وضع المحكمة الاتحادية العليا العراقية على المحك مع تصاعد الانتقادات

الإطار التنسيقي وقيادات سياسية تدافع عن المحكمة وتحذر من محاولات استهدفها بعد أن كشف نائب سابق عن تلقيه تهديدات من رئيسها لتحالفه مع التيار الصدري.
الخميس 2024/03/21
اتهامات بتسيس القرارات تلاحق أعلى سلطة قضائية

بغداد – تتعرض المحكمة الاتحادية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق هذه الأيام إلى حملة سياسية عبر المنابر الإعلامية والبيانات المنتقدة لها ولرئيسها الذي يبدو أن مستقبله أصبح على المحك، بعد أن وصفت الأحزاب الكردية قراراتها الأخيرة بأنها "مسيسة"، كما كشف نائب سابق بالبرلمان عن تلقيه "تهديدات مباشرة" من قبل رئيس المحكمة، ما دفع الإطار التنسيقي وقيادات سياسية إلى الدفاع عنها وتحذيرهم من محاولات استهدافها لما يشكل ذلك خطرا على أمن البلاد.

وأصدرت المحكمة الاتحادية، خلال الأسابيع الماضية، حزمة من القرارات من بينها "عدم دستورية" منح 11 مقعداً في برلمان إقليم كردستان للأقليات وبأن تتولى مفوضية الانتخابات العراقية تنظيم انتخابات برلمان الإقليم وإلغاء مفوضية الانتخابات التي تعمل بالإقليم منذ عام 2006، فضلا عن منح السلطات في بغداد مهمة توزيع مرتبات الموظفين الأكراد في الإقليم بمعزل عن السلطات الكردية مما خلق أزمة جديدة بين بغداد وأربيل، وتعميق الخلاف القائم بالأساس بين الحزبين الكرديين الرئيسين "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل طالباني، وغريمه "الديمقراطي الكردستاني" برئاسة مسعود بارزاني.

وإثر القرار، أعلن القاضي الكردي في المحكمة الاتحادية، عبدالرحمن زيباري، انسحابه من عضوية المحكمة احتجاجا على القرارات الصادرة عنها أخيرا والتي قال إنها "غير صحيحة"، كما أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في إقليم كردستان العراق، مقاطعة انتخابات برلمان الإقليم مهددا بمغادرة العملية السياسية العراقية.

وانتقدت حكومة وقيادات الإقليم في تصريحات متتابعة، قرارات المحكمة الاتحادية التي عدتها "غير منصفة".

 وقال وزير الخارجية الأسبق، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، في تدوينة له على منصة إكس إن "قرارات المحكمة مسيسة"، وأضاف "وشهد شاهد من أهلها.. بيان القاضي عبدالرحمن زيباري عضو المحكمة الاتحادية وانسحابه احتجاجا على قراراتها التعسفية أماط اللثام عن قراراتها المسيسة بحق العملية الديمقراطية والنظام الاتحادي المقر في الدستور".

ولم تنحصر دائرة الاتهام والانتقادات للمحكمة من الجانب الكردي فقط، إذ أكد النائب السابق مشعان الجبوري، أن رئيس المحكمة الاتحادية، هدّده بسحب عضويته على خلفية المشاركة في التحالف الثلاثي الذي كان يضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي وتحالف السيادة.

وأضاف الجبوري في مقابلة على قناة تلفزيونية محلية أن جاسم العميري أبلغه بأنه منضم إلى تحالف ضد العراق، ويستهدف الدولة العراقية، وهدفه الانقلاب على النظام السياسي، وفي حال لم يتخلى عنه، فالمحكمة الاتحادية لديها ما يسقط عضويته على حد تعبيره.

وأشار النائب السابق إلى أنه لو أراد الإساءة للمحكمة الاتحادية أو القضاء لتحدث بكل شيء يملكه. وأوضح أن ما لديه يمكن أن يؤدي لفتنة كبيرة وليست لأزمة سياسية فقط، لافتا إلى أن ما قيل له بعد اسقاط عضويته ووجها لوجه من رئيس الحكمة الاتحادية القاضي جاسم العميري وليس بمفرده هو أكثر خطورة من التهديد الأول قبل إسقاط العضوية.

وأضاف، أنه سيسعى لعدم البوح بكل شيء، وأن قوله لكل ما جرى قد يتسبب ذلك بأزمة لا يمكن توقع حدود تداعياتها، لكنه سيحاول الاحتفاظ في صدره بأسرار كل ما جرى وقيل له حتى يقضي الله امراً كان مفعولا.

وألغت المحكمة الاتحادية في مايو 2022 عضوية الجبوري في مجلس النواب، بتهمة تزوير شهادته الثانوية في سوريا.

وفجرت تصريحات الجبوري جدلا واسعا، إذ رأى سياسيون أنها تضع المحكمة الاتحادية على المحك إذا ثبتت صحتها، فيما دافع بعض القوى السياسية الشيعية خصوصا عن المحكمة.

وقالت المحكمة إنها تتعرض لـ"هجمة إعلامية داخلية وخارجية لثنيها عن إكمال الواجبات الدستورية"، وأضافت في بيان، مساء الأربعاء، أن "الغرض من ممارستها لاختصاصاتها هو التطبيق الصحيح للدستور، بما يضمن وحدة العراق وبناء نظام جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي".

ولفتت المحكمة إلى أنها "تتعرض، ونتيجة لقراراتها التي اتخذتها صوناً للدستور، لهجمة إعلامية داخلية وخارجية لثنيها عن إكمال واجباتها الدستورية تجاه الوطن والشعب، ونعتقد أن هذه الهجمة مسيسة هدفها الإساءة إلى سمعة المحكمة الاتحادية العليا واستهداف شرعيتها وتُعتبر مساساً باستقلال القضاء"، مهددة بـ"اتخاذ السبل القانونية اللازمة لردعها (الحملة) وإفشالها".

ودافع الإطار التنسيقي الشيعي عن المحكمة ودعا القوى السياسية إلى الالتزام بقراراتها، وأكد في بيان أصدره فجر اليوم الخميس "أهمية الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات وعدم تمدد أي سلطة على الأخرى، لحفظ التوازن الدستوري في صناعة القرار وآليات التنفيذ والرقابة".

وأكد الإطار التزام قواه كافة بـ"قرارات سابقة للمحكمة الاتحادية العليا، رغم كون بعضها ليس في مصلحته، لكن الالتزام جاء في إطار احترام سلطة القضاء الدستورية".

وحذر رئيس مجلس النواب العراقي بالإنابة والقيادي بائتلاف دولة القانون عطوان العطواني اليوم الخميس، من خطورة محاولات النيل من مكانة وحيادية ونزاهة السلطة القضائية، فيما طالبت كتلة الإطار التركماني بفرض قوانين رادعة للحفاظ على مكانة هذه السلطة.

وأعرب المندلاوي، في بيان نشره مكتبه الإعلامي، عن دعم السلطة التشريعية للمحكمة الاتحادية العليا، وبما يُعزز من دورها في حفظ وحدة العراق، وصيانة الدستور، وحماية النظام الديمقراطي الحديث، وتطبيق العدالة وتحقيق سيادة القانون.

وحذر المندلاوي، وفق البيان، من محاولات استهداف المحكمة الاتحادية العليا والنيل من شرعيتها واستقلالها والتشكيك بنزاهة قراراتها، واصفاً ذلك بالخطوة الخطيرة التي تعرض أمن واستقرار البلاد للتهديد، فيما دعا إلى ضرورة دعم جهودها في التصدي للملفات الوطنية وحفظ الدستور والمال العام.

وبدوره، قال العطواني، في بيان إن "الدستور العراقي اختار المحكمة الاتحادية العليا، الجهة الحامية له، ضمن السلطة القضائية، والتي تتولى الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وحل النزاعات القانونية بين الأطراف السياسية المتخاصمة وفق الأطر القانونية وبحيادية عالية".

وأوضح، أن "قرارات ومواقف المحكمة الاتحادية المشهودة أسهمت وبشكل كبير في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد، وحماية العملية السياسية من المشاريع الخطرة والمشبوهة التي كانت تستهدف بناء دولة المؤسسات"، مبيناً أن "المحكمة كانت لها كلمة الفصل في العديد من المواقف والظروف الصعبة".

وتابع أن "المحكمة ستبقى عماد مشروع بناء الدولة، ولن نسمح لأحد بالمساس والتشكيك في عملها، ونرفض حملة التخوين الممنهجة ضد قراراتها ومواقفها الوطنية، ومحاولات النيل من سمعة قضاتها الدستوريين والمهنيين، لأن نجاح أي تجربة ديمقراطية في أي دولة يعتمد في أحد أهم أركانه على وجود قضاء مستقل، وهذا ما تحرص عليه السلطة القضائية الحامية للدستور النافذ".

وحذر العطواني "من خطورة محاولات النيل من مكانة وحيادية ونزاهة السلطة القضائية في إساءة مقصودة من قبل بعض الأطراف التي لا تحترم الدستور أصلاً وتعمد الى خرقه في تحدٍ واضح للقانون".

وأكدت كتلة الإطار التركماني، في بيان أن "المحكمة الاتحادية أثبتت ومنذ أن تشكلت سنة 2005 والى يومنا هذا، بأنها محكمة مستقلة لا تتأثر بأي ضغوطات سياسية، وهي تطبق المهام المناط  بها بحيادية تامة سواء في ما يتعلق بتفسير نصوص الدستور، أو الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وكذلك الفصل في النزاعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات المحافظات والبلديات والإدارات المحلية أو مع حكومة إقليم كردستان العراق، وأيضاً المصادقة على نتائج الانتخابات المحلية أو البرلمانية وغيرها من المهام التي تدخل في صلب اختصاص عملها".

وأعربت الكتلة عن رفضها لـ"كافة أنواع الإساءة التي تتعرض لها المحكمة الاتحادية العليا من خلال إدعاءات لا أساس لها في الواقع تشكك بمهنية واستقلالية عمل المحكمة الاتحادية وأعضائها من القضاة"، مؤكدة "رفضها للاتهامات التي تطلق بين فترة وأخرى من بعض السياسيين بهدف تضليل الرأي العام العراقي لغايات شخصية أو حزبية ضد هذه المؤسسة التي تعمل بكل استقلالية من أي ضغوطات أو إملاءات سياسية".

وطالبت الكتلة "السلطتين التشريعية والتنفيذية بالقيام بخطوات عملية في هذا الشأن، عبر سن قوانين رادعة تحفظ للسلطة القضائية مكانتها كأعلى سلطة قضائية مستقلة في البلاد، وكضمانة لسيادة القانون في المجتمع العراقي، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات القانونية ضد من يسعى الى تشويه سمعة المحكمة وأعضائها بادعاءات لا تستند الى أدلة ملموسة في الإعلام والصحافة أو في مواقع التواصل الاجتماعي، لمنع أي إساءة أو تطاول مستقبلاً ضد المؤسسات العراقية الرسمية".