تونس تقطع خطوة باتجاه توسيع نطاق الشمول المالي

مشروع قانون مكافحة الإقصاء المالي يعزز الخدمات المالية الرقمية ويضم الفئات المحرومة من التمويل ويعزز الرقابة.
الجمعة 2024/03/15
الصراف على مرمى حجر!

رجّح خبراء أن تفرز الجهود التونسية نحو تطوير الخدمات المالية الرقمية وتسهيل وصول الطبقة الهشة إلى مصادر التمويل إلى تقدم ملحوظ في خطوة توسيع نطاق الشمول المالي، رغم أنها تحتاج إلى المزيد من التسهيلات لتوسيع نطاقها على نحو أكبر.

تونس - تركز الحكومة التونسية على ضبط خطة لتحقيق الشمول المالي مدعومة بمشروع قانون يناقشه البرلمان حاليا بهدف تكييف خطط الارتقاء بالقطاع المصرفي ورقمنته مع الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف دفع عجلات الاقتصاد وتحفيز الاستثمار.

ويهدف القانون الذي يتضمن 28 فصلا، وصادقت عليه الحكومة منذ أسبوعين وأحالته إلى لجنة المالية والميزانية للشروع في التداول بشأنه تطوير الآليات التشريعية والمؤسساتية لتعزيز الإدماج المالي.

وسيكون بإمكان الطبقة الفقيرة وشرائح المجتمع محدودة الدخل والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين لهم قدرة على ممارسة نشاط اقتصادي أو الذين يتقنون مهنة أو حرفة أو نشاطا مدرا للدخل من فتح حسابات مصرفية دون شروط.

كما يرمي القانون إلى مساعدة المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر التي تجد صعوبة في النفاذ إلى القطاع المالي من منتجات وخدمات تلبي احتياجاتهم يتم توفيرها بطريقة مسؤولة مع دعم حمايتهم مما يساهم في تعزيز التمكين الاقتصادي والإدماج الاجتماعي.

بسّام النيفر: مشاركة كل التونسيين في المنظومة المالية ستكون شفافة
بسّام النيفر: مشاركة كل التونسيين في المنظومة المالية ستكون شفافة

وينص مشروع قانون مكافحة الإقصاء المالي على استحداث نظام جديد يقوم على تنزيل قيمة الأوراق النقدية المستبدلة في الحساب البنكي أو البريدي أو حساب الدفع لمالكها عوضا عن إبدالها نقدا لدى القطاع المصرفي أو لدى البنك المركزي.

وفي سياق دعم الدور الرقابي للبنك المركزي على أنظمة ووسائل الدفع سيتم إنشاء مجلس وطني للمدفوعات بما يساهم في تسهيل وتعميم استعمال الخدمات المالية الرقمية، علاوة على تأسيس مجلس وطني للإدماج المالي لدعم حوكمة الاندماج المالي.

ويشهد العالم حاليا تسارعا تقنيا نتج عنه تقدم كبير في الخدمات المالية ضمن حلول مبتكرة بما يعرف بالتكنولوجيا المالية (فينتك)، مما يفرض على البلد اللحاق بالركب خاصة وأن دولا عربية سرّعت من مبادراتها في هذا المضمار.

ويؤكد المحلل المالي بسّام النيفر أن مشروع قانون مكافحة الإقصاء المالي سيكون له الأثر الإيجابي في زيادة عدد الحسابات البنكية والبريدية، لاسيما، في عدد التطبيقات الإلكترونية المجانية في مدّة قصيرة.

وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء التونسية الرسمية إن “القانون المعروض على البرلمان سيسمح لعدد أكبر من التونسيين بالانخراط في المنظومة المالية وبأقل كلفة ممكنة فضلا عن فسح المجال لانتشار أكبر لمؤسسات التمويل الصغير”.

وأفاد بأنه سيكون بإمكان التونسيين فتح حساب بنكي أو بريدي جاري دون اشتراط توفر شهادة عمل. وتابع النيفر بالقول “سيتسنّى تأمين مشاركة جميع التونسيين في المنظومة المالية بصفة واضحة وشفافة”.

وستضمن الدولة لهذه الشريحة من الأشخاص، عند اعتماد القانون، فتح حساب مصرفي في حال رفض البنوك أو مؤسسة البريد، فتح هذا الحساب بفضل أجهزتها وهياكلها فضلا عن تأمين وسيلة دفع إلكترونية مجانا.

4.36

مليون هو عدد الحسابات المصرفية في البلاد دون اعتبار حسابات الادخار المالي

ويقدر عدد الحسابات البنكية بالبلاد دون اعتبار حسابات الادخار بحوالي 4.36 مليون حساب، وهي تدر عمولات كبرى على القطاع ككل بينما تبلغ حصة البنوك الحكومية منها 30.2 في المئة.

وينشط في السوق المحلية 23 بنكا مقيما و7 بنوك غير مقيمة، إضافة إلى مؤسسات مالية أخرى، ولديها فروع يتجاوز عددها أكثر من 1860 فرعا منتشرة في كل ولايات (محافظات) البلاد.

ورغم هذا العدد الكبير من البنوك، مقارنة بدول مجاورة مثل الجزائر والمغرب، فإن مرصد الاندماج المالي التابع للبنك المركزي أكد في الكثير من المرات والتقارير أن الانطباع العام بين التونسيين هو أن الخدمات البنكية والمالية ليست جيدة.

ويركز مشروع القانون في جانب كبير على التمويل الصغير. وكان عدد التونسيين الحاصلين على هذه النوعية من الديون قد بلغ في نهاية عام 2023 حوالي 758 ألفا بحجم قروض بلغت قرابة ملياري دينار (640 مليون دولار).

وقال النيفر “سيمكن القانون مؤسسات التمويل الصغير من بيع عقود التأمين من عند شركات التأمين في إطار اتفاقيات مع لعب دور الوسيط من خلال بيع خدمات الادخار البنكي والبريدي”.

وأضاف “من شأن القيام بهذه المعاملات تقريب مؤسسات التمويل الصغير من الأفراد المعنيين وربح الوقت وعناء التنقل”.

أهم بنود القانون

  • فتح حسابات بنكية للأفراد محدودي الدخل والفقراء دون شروط
  • تسهيل وصول المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر إلى التمويلات
  • تأسيس مجلس وطني للمدفوعات ومجلس وطني للإدماج المالي
  • تعميم الخدمات المالية الرقمية والحد من التعاملات بالنقود

ويقترح المشروع توفير حماية لمؤسسات التمويل الصغير من خلال تنظيم خروج ودخول المساهمين في رأس المال، خاصّة المساهم الرئيسي، وإخضاع ذلك للترخيص.

كما يقترح تمكين مؤسسات التمويل الصغير من قاعدة بيانات البنك المركزي وتحسين قدرتها على التصرف في المخاطر من خلال التعرّف على الأفراد، الذين لديهم قروض بنكية متعثرة.

ويمكن أن يقوم القانون من خلال استهداف كل منافذ الشمول المالي بدور مهم في الحد من الاقتصاد الموازي من خلال تعزيز إدماجه في الاقتصاد الرسمي.

ونصف اليد العاملة بالبلاد تنشط في القطاع الموازي، وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن 43.9 في المئة من العاملين بالقطاع الخاص يعملون في السوق السوداء، وأنه من بين 2.8 مليون مشتغل يعمل 1.55 مليون في القطاع غير المهيكل.

وشدد النفير على أن تقليص التعامل النقدي مهم ويسهّل على الدولة عمليّة سحب كمية معينة من النقود، كما سيدفع التونسيين إلى التصريح الفعلي للقيمة المتوفرة لديهم نقدا عند استبدال الأوراق النقدية.

وأوضح أنه بهذه الطريقة بالإمكان تطويق ظاهرة التهريب والتقليص من تداول الأموال في السوق نقدا وحصرها.

وكان المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية قد نشر في شهر أغسطس الماضي دراسة بعنوان “الاندماج المالي ودوره في الحد من الاقتصاد غير المنظم في تونس” أشار فيها إلى أن الشمول المالي للمؤسسات وخاصة الأفراد يعد محفزا للاندماج الاجتماعي.

وقال مؤلف الدراسة الأستاذ الجامعي سامي مولاي إن الشمول المالي “يمكن أن يشكل آلية رئيسية لتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير مستقبل أفضل للسكان، لاسيما التونسيين من ذوي الدخل المنخفض”.

كما أكد أن الإصلاحات والتدابير الشاملة ستتيح ضمان وصول أفضل إلى مصادر التمويل المصرفي وغيرها عبر إدماج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المنظم.

ومع ذلك، فإنه رغم الجهود المبذولة لتعزيز الوصول إلى الخدمات المالية، فإن تحليل معايير الشمول البنكي والمالي في تونس يبرز أنه لا يزال أقل من المعدلات المقارنة الدولية والإقليمية.

11