ميليشيات الحشد الشعبي تستغل مواقعها في السلطة العراقية لتعظيم مكاسبها المالية

انفجار مهول في أعداد المنتسبين للحشد يرتّب أعباء إضافية على موازنة الدولة.
الخميس 2024/03/28
من جيش رديف إلى دولة داخل الدولة

التزايد السريع في أعداد المنتسبين للحشد الشعبي لا يمثّل مكسبا أمنيا للعراق يساعده في استعادة استقراره وحمايته من التهديدات، بقدر ما يعتبر مظهرا على نهم الميليشيات المشكّلة للحشد وقياداتها للمال، واغتنامها فرصة مشاركتها المباشرة في السلطة للحصول على المزيد منه واضعة أعباء إضافية على موازنة الدولة.

بغداد- يعمل قادة الميليشيات المشكّلة للحشد الشعبي على استثمار وجودهم كطرف مشارك بشكل مباشر في تشكيلة الحكومة العراقية الحالية بقيادة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني إلى جانب تمثيلهم بقوة تحت قبّة مجلس النواب، لتحصيل أكبر قدر ممكن من الامتيازات الوظيفية والمكاسب المالية للحشد ومنتسبيه، خصوصا وأنّ من تلك المكاسب ما ينتهي في جيوب هؤلاء القادة أنفسهم.

وقالت مصادر عراقية إنّ العمل جار على إعداد قوانين سيجري طرحها قريبا في البرلمان لإقرارها تتضمّن ضبط الرتب الوظيفية لمنتسبي الحشد وما يستتبع ذلك من ترفيع في الرواتب بالإضافة إلى حسم مسألة الرواتب التقاعدية لهؤلاء المنتسبين.

وقال فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي مؤخّرا إنّ قانون الخدمة والتقاعد وقانون هيئة الحشد الشعبي سيصدران خلال الأيام المقبلة.

وتكمن المشكلة بحسب المتابعين للشأن العراقي في ما تمّ تسجيله من انفجار مهول وبشكل شبه مفاجئ في أعداد المنتسبين ما يجعلهم يشكّلون عبئا إضافيا على موازنة الدولة العراقية التي يخصص جزء هامّ منها للمجال الأمني.

صباح صبحي: ما ستتم إضافته من امتيازات لمنتسبي الحشد الشعبي ستترتب عليه العديد من المشاكل
صباح صبحي: ما ستتم إضافته من امتيازات لمنتسبي الحشد الشعبي ستترتب عليه العديد من المشاكل

وكان الفياض قد ذكر أنّه يقود مؤسسة تضمّ حوالي ربع مليون فرد، بينما تتحدّث الأرقام عن بلوغ عدد المنتسبين للحشد ما بين مئتين وأربعين ألفا ومئتين وخمسين ألف منتسب، ارتفاعا من أقل من مئة وعشرين ألفا قبل حوالي عامين.

ورغم أنّ الحشد الشعبي تحوّل بحكم القانون العراقي إلى مؤسسة أمنية رسمية يفترض أن تكون موحدّة تحت إمرة القائد العام للقوات المسلّحة وهو رئيس الوزراء، إلاّ أنّه في واقع الأمر ما يزال الحشد موزّعا بين الميليشيات الشيعية التي تشكّل منها، الأمر الذي يعني أنّ ضبط الأعداد الحقيقية لمنتسبيه يظل أمرا نسبيا إلى أبعد حدّ في ظل وجود شكوك  في لجوء بعض قادة الميليشيات إلى تضخيم الأرقام بخصوص أعداد المقاتلين المنتمين لميليشياتهم بهدف الحصول على قدر أكبر من الأموال المخصصة للحشد، خصوصا وأنّ في العراق سوابق كثيرة في ظاهرة تضخيم أعداد المنتسبين للقوى الأمنية من خلال تضمين الكشوف للآلاف ممن يُعرفون محلّيا بـ“الفضائيين” وهم المنتسبون صوريا لتلك القوى لمجرّد الحصول على الرواتب دون أن تكون لهم أيّ خدمات فعلية ضمن أسلاكها وأجهزتها.

وتقف خلف ظاهرة الفضائيين عادة شخصيات نافذة في مختلف أجهزة الدولة كونها تتقاسم المنافع المالية مع المنتسبين الصوريين.

ويرصد المطلّعون على الشأن الأمني العراقي أنّ جزءا من الزيادة المسجلة في أعداد منتسبي الحشد تعود إلى الارتفاع السريع وغير المبرّر في أغلب الأحيان لأعداد الميليشيات الأقوى والأكثر تمثيلا ضمن السلطتين التشريعية والتنفيذية على غرار ميليشيا عصائب أهل الحقّ التي يقودها قيس الخزعلي أحد أبرز قيادات الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومة السوداني.

وتعني زيادة أعداد منتسبي الحشد الشعبي، بالإضافة إلى تضخمّ الحشد وتغوّله على حساب باقي الأجهزة الأمنية التابعة بالفعل للدولة، زيادة آلية في الأموال المخصصة له ضمن الموازنة العامّة.

واعتبر عضو مجلس النواب العراقي صباح صبحي أنّ ما ستتم إضافته من امتيازات لمنتسبي الحشد الشعبي ستترتب عليه العديد من المشاكل من بينها ما يتعلّق بالجانب المالي خصوصا وأنّ “وزارة المالية والدوائر الحكومية ليست على دراية برتب وطريقة إنفاق موازنة الحشد المرتبطة مباشرة بمكتب رئيس الوزراء وتموّل من قبله”.

فالح الفياض: قانون الخدمة والتقاعد وقانون هيئة الحشد الشعبي سيصدران خلال الأيام المقبلة
فالح الفياض: قانون الخدمة والتقاعد وقانون هيئة الحشد الشعبي سيصدران خلال الأيام المقبلة

وتم تخصيص ما مقداره خمسة عشر في المئة من موازنة الدولة العراقية البالغة حوالي 153 مليار دولار للسنوات الثلاث من 2023 إلى 2025 للإنفاق الأمني والعسكري، وهو إنفاق يتوقع أن يزداد بفعل التزايد السريع في أعداد منتسبي الحشد الشعبي والامتيازات الإضافية التي سيحصلون عليها بفعل وجود جهات قوية ممثلة للميليشيات المسلحة في السلطة.

وتقدّر المصادر أن يبلغ مجموع ما تنفقه الدولة العراقية من موازنتها السنوية على الحشد الشعبي بنحو مليارين ونصف المليار دولار، تضاف إليها مبالغ قد تصل إلى نحو ثلاثمئة مليون دولار تصرف خارج الموازنة كونها توضع تحت عنوان بنود خاصة ومهمات سرّية.

ولم تمنع الاختلافات الكبيرة في درجة المهنية والالتزام بتنفيذ سياسات الدولة من معادلة رواتب منتسبي الحشد الشعبي برواتب منتسبي الجيش العراقي.

ومع ذلك يمتلك الحشد امتيازات مالية واقتصادية لا تتوفّر لباقي القوى الأمنية والعسكرية في العراق، إذ فتحت له الدولة بات الاستثمار وتحصيل مكاسب مادية كبيرة من وراء ذلك.

وتم الإعلان في وقت سابق من الشهر الجاري عن توقيع مجموعة المهندس المملوكة للحشد لمذكرة تفاهم موسعة مع شركة سي.إم.إي.سي الصينية العملاقة للبناء وذلك في أول اتفاق معلن مع شركة دولية.

وقالت قوات الحشد الشعبي في بيان إنّ “مذكرة التفاهم بين الشركتين تشمل التعاون في مختلف مجالات الإعمار والبناء الهندسي والتجارة والخدمات ومشاريع الطاقة، وذلك بهدف التعاون في إقامة مشاريع مشتركة بين الجانبين”.

وتأسست شركة المهندس قبل نحو سنتين بعد أن شكل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حكومة جديدة بدعم من أحزاب وجماعات مسلحة شيعية في الأساس ولكثير منها صلات وثيقة بإيران.

وتتمتع الشركة العاملة في مجال المقاولات الإنشائية والهندسية والميكانيكية والأعمال الزراعية والصناعية بصلاحيات واسعة للعمل في قطاعات كثيرة مما يميزها عن غيرها من الشركات الحكومية العراقية التي عادة ما تكون محدودة النطاق.

وتأمل قيادات الحشد الشعبي في الاستحواذ على المزيد من القطاعات الإنتاجية في مجالات النفط والغاز وكذلك القطاعات الاستثمارية وعقود التوريد ومناقصات إعادة الإعمار وغير ذلك على غرار شركة خاتم الأنبياء الذراع الاقتصادية المهيمنة للحرس الثوري الايراني.

الحشد الشعبي الممول من قبل الدولة العراقية لا يعمل بالضرورة على تنفيذ سياساتها العامة وتحقيق أهدافها الكبرى

ويسير تضخّم الحشد عكس مسار الأوضاع الأمنية في العراق والتي شهدت تحسنا ملحوظا وسيرا ثابتا باتّجاه الاستقرار منذ هزيمة داعش إثر الحرب التي خاضتها القوات العراقية بمساعدة التحالف الدولي وبمشاركة الحشد الشعبي.

وكان الحشد قد أنشئ سنة 2014 خصيصا للمشاركة في تلك الحرب ما جعل أوساطا عراقية تدعو لحلّه بعد نهايتها سنة 2017، لكنّ قادته الذين تجمعهم صلات قوية بإيران تمسّكوا بالحفاظ عليه ونجحوا في تحويله إلى مؤسسة رسمية، لكن بشكل صوري يتيح له الاستفادة من مقدّرات الدولة دون أن يفقد ارتباطه الحقيقي بقادة الميليشيات التي يتكوّن منها.

ولا يعتبر مختصو الشؤون الأمنية أن زيادة أعداد القوات العراقية ومن ضمنها قوات الحشد تشكّل عامل تطوّر لتلك القوات وزيادة في قدرتها على تأمين البلاد والحفاظ على استقرارها، إذ أنّ الحشد يظل مفتقرا للكثير من مقومات المهنية بالإضافة إلى أنّ له خلفية عقائدية طائفية كثيرا ما تقوده للعمل على تحقيق أهداف لا تتلاءم بالضرورة مع السياسة العامة للدولة وأهدافها الكبرى على غرار انخراط فصائل تابعة له في استهداف القوات الأميركية الموجودة داخل الأراضي العراقية والسورية على أساس انتماء تلك الفصائل لما يعرف بمحور المقاومة الذي تتزّعمه إيران.

 

اقرأ أيضا:

       • منشقون عن ميليشيا الخزعلي يلتحقون بتيار غريمه الصدر

3