الصحافيون المؤقتون في مصر يدفعون ثمن أزمة الصحف

الحكومة المصرية تقرر وقف التعيين في الصحف القومية وتمنع التعاقد مع صحافيين جدد.
الخميس 2024/03/28
بطالة مقنّعة

القاهرة - تسعى نقابة الصحافيين المصرية لتحريك ملف المحررين المؤقتين العاملين بصحف حكومية أوقفت تعيين كوادر جديدة في الإصدارات الورقية التي تعاني مشكلات اقتصادية منذ حوالي أربع سنوات، ما قاد إلى تراكم المحررين الذين لا يحصلون على حقوقهم المادية، ويجدون أنفسهم في ورطة، بين استكمال عملهم إلى حين حدوث انفراجة تنهي معاناتهم والبحث عن فرص عمل أخرى والدوران في فلك أزمات التعيين التي يعاني منها صحافيو معظم الصحف المصرية، حكومية وخاصة.

وأوقفت الحكومة المصرية التعيين في الصحف القومية ومنع التعاقدات مع صحافيين جدد، وبررت دوائر رسمية القرار بأنه يهدف إلى حصر أعداد الصحافيين – المحررين المؤقتين وحل أزماتهم تمهيدا لإلغاء القرار، وهو أمر لم يحدث.

ويقود نقيب الصحافيين خالد البلشي محاولات حثيثة لتحريك الملف، وعقد اجتماعات مع المتضررين، واستضاف مجموعة منهم أخيرا في حضور عدد من نواب البرلمان لمناقشة مطالبهم ووضع خطة تضمن الضغط على الجهات التنفيذية لتثبيتهم في صحفهم، خاصة أن البعض منهم يعمل منذ نحو ثماني سنوات، ولا يحق له الانتساب إلى نقابة الصحافيين رسميا، والتي يشترط قانونها أن يكون المحرر مثبتا في صحيفة معترف بها كي يلتحق بالنقابة ويحصل على مزاياها المادية.

بشير العدل: النقابة تقود حراكًا لتعيين المؤقتين ولا تملك ولاية عليهم
بشير العدل: النقابة تقود حراكًا لتعيين المؤقتين ولا تملك ولاية عليهم 

ولا يوجد إحصاء رسمي بأعداد الصحافيين المؤقتين، لكن وفقًا لبيانات أولية يقدر عددهم بالصحف المملوكة للحكومة بـ400 محرر، فيما يعاني آخرون من أوضاع مشابهة في صحف خاصة وحزبية توظف الصحافيين المؤقتين للقيام بمهام عديدة وتتركهم سنوات تحت مسمى “صحافيون متدربون” قبل اتخاذ قرارات بتثبيتهم.

وقال خالد البلشي إن النقابة تخوض معركة واضحة للوصول إلى حلول لأزمة الصحافيين المؤقتين، وهو موقف واضح للجمعية العمومية للنقابة، فالمؤسسات الصحفية تعتمد على هؤلاء في تسيير العمل بها، ولهم حق الاستقرار المهني والأسري، بعد سنوات طويلة من العمل في هذه المؤسسات دون الحصول على حقوقهم كاملة، لافتا إلى دعوة أعضاء الجمعيات العمومية وأعضاء مجالس الإدارات بالصحف الحكومية، للتضامن مع زملائهم المؤقتين لحصولهم على حقوقهم.

وتنعكس أوضاع الصحافة في مصر على الأزمات التي يعاني منها الصحافيون وعلى رأسهم من ينتظرون دورهم في التعيين تمهيدا للالتحاق بالنقابة، ويجد القائمون على المؤسسات الحكومية أنفسهم في مأزق، فتلك الصحف تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، وتعمل الهيئة الوطنية للصحافة، المسؤولة عن إدارة الصحف القومية، على تفكيك المشكلات وجدولة الديون والبحث عن مشروعات استثمارية لاستغلال أصولها وتنفيذ خطط تقشفية لتضييق الخناق على أي ممارسات مالية غير منضبطة.

وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين المصرية محمد سعد عبدالحفيظ إن النقابة عقدت اجتماعاً منذ ثلاث سنوات قبل انتخاب المجلس الحالي مع الهيئة الوطنية وجرى الاتفاق على إعداد كشوف بأعداد المؤقتين وتفاصيل المؤسسات التي ينتمون إليها وطبيعة عملهم وتوقيت انضمامهم، والجهات التي سبق للصحافي العمل فيها، على أن يتم تحديد أولويات التعيين على حسب الخبرات وتاريخ التخرج، غير أن هذا الاتفاق لم يتم تنفيذه مع إدخال تعديلات على قيادات الهيئات الإعلامية وتم تجميد الملف.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن نقيب الصحافيين التقى رئيس المجلس الأعلى للإعلام كرم جبر ليجعله شاهدا ويجمع كافة أطراف الأزمة، من جهة الصحافيين المؤقتين والهيئة الوطنية ونقابة الصحافيين، وهو ما يمكن التعويل عليه الفترة المقبلة، خاصة أن النقابة لديها رؤية يمكن من خلالها حلحلة الملف على مراحل، بحيث يتم تسوية الأزمة عبر تقسيمهم إلى مجموعات يتم تعيينهم على فترات.

ولفت سعد عبدالحفيظ إلى أن تركيز النقابة ينصب على المؤقتين بالصحف الحكومية يرجع إلى أن الصحف الخاصة ليست محكومة بقانون تنظيم الإعلام فقط، لكنها تخضع لقوانين الشركات المساهمة، وهو أمر يختلف عن الصحف الحكومية التي تخضع لقوانين العمل الإعلامي وتكفل حقوق الصحافيين في التعيين، كما أن الصحف الخاصة بها متدربون يستمرون لفترة ثم تقوم بتثبيتهم، بخلاف الصحف الحكومية التي لديها صحافيون كثيرون يعملون بعقود مؤقتة.

وتغييب قضية تعيين العاملين المؤقتين عن أولويات الجهات التنفيذية، وهناك قناعة بأن الصحف القومية تعاني بطالة مقنّعة، وبها صحافيون لا يتم توظيفهم بالشكل الأمثل، والأزمة ليست في الأعداد، لكن في كيفية الاستفادة من الكوادر، ما يجعل تحركات نقابة الصحافيين حاليا لا تحظى بالاهتمام المطلوب على المستوى الحكومي.

الأخبار تتراكم

وأشار رئيس لجنة استقلال الصحافة (أهلية) بشير العدل إلى أن نقابة الصحافيين التي تقود حراكًا لتعيين المؤقتين لا تملك ولاية عليهم، فهؤلاء ليسوا أعضاء فيها أصلا، وتقوم بجهود أدبية للحفاظ على حقوقهم، ويبقى مصيرهم بيد بعض الجهات التنفيذية، والتي عليها أن تتحرك للحفاظ على حقوق الصحافيين، فوزارة المالية مثلا هي التي بيدها قرار التعيين، وتقرر إذا كانت هناك ميزانيات ودرجات مالية لتعيينهم أم لا؟

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الأزمات المالية تضرب المؤسسات الصحفية في مصر بسبب المشكلات الاقتصادية، وبات تأثير الصحافيين كبيراً في ظل تحولات سوق العمل الصحفي الذي يهيمن عليه الاعتماد على البيانات الرسمية وعدم القدرة على إحداث انضباط مهني يساهم في أن يؤدي الصحافي دوره كاملا، ويحصل على جميع حقوقه من المؤسسة التي يعمل بها، وهو ما يخلق فجوة واسعة في العلاقة بين الجهات الإعلامية والصحافيين العاملين بها.

وتعاني الصحف في مصر من أزمات اقتصادية ومهنية، فهي في حاجة إلى تسديد ديونها المتزايدة، وفي الوقت ذاته تتكبد خسائر صعبة كلما تراجعت قيمة الجنيه، ما تترتب عليه زيادة في مستلزمات الإنتاج والطباعة، في حين أنها لا تتمكن من رفع أسعار بيعها في السوق المحلي، أو التحول نحو التجارب الرقمية المدفوعة كما يحدث في الكثير من دول العالم بسبب ضعف المحتوى المهني، وتحاول اللعب على وتر تحقيق أرباح مادية من خلال رواج المنصات الرقمية التي قد لا تحقق المرجوّ منها في الصحف الحكومية التي تحتاج إلى خطة إنقاذ وتطوير أدواتها الرقمية.

ويتفق بعض خبراء الإعلام على أن حل أزمة الصحافيين المؤقتين لا بد أن تصاحبها تعديلات في قوانين العمل الصحفي، بحيث تكون الإنتاجية والكفاءة هما المعيار الرئيسي الذي يضمن عدم تحمل المؤسسات الصحفية أعباء مالية قد لا تستفيد منها بالقدر الكافي، على أن يقترن ذلك بإعادة جدولة رواتب الصحافيين بوجه عام وتحسين أوضاعهم الاقتصادية بالشكل الذي ينعكس إيجابًا على المستوى المهني.

5