القوانين لا تضمن حقوق العاملات الزراعيات في تونس

البروتوكول الصادر في 2016 الخاص بنقل العاملات في القطاع الزراعي لم يُفَعّل إلى اليوم.
السبت 2024/03/16
ظروف قاسية

تعيش النساء العاملات في القطاع الزراعي في تونس وضعية هشة، زادها هشاشة غياب القوانين الحامية لحقوقهن وسط صمت الدولة عن معاناتهن خصوصا في مسألة النقل، حيث بقي البروتوكول الخاص بنقل العاملات الزراعيات الصادر منذ 2016 حبرا على ورق، ولم تقع ترجمته إلى اليوم على أرض الواقع. كما تعاني تلك الفئة من استغلال الوسطاء وتدني الأجر وغياب التغطية الاجتماعية.

تونس ـ يغيب عن إحصائيات الدولة التونسيّة عدد العاملات في القطاع الزراعي تحت عدّة مبررات لعلّ أهمّها أنّ موسميّة نشاطهنّ تمنع الدولة من تحديد الرقم الحقيقي لهن.

مع ذلك، تقدّر الأرقام غير الرسميّة عدد العاملات في القطاع الزراعي بأكثر من نصف مليون امرأة تونسيّة، يضمنّ باستمرار رغيف التونسيات والتونسيين، وسلة غذائهم.

ورغم أهميتهن في الدورة الاقتصادية إلا أنهن يبقين خارج دائرة القوانين الموضوعة والتي لم تفعّل إلى الآن وبقيت معطلة، وفق ما أكدته ناشطات نسويات.

واعتبرت الكاتبة العامة لجمعية النساء الديمقراطيات أحلام بوسروال، أن الترسانة القانونية لم تكتمل بعد لوضع حد للانتهاكات المسلطة على النساء في تونس، خصوصا في العمل المنزلي والزراعي.

وأكدت في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أن النساء الكادحات والعاملات الزراعيات من بين أكثر الفئات، التي لا تتمتع بالقوانين الضامنة لجميع حقوقها، مضيفة أن البروتوكول الخاص بنقل العاملات الزراعيات الصادر منذ 2016 لم تقع ترجمته إلى اليوم على أرض الواقع.

ونبهت بوسروال من تأخر صدور النصوص التطبيقية الخاصة بالقانون عدد 37 الخاص بالعاملات المنزليات رغم أنه كان قد صدر منذ جويلية 2021 أي قبل 3 سنوات، معتبرة، أن تطبيق مجمل التشريعات يتطلب المتابعة حتى لا تنشأ فجوة بين الإطار القانوني وواقع الانتهاكات المسلطة على المرأة.

الترسانة القانونية لم تكتمل بعد لوضع حد للانتهاكات المسلطة على النساء في تونس، خصوصا العاملات في القطاع الزراعي

وأبرزت الكاتبة العامة لجمعية النساء الديمقراطيات، الدور الذي تضطلع به الجمعيات النسوية في مناهضة كل أشكال العنف المسلط على المرأة، مؤكدة أهمية تشبيك العلاقات بين هذه الجمعيات وذلك بدعم التقاطعات فيما بينها من أجل دعم التعهد بالنساء ضحايا العنف الاقتصادي والاجتماعي.

ولاحظت كذلك، وجود فجوة في تطبيق القوانين المناهضة للعنف بين المدن والأرياف في تونس، محذرة من حصول تراجعات في مستوى مناهضة العنف بالنظر إلى تواتر حالات تقتيل النساء في وقت سجلت فيه تونس حتى مطلع السنة الحالية، قتل 6 نساء في غضون شهرين منذ بداية 2024.

وتعيش أكثر من مليون و700 ألف امرأة وفتاة، في الأرياف، بنسبة 32 في المئة من مجمل النساء في تونس، و50 في المئة من مجمل سكان المناطق الريفية، كما يمثلن ما بين 62 و80 في المئة من اليد العاملة في القطاع الزراعي في البلاد. ورغم ذلك تعد المرأة الريفية من أكثر الفئات تهميشاً.

وفي عام 2023، طالبت النساء العاملات في القطاع الفلاحي، الحكومة بضرورة تحسين وضعيتهن الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة والهشة وخاصة تفعيل ترسانة القوانين الموضوعة والتي لم تفعّل إلى الآن وبقيت معطلة.

وقالت نورة بوعلاّق: “نعمل في ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانيّة.. يتمّ التواصل معنا من قبل الوسيط لا غير، لا يوجد أدنى تعامل مع الفلاّح الذي سنعمل بأرضه. قبل ذلك، يمرّ الوسيط صباحا ليأخذنا في شاحنته فيتجاوز عددنا الثلاثين، نرصّ بعضنا البعض لكي نستطيع الوقوف في صندوق الشاحنة طيلة 30 كيلومترا وصولا إلى الحقل“.

أعمار النساء العاملات في القطاع الزراعي تتراوح من 12 سنة إلى 70 سنة

وأضافت أن أعمار النساء العاملات في القطاع الزراعي تتراوح من 12 سنة إلى 70 سنة، منهن من تركت محفظتها الدراسيّة والتحقت بالعمل، ومنهن من لم تكن تعرف للعمل الفلاحي مدخلا إلاّ أنّ الحاجة وضنك العيش دفعاها إلى ذلك، وتابعت: “جلنا نساء، الرجال لا يريدون العمل في هذا المجال، فهم يدركون أن العمل مضنٍ والمقابل زهيد وإن علا”.

والعام الماضي، عبرت النساء العاملات في القطاع الزراعي بالعاصمة بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي الأول للعاملات في القطاع الزراعي تحت شعار “نضال من أجل حقوقنا الاقتصادية والاجتماعية”، عن امتعاضهن من الظروف الصعبة التي يعملن فيها ولاسيما ظروف النقل المحفوفة بالمخاطر وهضم حقوقهن المالية في ظل تقاضيهن لجراية يومية جد زهيدة.

وشددت منية بن عمر عاملة في القطاع الفلاحي في ولاية سيدي بوزيد، على أن وضعيتها والعديد من النساء في الجهة صعبة جدا، بداية من توقيت العمل الذي يستغرق 12 ساعة في اليوم (من الرابعة فجرا إلى الرابعة بعد الظهر) مرورا بظروف النقل الخطيرة وصولا إلى ظروف العمل الشاقة والمقابل المادي الزهيد (3 دولارات) والحرمان من التغطية الاجتماعية والصحية.

وأكدت في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء على عدم إنسانية ظروف النقل بواسطة الشاحنات كاشفة أن سائق الشاحنة يتعمد إلقاء الماء في الشاحنة حتى لا تجلس النساء من أجل تخصيص أكبر عدد ممكن من الأماكن وقوفا إلى درجة أنه يتم نقل أكثر من 30 امرأة في الشاحنة الواحدة وفق قولها.

من جهتها أبرزت سارة بن سعيد عن جمعية أصوات نساء  أن عدة منظمات من المجتمع المدني وعدد من العاملات في القطاع الزراعي أطلقن  حملة “نساء تعيش” منذ سنة 2020 لبلوغ تنظيم أول مؤتمر سنوي للنساء العاملات في القطاع الزراعي بعد 5 سنوات من إصدار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بالنقل الآمن لهنّ.

ولاحظت أن المؤتمر ينعقد في ظل الظروف الهشة التي تعرفها النساء العاملات وهن من قررن تنظيم هذا المؤتمر في العاصمة للتعبير عن أصواتهن وحقهن في العمل اللائق وفي التغطية الاجتماعية والنفاذ إلى الخدمات الصحية.

Thumbnail

وعبرت عن أسفها من تعاطي الحكومات المتعاقبة في ملف النساء العاملات في القطاع الزراعي وهضم حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية في ظل ما وصفته بالصمت المريب من الدولة بخصوص هذا الملف الحارق.

ولاحظت بن سعيد أن أهم عامل يعود إلى سياسات الدولة في عدم توفير الميزانيات الخصوصية لإنفاذ هذه القوانين وعدم توفير الرقابة من الجهات الأمنية على الطرقات وخاصة ما وصفته بشاحنات الموت التي تحمل عشرات النساء ونقلهن إلى الحقول.

وشددت على أن النساء العاملات في القطاع الزراعي يساهمن بفضل عملهن في السيادة الغذائية لتونس في ظل عزوف الشباب من الذكور عن العمل في النشاط الزراعي من دون التفكير من الدولة في تموقع محترم في السياسات والإستراتيجيات الزراعية للبلاد.

وطالبت أصوات نساء بصياغة إطار تشريعي استثنائي للنقل الفلاحي يسمح بإجراء تعديلات على المركبات المخصصة للنقل الزراعي وترخيص نشاط التعديل إلى جانب وضع اتفاقيات مع شركات تأمين للنظر في تسجيل هذه المركبات في خدماتها بأسعار معقولة.

وكان البرلمان التونسي قد سن القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعاملات في القطاع الزراعي إثر فاجعة منطقة السبّالة من ولاية سيدي بوزيد (وسط) والتي راح ضحيتها 12 عاملا وعاملة بالإضافة إلى وقوع 20 جريحا، تحت ضغط مجتمعيّ واسع.

وعلى الرغم من سنّ هذا القانون، إلا أنّ مطلب النقل الآمن لم يتحقق في ظلّ عجز الدولة وأحيانا تواطؤ الموظفين في الرقابة على وسائل النقل التي تستقلها النساء العاملات في القطاع الزراعي، وكذلك الإشكال في مقاربة الدولة في معالجة هذا الملف.

15