زيادة الأبناء في الأسرة تنعكس سلبا على الصحة العقلية للمراهقين

الموروثات الخاطئة عن العزوة تعود إلى مفاهيم دينية تخدم ثقافتها.
الثلاثاء 2024/03/26
زيادة عدد الأبناء مسؤولية مضاعفة على الأسرة بالكامل

كشفت دراسة حديثة مساوئ أخرى لزيادة عدد الأبناء في الأسرة الواحدة تتعلق بالصحة العقلية للمراهقين الذين يتم حرمانهم من الرعاية الكافية والاهتمام مع كثرة الإنجاب وتدني القدرات الاقتصادية والاجتماعية.

القاهرة - توصلت دراسة حديثة إلى أن المراهقين الذي ينشأون في أسر كبيرة العدد يعانون من صحة عقلية أضعف مقارنة بأقرانهم الذين ينشأون في أسر محدودة العدد، في برهان جديد يثبت عدم صحة الفكرة العربية القائلة بأن الأولاد سند و”عزوة”.

وأثبتت الدراسة أن الطلاب الذين لهم أشقاء أكبر منهم أو الطلاب الذين لا يوجد فارق سني كبير بينهم وبين أخواتهم حققوا أسوأ النتائج فيما يتعلق بالأسئلة الخاصة بالصحة العقلية.

ونقل الموقع الإلكتروني “ساينس ديلي” المتخصص في الأبحاث العلمية عن الباحث دوج داوني المتخصص في علم الاجتماع بجامعة أوهايو الأميركية قوله “عندما تنجب المزيد من الأبناء، يحصل كل طفل على موارد وعناية أقل من الآباء، ما قد يؤثر على صحتهم العقلية”.

ورغم أن الدراسة جرت في الصين والولايات المتحدة أي نموذجين مختلفين كليا إلا أنها تنطبق على مختلف أنحاء العالم، باعتبار احتياجات الأطفال للاهتمام والرعاية، وإن اختلفت التفاصيل الصغيرة تبعا للبيئة الاجتماعية لكنها لا تختلف من حيث الأساس العلمي والصحة النفسية.

ويمكن تعميم هذه الدراسة على الواقع العربي الذي يتعامل مع كثرة الإنجاب بمنطق العزوة والسند، ومازال البعض يرون أن كثرة الإنجاب تجلب الرزق في الحياة، إلا أنها على عكس ذلك تعد مسؤولية مضاعفة على الأسرة بالكامل، لما تسببه من تزايد العبء والضغط والمتطلبات، ومما يؤدي إلى انتشار عادات سلبية تؤثر على الأسرة بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام، كالبطالة والزواج المبكر، والتسرب من التعليم، مما يزيد نسبة الأمية لينتشر الجهل الذي يدمر أي مجتمع.

ويشير تقرير “المجلس القومي للسكان” إلى أن المرأة المصرية تلد 3.5 طفل في المتوسط، وهو معدل أعلى من متوسط الإنجاب في العالم البالغ 2.5 طفل لكل امرأة، والمجتمع المصري لا يزال يعيش تحت قيد عادات وتقاليد الإنجاب الموروثة من المجتمع الزراعي قبل الحديث، من هذه الموروثات، أنه  يعتقد العديد من الأفراد في الريف بصورة خاصة، أن كثرة الأولاد “عزوة”، وتنتشر بينهم الأمثال أو الأقوال المأثورة التي تشجع على إنجاب المزيد، بالإضافة إلى استمرار الإنجاب حتى يولد الذكر الذي يحط من مكانة الأنثى، وأن هذا الموروث يدفع الأزواج في أحيان كثيرة إلى عدم التفكير في تنظيم الأسرة، فالأم المُنجبة للذكور تستمر في الإنجاب حتى سن العجز، والمرأة المُنجبة للبنات تظل تنجب أيضا حتى يولد لها الذكر، وحتى الأم المنجبة للذكر والأنثى، تستمر في الإنجاب حتى يكون مجموع الذكور أكبر من الإناث، ورحلة الإنجاب هذه ربما ترفع عدد الأبناء إلى سبعة أو أكثر.

عند إنجاب المزيد من الأبناء يحصل كل طفل على موارد وعناية أقل من الآباء، ما قد يؤثر على صحتهم العقلية في المراهقة

ومثل هذه المعتقدات كانت مقبولة في مصر، عندما كان النشاط الزراعي هو وسيلة الإنتاج الوحيدة، وفي الوقت الذي كان فيه الزواج الثاني أمرا عاديا وليس مستهجنا كما هو الحال الآن، لكن ظهوره في قطاعات كبيرة من المجتمع المصري الحديث، يؤكد أن هذه المعتقدات مازالت تمارس قوتها في الفضاء الاجتماعي، رغم أن الواقع الراهن يشير بشكل مؤكد إلى أن كثرة الإنجاب، على مستوى الأسرة أصبح مشكلة اقتصادية واجتماعية وثقافية، تزداد كلما ارتفع عدد الأبناء وكلما تقدموا في العمر. فالأسرة كبيرة الحجم غالبا ما تعجز عن توفير الموارد الاقتصادية، ولا تتمكن من تنشئة أبنائها بصورة لائقة، ولا تستطيع بمرور الوقت تلبية الاحتياجات المتزايدة للأبناء.

وقال الدكتور رفعت عبدالباسط، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، أن ثقافة المواطن المصري من الموروثات الخاطئة عن العزوة والاستناد على المفاهيم الدينية التي تخدم ثقافتهم، ونجد ذلك في الفئات الفقيرة والنظر إلى كثرة الإنجاب من الناحية الاقتصادية وأن كثرة العدد في الإنجاب ستساعدهم في المستقبل على إدرار الأموال عليهم من خلال العمل في أي مجال كباعة متجولين أو التسول في الطرقات أو العمل في المنازل.

من جهتها، ترى إيمان النشرتي عضو المجلس القومي للمرأة فرع القاهرة، أن “دورنا هو القيام بتوعية السيدات خاصة صاحبات المستوى العلمي المتوسط والأقل من المتوسط عن كيفية تحديد النسل، ومحاولة توصيل فكرة تحديد النسل وفوائده وأثر السعي وراء الإنجاب دون تنظيم أو تحديد للعدد، فالراسخ في الأذهان هو ثقافة العدد والعزوة، لافتة إلى أن دورنا هو تغير مفهوم هذه الثقافة وتوصيل ثقافة بمعناها الحقيقي العلمي والتربوي”.

وأشارت إلى أن مشروع قانون تنظيم وتحديد النسل المقدم بالبرلمان لطرحه، لتقنين الاتجاهات العشوائية بالمجتمع والتفكير بزيادة عدد أفراد الأسرة بالإنجاب، مؤكدة أن “هناك ترتيبا للأولويات الحياة حتى لا نلقى بهؤلاء الأطفال إلى مصير مجهول ليصبحوا أطفال شوارع أو باعة جائلين أو يتحولوا لخادمات، فكثرة الإنجاب ليست فقط عبئا على الأسرة بل هي أيضا عبء على الدولة”.

وشملت الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية المتخصصة بقضايا الأسرة أكثر من 9400 طفل في السنة الدراسية الثامنة في الصين، وأكثر من 9100 طفل في نفس المرحلة الدراسية في الولايات المتحدة.

وبحسب التحليل الإحصائي الذي قام به فريق بحثي متخصص في علم الاجتماع بجامعة أوهايو الأميركية فإن المراهق في الصين له عدد أقل من الأشقاء بواقع 0.7 مقارنة بنظيره الأميركي في المتوسط، كما أن 34 في المئة من المراهقين في الصين ليس لهم أشقاء مقابل 12.6 في المئة من الأميركيين.

وفي إطار الدراسة، قام الباحثون بتوجيه مجموعة أسئلة تتعلق بالصحة العقلية للطلاب المشاركين في التجربة والذين تبلغ أعمارهم 14 عاما في المتوسط، وإن كانت نوعية الأسئلة الموجهة للطلاب الأميركيين والصينيين كانت مختلفة.  وحقق المراهقون في الصين أفضل نتائج في الرد على الأسئلة، وجاءت نتيجة المراهقين الأميركيين الذين ليس لهم أشقاء مماثلة من حيث مستوى الصحة العقلية.

15