الجفاف يخذل حسابات المغرب لحصاد الحبوب

تجزم أوساط الزراعة في المغرب بأن موجة الجفاف المستمرة لسنوات ستؤثر على إنتاج الحبوب هذا الموسم، والذي من المحتمل أن يكون أسوأ حصاد منذ قرابة العقدين في ظل استمرار تقلص هطول الأمطار في البلد كما هو الحال مع بقية دول شمال أفريقيا.
الرباط - يواجه المغرب محنة حصاد ضئيل من الحبوب خلال الموسم الزراعي الحالي مقارنة بالموسم الماضي، جراء التغير المناخي، الذي يفاقم من الأعباء المالية على الدولة والعاملين بالقطاع.
وتتزايد الترجيحات على أن البلد سينتج أقل مستوى من الحبوب منذ 17 عاما، ما سيدفع الحكومة إلى اللجوء إلى استيراد حوالي 75 في المئة من احتياجاته السنوية المقدرة بأكثر من 10 ملايين طن في المتوسط، حوالي نصفها من القمح.
وخلال العام الماضي استوردت الحكومة قرابة خمسة ملايين طن من عدة منشآت، بزيادة قدرها 23.2 في المئة على أساس سنوي.
وتواجه البلاد موجة جفاف للعام السادس تواليا، وهي أسوأ أزمة منذ ثلاثة عقود تقريبا، فيما تراجع معدل هطول الأمطار بواقع 64 في المئة مقارنة بالموسم العادي.
ويسهم الإنتاج المحلي من الحبوب في تحقيق رقم معاملات سنوية يفوق 15 مليار درهم (1.5 مليار دولار)، ويتراجع هذا الرقم مع تقلص المساحات المزروعة عبر تحويلها إلى زراعات ذات القيمة المضافة العالية.
وحذر الخبراء ومؤسسات مالية دولية من أن مشكلة الطقس ستؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي للمغرب رغم أن السياسة النقدية نجحت في تطويق معدلات التضخم التي قفزت إلى مستويات قياسية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
ومن المتوقع ألا يتجاوز الإنتاج المتوقع من الحبوب في الموسم الزراعي الحالي نحو 2.5 مليون طن، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 54 في المئة مقارنة بالموسم السابق، وفقا لآخر التوقعات الصادرة عن البنك المركزي المغربي.
وأكد عبدالقادر العلوي رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن أن الموسم الحالي قد يكون أسوأ السنوات العجاف التي يشهدها المغرب. وقال في تصريحات لبلومبرغ الشرق إن “الإنتاج المتوقع يعني أن البلاد ستتجه إلى الاستيراد بكثرة”.
ويعود أحدث أضعف موسم حبوب سُجل في المغرب إلى 2007 حين بلغ الإنتاج 2.4 مليون طن، بحسب معطيات لوزارة الفلاحة.
وبالنظر إلى الطقس غير الملائم وتفضيل المزارعين إنتاج محاصيل أخرى أعلى ربحا، فإن البلد بعيد عن هدف تحقق الاكتفاء الذاتي من الحبوب.
وبحسب بيانات الجامعة الوطنية لتجار الحبوب، فقد استوردت البلاد خلال الشهرين الأولين من العام الجاري نحو 1.4 مليون طن من الحبوب، بزيادة 7 في المئة على أساس سنوي، وجاءت هذه الكميات من فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا ورومانيا.
ويرى رشيد بنعلي رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة، وهو تجمع يضم أكثر من منظمة زراعية مهنية، أن الإنتاج
◙ 75 في المئة من احتياجات البلد البالغة حوالي 10 ملايين طن سيتم استيرادها هذا العام
المتوقع سيكون حتما أقل من الموسم السابق لأن ظروف المناخ لم تكن مناسبة خاصة في الأشهر الأولى، في إشارة إلى أكتوبر ونوفمبر وديسمبر.
ويصنف المغرب من بين الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي في حوض البحر المتوسط، ما يجعله من الدول الأكثر استيرادا للقمح، كما أن اقتصاده يعتمد بشكل كبير على الزراعة، حيث يُساهم القطاع بحوالي 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
وحتى في السنوات التي يحقق فيها المغرب إنتاجا كبيرا من الحبوب فهو يلجأ إلى الاستيراد ويحرص على تنويع مصادر التموين لتلبية الطلب وتكوين الاحتياطات.
وقال بنعلي في حديث مع بلومبرغ الشرق “لحسن الحظ أن الأسعار منخفضة حاليا في السوق الدولية، ما يعني أن كلفة الاستيراد لن تكون كبيرة”.
وخلال العام الماضي، بلغت كلفة استيراد القمح الأكثر استهلاكا نحو 1.9 مليار دولار، بانخفاض قدره 25.3 في المئة على أساس سنوي.
في المقابل، تشير المعطيات الرسمية إلى أن دعم الحكومة لأسعار الدقيق ودعم المستوردين للقمح من الخارج ناهزا نحو 3.9 مليار درهم (390 مليون دولار).
ومع توالي سنوات الجفاف، أعلنت السلطات مطلع 2024 عن تخصيص دعم لتشجيع المستوردين على تكوين مخزون إستراتيجي.
وتعليقا على ذلك، قال العلوي إن “هذا المخزون سيكون في حدود مليون طن، إضافة إلى الاحتياطات التي تتوفر عليها المطاحن الصناعية، وهو ما سيضمن احتياجات استهلاك تكفي بين 4 و5 أشهر”.
ويستهلك الفرد المغربي المتوسط 200 كيلوغرام من القمح سنويا، أي ثلاث مرات من المتوسط العالمي، وفق تقديرات البنك الدولي.
وتبلغ المساحة المزروعة بالحبوب في الموسم الحالي 2.5 مليون هكتار، وتمثل هذه المساحة في المتوسط 71 في المئة من المساحة الإجمالية للأراضي الصالحة للزراعة.
وتسبب ضعف هطول الأمطار وعدم انتظامها في تضرر القطاع الزراعي الذي يعمل به 40 في المئة من السكان البالغ عددهم 37 مليون نسمة.
وأدى هذا الوضع إلى ارتفاع معدل البطالة في البلاد إلى 13 في المئة بنهاية العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ 2001، وفقا لبيانات المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الحكومية المعنية بالإحصاءات.
ويقول العلوي إن انخفاض أسعار الحبوب في السوق الدولية يعني أن الدولة لن تدعم المستوردين، لأن الفترة الحالية تشهد وفرة في المعروض في الأسواق.
وأشار إلى أن مع قرب حصد المحصول الجديد قد تنخفض الأسعار أكثر، وهو ما قد يخفف الضغط على ميزانية الحكومة لهذه السنة.