التنافس على رئاسة البرلمان العراقي يحدث تصدعا في جدار السيادة والعزم

خمسة قياديين بينهم أربعة نواب ينسحبون من التحالفين السنيين ويعلنون تشكيل كتلة "الصدرة" النيابية، بعد تأييد التحالف عن ترشيح سالم العيساوي على حساب محمود المشهداني.
الخميس 2024/03/14
خلافة محمود الحلبوسي تفكك تحالف خميس الخنجر

بغداد – شهدت الساحة البرلمانية العراقية تحولا جديدا في سياق المعركة السياسية المحتدمة على منصب رئيس مجلس النواب، حيث أعلن خمسة قياديين في تحالفيّ "السيادة والعزم"، مساء الأربعاء، انسحابهم من التحالفين وتشكيل كتلة "الصدارة" النيابية.

ويطرح هذا الانسحاب الذي جاء في توقيت غير متوقع تساؤلات واسعة حول تداعياته على الساحة السياسية العراقية.

ورغم أن القياديين الخمسة عزوا انسحابهم إلى السعي لضمان التوازن الوطني وعودة النازحين لمناطقهم، فإن المتابعين للمشهد السياسي العراقي يرون أن سبب الانشقاق يعود لتأييد زعيم التحالف خميس الخنجر وقوى الإطار التنسيقي الشيعي ترشيح النائب عن محافظة الأنبار سالم العيساوي على حساب محمود المشهداني.

وكانت القوى السنية في البرلمان العراقي "السيادة والعزم والحسم"، قد أعلنت ليل الجمعة/السبت ترشيح العيساوي لمنصب رئيس البرلمان، داعية "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد إلى التصويت للمرشح لحسم الملف.

وقال المنسحبون وهم النائبان عن "السيادة" محمود المشهداني، وطلال الزوبعي، والنائبان عن "العزم" خالد العبيدي، ومحمد نوري عبدربه، والسياسي الشيخ فارس الفارس، في بيان "انطلاقاً من حرصنا الوطني المبني على الاستجابة لمطالب شعبنا العراقي كافة، وتلبية لاحتياجات أهلنا وجماهيرنا لتحقيق تمثيل فعلي وشراكة صحيحة في صنع القرار السياسي، نعلن عن تشكيل كتلة 'الصدارة' السياسية البرلمانية الجديدة".

وأضافوا أن "قرار تشكيل هذه الكتلة جاء كضرورة وطنية ترتكز على مبادئ الشفافية والوضوح والصدق والثقة المتبادلة والحوار والتعاون والقرار المشترك فيما بين أعضاء الكتلة ومع الآخرين".

وأكدوا "سنبدأ بفتح حوارات مع كل الأطراف السياسية المؤثرة والكتل البرلمانية دون استثناء لتنفيذ بنود الاتفاق السياسي في تشكيل الحكومة الحالية، وفي مقدمتها ضمان التوازن الوطني وتحقيق المطالب المشروعة لأهلنا في المناطق المحررة والإسراع بإعادة النازحين وتعويضهم لاستعادة حياتهم في مناطقهم، وحسم تشريع قانون العفو العام".

ويندرج هذا الانسحاب في سياق الصراع السياسي على تشكيل الأغلبية البرلمانية لكن من غير المستبعد أن يكون له تأثير على اختيار رئيس البرلمان، حيث يُظهر هذا التحول الجديد تفكك التحالفات السياسية السابقة وتبدل الدفاتر السياسية.

فعلى الرغم من التصريحات التي تشير إلى تحقيق المطالب المشروعة لأهالي المناطق المحررة وإعادة النازحين، إلا أن الرؤية الواقعية ترى في هذا الانسحاب سباقا وتنافسا على المناصب والنفوذ، خاصة على منصب رئيس البرلمان.

ويعكس هذا الانقسام الداخلي في التحالفات السياسية الحالية حالة من الضعف وعدم الاتساق، مما يزيد من التعقيدات السياسية في العراق ويجعل عملية اتخاذ القرارات السياسية أكثر تعقيدا وتحديا.

ومع ذلك، يظل من الصعب تحديد مسارات هذا الانفصال الجديد ومدى تأثيره الفعلي على السياسة العراقية في المستقبل القريب.

وسوف يترك تحالف المتفكك المعارض لرئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، تداعياته على الجبهة السنية وعلى مسارات اختيار رئيس النواب.

وبدا واضحا أن الأرض التي تقف عليها تحالفات السيادة والعزم والحسم غير متماسكة، بعد إعلانها منذ نحو أسبوعين عن تشكيل الأغلبية البرلمانية السنية على حساب حزب "تقدم" بزعامة الحلبوسي

وفي الساحة السياسية المضطربة للعراق، تتجلى التحولات والانشقاقات كوسيلة للتنافس على السلطة والتأثير، لكن ضعف الوحدة السياسية للسنة سوف يقوي موقف القوى الشيعية المنافسة، حيث يمكن لها الاستفادة من التفاوت والتجزئة في مشهد الأحزاب السنية لتعزيز سلطتها وتأثيرها.

ويزيد الانشقاق من حدة التوترات بين القوى السنية والشيعية، خاصة إذا كانت الخطوة تأتي في سياق التنافس السياسي الشديد، وهذا سوف يؤدي إلى تصعيد الخلافات والتوترات في الساحة السياسية، مما يجعل من الصعب على الأطراف المعنية التوافق على القضايا المصيرية.

بالإضافة إلى ذلك، سيكون لهذا الانشقاق تأثيرات سلبية على العملية الديمقراطية في العراق، اذ سوف يعرقل التوتر السياسي الزيادة في عملية اتخاذ القرار ويعرقل الجهود المبذولة نحو التوافق والتعاون بين الأطراف المختلفة.

وكانت رئاسة مجلس النواب قد قررت في 21 نوفمبر 2023، إنهاء عضوية رئيس المجلس محمد الحلبوسي بشكل رسمي.

وقررت المحكمة الاتحادية العليا "أعلى سلطة قضائية في العراق"، في نوفمبر 2023، إنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، على خلفية دعوى قضائية رفعها ضده النائب ليث الدليمي اتهمه فيها بتزوير استقالة له (الدليمي) من عضوية مجلس النواب، وعلى إثره قضت المحكمة الاتحادية بإنهاء عضويتهما (الحلبوسي والدليمي).

وفي الثالث عشر من يناير الماضي، عقد مجلس النواب العراقي جلسة رابعة لانتخاب رئيس جديد للمجلس بعد الإطاحة بالحلبوسي بموجب حكم غير مسبوق صدر من قبل القاضي جاسم عبود من المحكمة الاتحادية العليا في نوفمبر 2023.

لكن القوى الشيعية المشكّلة للإطار التنسيقي والقوى السنيّة المتحالفة معها مارست ضغوطها لقطع الجلسة، للحيلولة دون ظفر مرشح حزب تقدّم به في الجولة الثانية من التصويت.

وتمكّن مرشح تقدم شعلان الكريم خلال الجلسة من التقدّم بفارق كبير على منافسيه، واقترب من الفوز بالمنصب بعد حصوله في الجولة الأولى على 152 صوتا من أصل 314 صوتاً.

وفي 28 فبراير الماضي، ردت المحكمة الاتحادية العليا الدعوى الخاصة بإلغاء ترشيح النائب عن حزب تقدم شعلان الكريم لرئاسة مجلس النواب العراقي، بحسب النائب مصطفى سند، الذي أشار إلى أن دعوى أخرى لاتزال مفتوحة و "هي الدعوى الخاصة بعدم صحة عضويته، لم تُحسم لغاية الأن وموعدها يوم الأول من أبريل المقبل".

وكانت هيئة النزاهة الاتحادية قد أعلنت في 17 يناير الماضي عن مباشرتها بالتحري والتقصي عن مزاعم عروض رشى للنواب للتصويت لصالح مرشح معين لرئاسة مجلس النواب العراقي.

وأخفق البرلمان على مدى أربع محاولات لانتخاب بديل للحلبوسي، بسبب عدم التوافق على مرشح واحد، حيث تمسكت الكتل العربية السُّنية الثلاث، "تقدم" و"السيادة" و"العزم"، بمرشحيها، وهم كل من شعلان الكريم، سالم العيساوي، ومحمود المشهداني، على الرغم من أن حزب الحلبوسي "تقدم"، هو الحزب صاحب أكبر عدد من المقاعد البرلمانية "سُنياً"، ويفترض أن يكون المنصب من حصته.

وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد قضت في 14 نوفمبر الماضي، بإنهاء عضوية الحلبوسي على خلفية دعوى قضائية كان قد رفعها أحد البرلمانيين، واتهمه فيها بتزوير استقالته من البرلمان. ومنذ ذلك الوقت، اندلعت خلافات بين القوى السياسية المختلفة بشأن اختيار بديل للحلبوسي.