت مهلة واسعة للقنوات تكفي لاتخاذ الترتيبات التجارية والتقنية لتدارك الوضع". ولفتت إلى أن القنوات المعنية "رجحت أغراضها الربحية على حساب مصلحة المشاهد وسلامة الأعمال الفنية، والحفاظ على استقلاليتها في إعداد الشبكات البرامجية".

محمد لعقاب: عدم التزام معظم القنوات التلفزيونية الخاصة بالمعايير الدولية حولها من قنوات إعلامية إلى قنوات إعلانية
محمد لعقاب: عدم التزام معظم القنوات التلفزيونية الخاصة بالمعايير الدولية حولها من قنوات إعلامية إلى قنوات إعلانية

وكانت قناة “الشروق” الخاصة أولى المحطات التي أثارت انزعاج المؤسسات الرسمية في البلاد، حيث تم استدعاء مسؤوليها خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، لطلب توضيحات حول بعض اللقطات من مسلسل "البراني".

وفيما لم يتسرب أي شيء عن تبريرات مسؤولي القنوات المعنية بملاحظات وزير الاتصال في لقاء جمعه بهم في وقت سابق، إلا أن الجمهور المتابع لاحظ استمرار نفس النسق التجاري في محتوى الموسم الرمضاني، حيث استمر استحواذ المعلنين على البرامج والأعمال المعروضة، الى درجة “القرف والمساس بالذوق العام” بحسب ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أعطى الانطباع بأن القنوات الواقعة تحت اكراهات اقتصادية ومالية بصدد تحدي السلط العمومية.

وخلال لقائه مع مديري القنوات المستقلة في الجزائر، عبر وزير الاتصال محمد لعقاب، عن استيائه الشديد من سلوك هذه القنوات، نتيجة للمبالغة الواضحة في بث الإعلانات، حيث بلغت في بعض الحالات مدة الإعلانات المتواصلة 45 دقيقة. ووصف هذا السلوك بأنه "يضر بهذه القنوات فقد أساءت لنفسها أولاً ثم إلى المواطن والإعلام الوطني"، مشيراً إلى أن “السلطات العمومية لن تبقى بدون رد فعل أمام هذا الوضع الذي يتعين تداركه في أقرب الآجال".

وانتقد لعقاب أيضا عدم "التزام معظم القنوات التلفزيونية الخاصة بالمعايير الدولية، مما جعلها تتحول من قنوات إعلامية إلى قنوات إعلانية، ما أثار استياء المشاهدين الذين يفضلون متابعة القنوات الوطنية خلال شهر رمضان”. ولفت إلى أن "هناك معايير دولية تسير مجال الإعلانات يتعين الالتزام بها".

ويرى متابعون للإنتاج الإعلامي في الجزائر، أن شح السوق الاقتصادية والمالية وغياب رأس المال الخاص، لا يزال معيقا لظهور إنتاج إعلامي محترف، حيث يسجل ضعفا لافتا في الشكل والمحتوى على غالبية القنوات لاسيما الخاصة منها، ولذلك يجري استغلال كل الفرص المتاحة من عائدات الإعلان خلال الموسم الرمضاني لتغطية تكاليف العام.

وتعتمد المؤسسات الإعلامية في الجزائر بمختلف تخصصاتها على التمويل الحكومي، في شكل إعلان عمومي بالنسبة للصحف الورقية والمواقع، وإعلان لمؤسسات اقتصادية حكومية وخاصة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، بينما يغيب التمويل الخاص ويحظر التمويل الأجنبي.

وقالت سلطة الضبط في بيانها بأن “الشروع في اتخاذ التدابير العقابية وفرض احترام قوانين الجمهورية قسرا بما يخوله لها القانون من صلاحيات وسلطة “. مما يؤشر الى فرض عقوبات محتملة تتراوح بين الغرامات وحتى سحب ترخيص البث، الأمر الذي يطرح إمكانية بروز حالة من الاستقطاب بين القنوات المعنية والسلطات العمومية.

◙ وزارة الاتصال تهدد القنوات المخالفة أنها لن تتوانى عن سحب رخص التصوير أو منعها من الحصول عليها مستقبلا

وكانت المؤسسات الرسمية والمهنية في الجزائر، قد سرعت من وتيرة ضبط المحتوى الإعلامي الذي تقدمه مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة للجمهور خاصة خلال المناسبات والمواسم، بعدما أثار محتوى البرامج الرمضانية غضب الجمهور والهيئات الوصية، وبدا أن الفضائيات لم تتجاوب بالشكل المطلوب، فيما يتعلق بمراجعة المحتوى وسطوة المعلنين.

وتم التشديد على المنتجين ووكالات الإنتاج السمعي البصري الحاصلين على رخص التصوير من مصالحها، على ضرورة الالتزام بمحتوى رخصة التصوير الممنوحة والتقيد بالتعهد الممضي عليه بعد استلام الرخصة. وهددت وزارة الاتصال بشكل صريح الخروج على نص الرخص الممنوحة، وقالت بأنها “لن تتوان في اتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب رخص التصوير، أو إدراجهم ضمن المنتجين ووكالات الإنتاج الممنوعين من الحصول على رخص التصوير مستقبلا “.

وأثارت السطوة غير المبررة للمعلنين على المحتوى الرمضاني المقدم من طرف القنوات الحكومية والخاصة، استياء المتابعين والجمهور بشكل عام، لاسيما مع تحول تلك المحطات إلى "بقالات" تروج لمنتوجات استهلاكية أكثر ما تقدم محتوى إعلامي تثقيفي أو ترفيهي.

وفي هذا الشأن، انتقد وزير الاتصال محمد لعقاب عدم تحلي معظم القنوات التلفزيونية الخاصة بالمعايير المهنية التي تسير هذا الجانب، مما حولها من “قنوات إعلامية إلى قنوات إعلانية". ولفت إلى أن "الومضات الإشهارية تجاوزت في العديد من القنوات مدة 45 دقيقة دون انقطاع، وبوجه أخص في فترة الإفطار، ما أثار امتعاض المشاهدين الذين يفضلون متابعة القنوات الوطنية خلال هذه المناسبات الدينية “.

ونبه إلى أن "هناك معايير دولية تسير مجال الإشهار يتعين الالتزام بها في انتظار صدور دفتر الشروط وتنصيب سلطة الضبط، وأن هذه القنوات أساءت لنفسها أولا ثم إلى المواطن والإعلام الوطني ككل، وأن السلطات العمومية لن تبق بدون رد فعل أمام هذا الوضع الذي يتعين تداركه في أقرب الآجال".

5