شبابيك من الذهب

الزلابية تصنع من عجين من الدقيق الأبيض المخمر الذي يأخذ أشكالا دائرية ومخروطية ويقلى في الزيت ويغمس في العسل أو السكر المذاب.
الأحد 2024/03/17
واحدة من أكثر الحلويات جاذبية وانتشارا

من أهم مميّزات رمضان، أطباق الزلابية. تلك التي تعلق بها الأمراء، وتغزّل بها الشعراء، وتطلّعت إليها نفوس العوام، فإذا بها جزء أصيل من محتويات موائد الصائمين، ومن أطباق البهجة في عيون الساهرين.

والزلابية يقبل عليها التونسيون مع شقيقتها “المخارق”، وأفضلها ما تصنعه أيادي الحلوانيين المهرة في مدينة باجة، شمالي البلاد، التي تعرف بأنها عاصمة إقليم شهير بجودة إنتاجه الزراعي وخاصة من القمح والسكر والسمن.

وتشتهر الزلابية في الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية حيث تعتبر من الحلويات المحبّبة في الكويت والبحرين والأحساء والقطيف وجازان، ولها حضور لافت على موائد رمضان في العراق، وتسمّى في بلاد الشام ومصر بالمشبّك، ويتربع المشبك الدمياطي على عرش الحلويات الشرقية في مختلف مناطق مصر، وهو من أفضل ما يهدى للضيوف والزوار وما يحمله معهم السواح إلى بلدانهم.

وتصنع الزلابية من عجين من الدقيق الأبيض المخمر الذي يأخذ أشكالا دائرية ومخروطية، ويقلى في الزيت ويغمس في العسل أو السكر المذاب ليتحول إلى واحدة من أكثر الحلويات جاذبية وانتشارا، وتقدمها قواميس اللغة على أنها حَلْواءُ تصنَعُ من عجين رقيق تصَبُّ في الزيت وتُقلَى ثم تعقَدُ بالدَّبْس.

ويختلف المؤرخون والمحققون في أصل التسمية، فهناك من يقول إنها تعود إلى فعل زلب، كأن نقول زلب الصبي بأمه أي لزمها ولم يفارقها، وهناك من يعتقد أنها معربة من الفارسية من كلمة زليبيا، كما هناك مفردات شبيهة في اللغات الأخرى، ومنها “زوليبي” في التركية، و”زوليبيا” في الآرامية، و”جلابية” في الهندية.

ويعتقد البعض أنّ أصل الزلابية من الأندلس، ويعود إلى عهد جد أبي عبدالله محمد الثاني عشر، الشهير ببوعبديل، أمير غرناطة، الذي طلب من الطهاة تحضير حلوى لفض الصيام، فراحوا يتنافسون لصناعة حلوى غنية ولذيذة، غير أن الوقت داهم أحدهم بعد أن اخترع وصفة جديدة، وفي طريقه إلى بلاط السلطان، زلت قدمه فسقط طبق الحلوى، فراح يصيح: “زلت بي”، ففرح السلطان بهذه الحلوى، وسماها “الزلابية”، تيمنا بجملة الطاهي المرحة.

لكن يبدو هذا الاحتمال مستبعدا بالنظر إلى زمن بوعبديل الذي عاش في الفترة ما بين 1460 و1527، إذ أن الشاعر العباسي الحسن علي بن العباس بن جريج المعروف بابن الرومي والذي عاش ما بين عامي 836 و896 م كان قد وصف صانع الزلابية، فقال: “ومُستقرٍّ على كرسيِّه تَعِبِ / روحي الفداءُ له من مُنْصَبٍ نَصِبِ / رأيته سحراً يقلي زلابيةً /في رقَّةِ القِشْر والتجويف كالقَصَبِ / كأنما زيتُه المَغْليُّ حين بدا / كالكيمياء التي قالوا ولم تُصَبِ / يُلقي العجينَ لُجيناً من أناملهِ / فيستحيلُ شَبابيكا من الذهبِ”.

18