البرلمان التونسي يفتح الباب لصندوق التنمية القطري

تونس - أحالت الحكومة التونسية اتفاقا ينص على فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية في تونس إلى مجلس النواب، وصادقت لجنة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي وشؤون التونسيين بالخارج والهجرة، عليه الاثنين، وهو ما يفتح الباب للصندوق للاستثمار في تونس في خطوة تعكس تقاربا بين الدوحة والسلطات التونسية وطي قطر لصفحة النهضة.
وكانت الاتفاقية قد أثارت تحفظات كثيرة في تونس، وسبق وأن تصدت قوى المعارضة لتمريره في مجلس النواب المنحل في العام 2021.
ووفق بيان صادر عن مجلس النواب، فقد أكدت لجنة العلاقات الخارجية، حرصها على الاستماع إلى جميع الأطراف المتداخلة وطرح كل الاستفسارات الممكنة حرصا منها على مصلحة الوطن والحفاظ على سيادته.
وأوصت اللجنة بالموافقة على مشروع هذا القانون عند عرضه على الجلسة العامة، معتبرة أن صندوق قطر للتنمية سيساهم في دفع الاقتصاد الوطني ولا يمس من السيادة الوطنية عبر بعث مشاريع تنموية.
واعتبرت أن اللجنة البرلمانية أن الموازنات الاقتصادية والسياسية العالمية في تغير مستمر ولابد من توظيف هذه الديناميكية لصالح البلاد.
ورأى بعض أعضاء اللجنة، في المقابل، أن الاتفاقية تمس من السيادة الوطنية وتتضمن عدة إخلالات باعتبار أن الاتفاقيات تبرم بين الدول أو بين الاتحادات العالمية في حين أبرمت هذه الاتفاقية بين الحكومة التونسية والمدير العام لصندوق قطر للتنمية.
مجال تدخل الاتفاقية شاسع وحساس إذ يشمل قطاعات كالصحة والتعليم والتربية والفلاحة ويعطي امتيازات هامة للصندوق
وأشار عدد منهم إلى أن مجال تدخل هذه الاتفاقية شاسع وحساس إذ يشمل قطاعات كالصحة والتعليم والتربية والفلاحة ويعطي امتيازات هامة للصندوق كحق امتلاك الأراضي الفلاحية واختيار الموظفين دون أن تكون للدولة التونسية إمكانية إجراء أي شكل من أشكال الرقابة أو التدخل في هذا الاختيار كما لا يمكنها اتخاذ أي إجراءات تشريعية أو ترتيبية من شأنها أن تعيق المشاريع التنموية التي يساهم الصندوق في تمويلها.
وتعود اتفاقية فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس، إلى الثاني عشر من يونيو 2019، حيث تم إبرامها بين الحكومة التونسية وصندوق قطر للتنمية في عهد حركة النهضة الإسلامية.
وتهدف الاتفاقية إلى فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس تحت غطاء المساهمة في تمويل مشاريع تنموية ومنح التسهيلات اللازمة لإنجاز المشاريع التنموية المقترحة على الصندوق لتمويلها.
وقد حاولت حركة النهضة فرض الاتفاقية وتمريرها في البرلمان في العام 2021، لكن قوى المعارضة وفي مقدمتها الحزب الدستوري الحر، تصدت لذلك، عبر اعتصام مفتوح في داخل المجلس، ما حال دون المضي فيها.
ولاقى عدم المصادقة على الاتفاقية ارتياحا سياسيا وحتى شعبيا، ليتفاجأ كثيرون في يناير الماضي بإقدام حكومة أحمد الحشاني على إخراج النص من الأدراج والمصادقة عليه ومن ثم إحالته على البرلمان، الذي يهيمن عليه موالون للرئيس قيس سعيد.
وقالت النائب بالبرلمان التونسي فاطمة المسدي في وقت سابق إن مصادقة مجلس الوزراء على اتفاقية تقضي بفتح مكتب لصندوق قطر للتنمية في تونس يعد خطرا على السيادة الوطنية.
وأوضحت “ليس لدي إشكال مع أي دولة، ولكن الاتفاقيات يجب أن تكون الند للند أي بين دولة ودولة أو دولة ومنظمة عالمية ولكن ليس بين صندوق ودولة..).
لقاء الرئيس التونسي بأمير قطر ني في الجزائر، وإعلان عن اجتماع قريب للجنة المشتركة العليا كلها مؤشرات توحي بأن الدوحة قررت ترك موضوع حليفتها النهضة جانبا
وتابعت المسدي أن هناك عديد الإشكاليات الأخرى التي يطرحها هذا الموضوع على غرار الحصانة القضائية لموظفي الصندوق والمشاريع التي يقوم بتمويلها ومدى تحكّمه فيها.
من جهته اعتبر الصحفي والمحلل التونسي لطفي العماري أن مجرّد طرح الاتفاقية في البرلمان يعتبر خيانة للبلاد، محملا كامل المسؤولية للنواب.
وتثير إعادة النظر في الاتفاقية تساؤلات كثيرة، من بينها موقف الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي لم يكن متحمسا في السابق لها؟ وهل أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تضطرها لاتخاذ قرارات كانت في السابق محل رفض بداعي الخشية على السيادة الوطنية؟.
ويرى متابعون أن من بين التساؤلات المطروحة هل تكون هذه الاتفاقية بوابة لعودة العلاقات التونسية- القطرية إلى طبيعتها، بعد أن شهدت فتورا عقب انطلاق مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021، وما أفضى إليه من تحييد لحركة النهضة القريبة من الدوحة.
ويقول المتابعون إن اللقاء الذي جمع في بداية الشهر الحالي بين الرئيس التونسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الجزائر على خلفية المنتدى الدولي للغاز، وإعلان عن اجتماع قريب للجنة المشتركة العليا كلها مؤشرات توحي بأن الدوحة قررت ترك موضوع حليفتها النهضة جانبا والتعاطي مع الوضع التونسي الحالي.
وكانت زيارة الرئيس التونسي إلى الجزائر لحضور منتدى الغاز أثارت نقاط استفهام كبرى خصوصا وأن تونس لا تعتبر دولة طاقية، لكن بعد اللقاء بين سعيد والشيخ تميم ظهرت تحليلات تتحدث عن وساطة جزائرية لتذويب الجليد من تونس والدوحة.
وخلال اجتماع مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية، أوضح كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج في فبراير الماضي أن الاتفاقية بموافقة الهياكل المعنية، ومنها البنك المركزي ووزارة أملاك الدولة.
وفي رده على استفسارات النواب، قال كاتب الدولة إنه ولئن كانت تونس في حاجة للاستثمارات لكنها لا تقبل التفويت في سيادتها الوطنية.
وأكد أن الاتفاقية، لا تمس بأي شكل من الأشكال من السيادة الوطنية وهي لا تعطي حصانة بل تقدم امتيازات وحوافز جبائية. واعتبر المسؤول التونسي أن صندوق قطر للتنمية يخضع للقانون التونسي ويتمتع بالامتيازات التي تتمتع بها الوكالات الناشطة على التراب التونسي.
وقال إن الاتفاقية ستكون حافزا للتنمية في تونس وأن الغاية من إبرامها هي تحقيق النفع للاقتصاد التونسي، لافتا إلى أن الجانب التونسي له الحق في وضع حد للعمل بها متى اقتضت المصلحة الوطنية ذلك.