المدرسة الرشيدية تكافح للحفاظ على الموسيقى التونسية الأصيلة

تونس - أكد كاتب عام جمعية المعهد الرشيدي طاهر الحبيب أن المعهد الرشيدي للموسيقى يمر بفترة صعبة جدا نتيجة غياب الدعم وتأخر صرف منحة الدولة لعام 2023.
المعهد الرشيدي للموسيقى التونسية، أو المدرسة الرشيدية أو اختصارًا الرشيدية، هو معهد للموسيقى في تونس تم تأسيسه سنة 1934 لإحياء وتطوير الموسيقى التونسية علي يد ثلة من المثقفين التونسيين. وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى محمد الرشيد باي (1710 – 1759) وهو أحد الأدباء والفنانين الذين ظهروا في القرن الثامن عشر في تونس حيث كان شاعرا مولعا بالموسيقى التونسية والعزف على بعض الآلات.
وعبر الحبيب عن تقديره لجهود كل الأساتذة الذين يواصلون عملهم التكويني رغم شح الموارد، كما أعرب عن تقديره لكل الغيورين على المعهد الرشيدي وعلى الفن التونسي الأصيل الذين لولا دعمهم ما كان لدورة هذا العام من مهرجان “ترنيمات”، التي تقام من 18 مارس الجاري إلى 7 أبريل المقبل، أن تلتئم.
وفي حوار مع وكالة تونس أفريقيا للأنباء اعتبر طاهر الحبيب أن المعهد يمر بفترة صعبة جدا، وقال “إننا في الشهر الثالث من سنة 2024 ونحن لم نتحصل على منحة سنة 2023″، وأشار إلى تراجع قيمة المنحة التي كان المعهد الرشيدي يتحصل عليها إذ كانت 120 ألف دينار في ما مضى قبل أن تتقلص إلى 60 ألف دينار ثم تصبح 80 ألف دينار، وهذا التراجع يصعّب مهمة تسيير المعهد، معبرا عن تقديره الكبير لأساتذة المعهد الذين يواصلون عملهم في ظل غياب الموارد المالية، وذلك حبا في المعهد وغيرة على الموسيقى التونسية والفن الأصيل.
المعهد الرشيدي تأسس سنة 1934 لإحياء وتطوير الموسيقى التونسية علي يد ثلة من المثقفين التونسيين
وبين الحبيب أن المعهد يعيش حاليا مرحلة “إعادة التأسيس” للحفاظ على “الذوق العام” من تردي الكلمة في ظل ما يشهده المجتمع اليوم من تطور تكنولوجي رافقته موجة سهولة تفشي الكلمات النابية، وفق تعبيره.
وذكّر بظروف تأسيس المعهد في ثلاثينات القرن الماضي ودوره آنذاك في المحافظة على الذات التونسية والهوية والشخصية التونسيتيْن في بعدهما العربي والإسلامي.
وفي هذا الإطار يعمل المعهد الرشيدي اليوم على تأسيس جمعية قارة تتكون من طلبة المعهد، بدعم من أمان الله الهرماسي الذي يقوم بمجهود كبير لتشبيب المعهد وترسيخ قيمه وتأصيلها لدى شباب تونس، وفق كاتب عام المعهد الرشيدي الذي بين أن تكوين هذه النواة يندرج ضمن الجهود القائمة استعدادا للاحتفال بالذكرى 90 لتأسيس المعهد والتي ستكون فرصة لإحياء ذكرى الآباء المؤسسين وتكريمهم.
وكشف عن عزم الهيئة المديرة على تنظيم معرض قار في مقر المعهد للدكتور صالح المهدي -الذي حملت اسمه الدورة الفارطة من ترنيمات- وسيتضمن المعرض وثائق وصورا ذات قيمة تاريخية كبرى وفق طاهر الحبيب الذي حيى بالمناسبة أفراد عائلة الفنان القدير صالح المهدي على ثقتهم في المعهد ووضع تلك الوثائق الهامة على ذمة المعرض.
وبين أنه سيتم كل مرة تكريم شخصية من الشخصيات التي تركت بصمة كبيرة وأثرا خالدا في المدونة الموسيقية الثرية والقيمة للمعهد الرشيدي.
وقبل تكريم الآباء المؤسسين حرص المعهد على تكريم الشيوخ الذين مهدوا لهذا التأسيس ومن بينهم الشيخ أحمد الوافي الذي كان له فضل كبير على الطبوع التونسية، وقدم مجهودا كبيرا في هذا الاتجاه لكنه توفي سنة 1921 أي قبل أن يرى المعهد النور عام 1934.
ورغم إهداء الدورة لأحد شيوخ المالوف التونسي إلا أن الدورة التاسعة من مهرجان ترنيمات في رمضان الحالي تسجل انفتاحا على كل الطبوع، حيث يتضمن البرنامج ثلاثة عروض من خارج تونس منها عرض الافتتاح “مشك”، وهو نتيجة تجربة خاضها الفنان عبدالله كايماك الذي يحل بتونس لأول مرة، وأثمر مشروعا موسيقيا فيه مزيج بين الموسيقى الأفريقية والتركية والعربية والتونسية، وهو عرض متفرد فيه تفاعل، إذ لا يكون فيه الجمهور مجرد متفرج بل هو جزء من العرض.
هذا إلى جانب عرضين آخرين أحدهما بعنوان “نسمات سورية” للفنان عبدالله مريش، الذي وصفه طاهر الحبيب بالفنان “المتميز إنسانيا وأخلاقيا ويحترم فنه كثيرا”، والثاني بعنوان “بين البحار” لإقبال الحمزاوي وهو يجمع بين الموسيقى اللاتينية والتونسية والأفريقية.
وبخصوص العروض التي تحل ضيفة على المعهد من الجهات، تحدث طاهر الحبيب عن وجود عرضين ضمن البرمجة أحدهما من المنستير بعنوان “كيوف رمضان” لحبيب مرزوق، والآخر من الكاف بعنوان “للا الكافية” الذي يتضمن أصواتا غنائية نسائية متميزة تراوح بين الطبوع التونسية والتراث الغنائي لولاية (محافظة) الكاف.
ونوه كاتب عام المعهد الرشيدي بالإقبال المكثف على الاستماع إلى الموسيقى التونسية الأصيلة والتعطش إلى المالوف والطبوع التونسية، وهو ما يؤكد على ضرورة الاهتمام بهذا الفن، مستدلا على ذلك بنفاد تذاكر عرض “المغنى حياة الروح” لقدماء وأحباء مركز الموسيقى بتونس، وهو عرض يقام بمناسبة إحياء الذكرى 50 للفنان فريد الأطرش. ويتضمن هذا العرض باقة من الأغاني والموشحات والقصائد والأدوار الشرقية.
وستكون دورة العام الحالي فرصة لتقديم عديد النوادي الموسيقية أعمالها الفنية، من ذلك عرض “ديوان الطرب” لنادي الغناء العربي، وعرض “عشاق” لجمعية اللمة وجمعية الشجون الذي يجمع مدرسين وطلبة ومحبي الفن، وعرض طلبة المعهد الرشيدي، إلى جانب عرض الاختتام الذي يحمل عنوان “ليالي زمان” لجمعية المعهد الرشيدي رفقة الفنان حمدي الشلغمي، وبقيادة المايسترو نبيل زميت.
وبين أن هذا الحفل الختامي سيخصص لنوبة مالوف طبع الإصبعين، وهو المقام الذي كثيرا ما لحن فيه الشيخ أحمد الوافي وكان يوليه أهمية بالغة.
وثمن كاتب عام جمعية المعهد الرشيدي طاهر الحبيب الجهود الكبيرة التي ما انفكت تبذلها النوادي الموسيقية في مختلف الجهات، والقائمون عليها، واصفا إياهم بالناس “الذين يناضلون محبة في الفن الأصيل”.
وفي ختام كلامه أكد على أهمية أن يتكاتف الجميع لا فقط للمحافظة على المعهد كمكسب هام للبلاد بل كذلك للمحافظة على الكلمة الراقية ومقاومة الابتذال، وشدد على خطورة الكلمة وتأثيرها قائلا “إن فقدت المواد الغذائية ستتوفر عاجلا أم آجلا، لكن الثقافة والقيم إن فقدت ضاعت إلى الأبد وهذا الأخطر”.