الدراما الجزائرية ضيفة على القنوات المحلية مع استحواذ الإعلانات عليها

أثارت القنوات الفضائية الجزائرية استياء الجمهور وغضبه بسبب استحواذ الإعلانات على الشاشات غالبية الوقت دون تخطيط، مع تضمن المسلسلات محتوى يخالف التعليمات والتوجيهات التي أصدرتها السلطات لمدراء القنوات قبل بدء الموسم الرمضاني.
الجزائر - دعا وزير الاتصال الجزائري محمد لعقاب مدراء القنوات التلفزيونية الحكومية والخاصة إلى مكتبه بعد انقضاء الأسبوع الأول من شهر رمضان، واكتشاف أن المؤسسات الإعلامية لم تتجاوب مع دعوات الانضباط، وواصلت السقوط في فخ بث محتويات مبتذلة في الموسم الرمضاني والانصياع لسطوة الممولين، الأمر الذي حولها إلى محلات بقالة أكثر من كونها مؤسسات إعلامية بمهامها المعهودة.
وسرّعت المؤسسات الرسمية والمهنية في الجزائر وتيرة ضبط المحتوى الإعلامي الذي تقدمه مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة إلى الجمهور، لاسيما خلال المناسبات والمواسم؛ فبعد الانزعاج من الإعلام الرياضي جاء الدور على البرامج الرمضانية التي أثارت غضب الجمهور والهيئات الوصية، وبدا أن الفضائيات لم تتجاوب بالشكل الذي كانت تأمله السلطات، خاصة فيما يتعلق بالمحتوى وسطوة المعلنين.
وفي إطار سلسلة اتصالات ولقاءات مفتوحة بين وزارة الاتصال والفاعلين في القطاع تمت دعوة المنتجين ووكالات الإنتاج السمعي البصري، الحاصلين على رخص التصوير من مصالحها، إلى الالتزام بمحتوى رخصة التصوير الممنوحة والتقيد بالتعهد الممضي عليه بعد استلام الرخصة.
ولفت بيان للوزارة إلى أنه “بعد الملاحظات التي سجلتها حول مختلف البرامج الرمضانية، فإنها تذكّر كافة المنتجين ووكالات الإنتاج السمعي البصري الحاصلين على رخص التصوير من مصالح الوزارة، بضرورة الالتزام بمحتوى رخصة التصوير الممنوحة والتقيد بالتعهد الممضى عليه بعد استلام الرخصة”.
وشدد على أن الوزارة “لن تتوان في اتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب رخص التصوير، أو إدراجهم ضمن المنتجين ووكالات الإنتاج الممنوعين من الحصول على رخص التصوير مستقبلا”.
وكان وزير الاتصال محمد لعقاب قد أكد في لقاء عقده مع مدراء القنوات التلفزيونية الحكومية والخاصة على ضرورة مراعاة قيم وعادات المجتمع الجزائري في الشبكة البرامجية التي تبث خلال شهر رمضان، واحترام المعايير المتعلقة بفترات بث الومضات الإشهارية.
وشدد على وجوب مراعاة حرمة الشهر الفضيل وقيم المجتمع الجزائري خلال بث مختلف البرامج، وأن تحرك الوزارة الوصية والهيئة المهنية لم يتم إلا بعد حدوث تجاوزات عديدة سجلتها لجنة اليقظة التي تم تنصيبها لمتابعة البرامج الرمضانية منذ حلول شهر رمضان.
وأوضح أن بعض المسلسلات تضمنت لقطات غير مبررة، ولا تتناسب مع حرمة شهر رمضان وعادات المجتمع الجزائري، وكان بالإمكان حذفها دون أن يكون لذلك تأثير على سير الإنتاج ككل، وأن الأمر لا يتعلق بالمواضيع التي تدور حولها هذه المسلسلات، بل بطريقة معالجتها التي غاب عنها الإبداع، حيث أوحت بأن تلك الأعمال تشجع على الانحرافات والآفات الاجتماعية كالمخدرات والعنف بدل التوعية بخطورتها.
وأضاف “بعض المنتجين قاموا بتغيير السيناريوهات التي حصلت على رخصة من قبل وزارة الاتصال، وهو أمر مرفوض تماما، وهي مسؤولية يتحملها مدراء القنوات التلفزيونية، خاصة فيما يتعلق بمراقبة محتوى البرامج قبل بثها”.
وكانت قناة “الشروق” الخاصة أولى المحطات التي أثارت انزعاج الوزارة، حيث تم استدعاء مسؤوليها خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، لطلب توضيحات حول بعض اللقطات في مسلسل “البراني”.
المؤسسات الرسمية والمهنية في الجزائ سرّعت ر وتيرة ضبط المحتوى الإعلامي الذي تقدمه مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة إلى الجمهور
وأفاد بيان للوزارة بأنه “تبعا لملاحظات لجنة اليقظة المنصبة لمتابعة البرامج الرمضانية عبر القنوات التلفزيونية خلال الشهر الفضيل، وبناء على تنبيه السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري، فإنه تم تسجيل بعض الملاحظات بخصوص بعض اللقطات في مسلسل ‘البراني’ الذي يبث على قناة الشروق تي في”.
وتقاسمت الأعمال الفنية والمسلسلات التي تعرض على الجمهور الجزائري خلال الموسم الرمضاني مظاهر العنف والجريمة والمخدرات، في حين غابت اللمسة الهادفة والبناءة في مسايرة الجوانب الروحية للموسم، والاجتهاد في تقديم أعمال تاريخية أو اجتماعية تحترم الذوق العام وتقدم إضافة للعمل الدرامي بشكل عام.
وكانت التعليمات التي وجهت إلى مدراء القنوات التلفزيونية قد صدرت قبل بدء الموسم الرمضاني وتوصي بتجنب العنف في البرامج المقدمة خلال شهر رمضان. وتم تنظيم اجتماع بهذا الخصوص مع مدراء القنوات التلفزيونية الوطنية.
وأوضح لعقاب أن “لكل قناة تلفزيونية برامجها الخاصة ضمن الشبكة البرامجية لشهر رمضان إلا أن المتغير هذه السنة هو وجود توجيهات لتجنب البرامج التي تتسم بالعنف سواء كان عنفا لفظيا أو جسديا”، مذكرا ببرامج سابقة “كانت محل شكوى من طرف المشاهدين بسبب احتوائها على مشاهد عنف”.
وشدد الوزير على أن الأخطاء السابقة “لن تتكرر هذه السنة” معلنا عن “اجتماع سيجمعه بالمدير العام للتلفزيون العمومي ومدراء القنوات الخاصة هذا الأسبوع أو الأسبوع القادم كأقصى تقدير، لتجديد التوجيهات بهذا الخصوص وذلك استنادا إلى قانون الإعلام الجديد الذي أصبح يطبق منذ الثالث من ديسمبر 2023، والذي يحدد شروطا واضحة في قضية العنف واستغلال الأطفال في الإعلانات وغيرها والتي لا بد من الالتزام بها”.
بعض المسلسلات تضمنت لقطات غير مبررة، ولا تتناسب مع حرمة شهر رمضان وعادات المجتمع الجزائري
وأثارت السطوة غير المبررة للمعلنين على المحتوى الرمضاني المقدم من طرف القنوات الحكومية والخاصة استياء المتابعين والجمهور بشكل عام، لاسيما مع تحول تلك المحطات إلى بقالات تروج لمنتوجات استهلاكية أكثر مما تقدم محتوى إعلاميا تثقيفيا أو ترفيهيا.
وفي هذا الشأن انتقد وزير الاتصال عدم تحلي معظم القنوات التلفزيونية الخاصة بالمعايير المهنية التي تسير هذا الجانب، ما حولها من “نوات إعلامية إلى قنوات إعلانية “.
ولفت إلى أن “الومضات الإشهارية تجاوزت في العديد من القنوات مدة 45 دقيقة دون انقطاع، وبوجه أخص في فترة الإفطار، ما أثار امتعاض المشاهدين الذين يفضلون متابعة القنوات الوطنية خلال هذه المناسبات الدينية”.
ونبه إلى أن “هناك معايير دولية تسيّر مجال الإشهار يتعين الالتزام بها في انتظار صدور دفتر الشروط وتنصيب سلطة الضبط، وأن هذه القنوات أساءت لنفسها أولا ثم إلى المواطن والإعلام الوطني ككل، وأن السلطات العمومية لن تبق دون رد فعل أمام هذا الوضع الذي يتعين تداركه في أقرب الآجال”.
وكانت سلطة الضبط قد كشفت أنها سجلت خلال مراقبتها الشبكات البرامجية لوسائل الإعلام السمعية البصرية طيلة الأيام الثلاثة الأولى من شهر رمضان تمادي بعض القنوات التلفزيونية في إطالة مدة الفواصل الإشهارية، وهو ما يشكل إضرارا بمصلحة المشاهد، وتجاوزا للوقت المخصص لبث الرسائل الإشهارية. وشددت على ضرورة التزام جميع وسائل الإعلام السمعية البصرية بسائر القواعد القانونية، واحترام المشاهد وخصوصية العائلات الجزائرية.
وشهد البرلمان الجزائري في العام الماضي نقاشات بشأن المسلسلات الرمضانية التي عرضتها القنوات المحلية، بسبب كثافة مشاهد العنف والترويج للمخدرات وغيرها وسط مطالبات بالحد من منسوبها. واستهدف مسلسل “الدامة” في هذا السياق، إذ شنت دوائر رسمية ونخب افتراضية هجوما لاذعا على المسلسل الذي بثه التلفزيون الحكومي خلال شهر رمضان الماضي، وذلك بدعوى عدم مراعاته للقيم الوطنية والاجتماعية، حيث أخذت مشاهد له صورت في فضاءات تحمل شعارات سياسية معادية كحركة ماك الانفصالية وشلوم اليهودية، فضلا عن ترويجه العنف والمخدرات واستغلال الأطفال، كمبرر للمطالبة بوقف بثه.