شركات التقنية الفلسطينية تكافح للتأقلم مع الحرب

يكافح قطاع التكنولوجيا الفلسطيني بحثا عن سبل الخروج من أزماته بعدما عرقلت ظروف الحرب نشاطه بشكل جعل الشركات تطلق صافرات الإنذار من دخولها في منعطف أخطر بينما يتقلص عددها جراء الصعوبات المالية والتجارية وفقدان الموظفين.
رام الله- امتلك العاملون في منظمة النساء المبتكرات والمستثمرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (فينومينا) غير الربحية التي تتخذ من الضفة الغربية مقرا لها، خططا كبرى لزيادة النشاط قبل الحرب بين إسرائيل وحماس.
وكان بعضهن يصقل مهاراتهن في البرمجة قبل تنظيم فعاليات هاكاثون للشركات الناشئة بالشراكة مع مايكروسوفت، فيما خططت أخريات بحماس للسفر لحضور حدث للتواصل في دبي حيث يأملن في إقناع الزبائن والمستثمرين المحتملين.
وركبت نساء فينومينا موجة تكنولوجية تجتاح الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنوات، وهو ما عزز الاقتصاد ومنح الأمل للرواد الرقميين، الذين كانوا يستخدمون مهاراتهم لفتح نافذة افتراضية على العالم.
لكن نادية سباعنة، الشريكة الإدارية في المنظمة، التي تسعى إلى تمكين المرأة في قطاع يهيمن عليه الذكور في الكثير من الأحيان، من خلال الإرشاد والتدريب، قالت إن “الحرب غيرت كل شيء”.
وتدهور الوضع الأمني المتوتر بالفعل في الضفة الغربية المحتلة في أعقاب هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، وما تلاه من قصف إسرائيلي على قطاع غزة.
وتصاعد العنف مع مقتل ما لا يقل عن 400 فلسطيني في اشتباكات مع المستوطنين والجنود، حيث تداهم القوات العسكرية الإسرائيلية بانتظام المناطق الفلسطينية عبر الأراضي التي احتلتها في 1967.
ومع تدمير البنية التحتية الرقمية الوليدة في غزة ومقتل بعض من ألمع مواهبها التقنية في القصف الإسرائيلي، توقفت أعمال شركات البرمجيات والأجهزة والشركات الناشئة وشركات خدمات تكنولوجيا المعلومات في الضفة الغربية أيضا.
وأكد مؤسس شركة ناشئة تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي إنهم أجبروا على إعلان إفلاسهم وتسريح 14 موظفا.
وصرّح لمؤسسة تومسون رويترز، متحدثا بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب الخوف من العواقب “لم يحاول أيّ كيان مساعدتنا في هذه الأوقات الصعبة. لم ننل أيّ دعم”.
وقال مسؤول تنفيذي كبير في شركة خدمات تكنولوجية في الضفة الغربية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأن المجموعة وقعت اتفاقيات عدم إفشاء مع الزبائن، إن شركتهم “خسرت مشروعين دوليين جديدين بسبب الحرب”.
وأضاف “يعتقدون أن هذه المنطقة غير مستقرة”. وتحدث عن “الجهل بالجغرافيا”، الذي يعني أن الزبائن الدوليين لا يفرقون بين غزة والضفة الغربية، وهما “كيانان جغرافيان منفصلان”.
ولكن مجتمع التكنولوجيا في الضفة الغربية يقاوم رغم الانتكاسات، ويحاول إيجاد طرق جديدة لممارسة الأعمال التجارية، وتنبثق آمال في أن يتمكن القطاع من مقاومة التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده الأراضي الفلسطينية. وقالت سباعنة “نحاول أن نتغلب على واقعنا”.
وبحسب بيانات هيئة تشجيع الاستثمار والمدن الصناعية الفلسطينية المنشورة على منصتها الالكترونية، تحتضن الضفة الغربية أكثر من 698 شركة متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأشار آخر تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2021 بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة أن قطاع التكنولوجيا ساهم بحوالي 500 مليون دولار سنويا في الاقتصاد من حيث القيمة المضافة.
وأظهر تقديرات المؤسسة الدولية المانحة أن القطاع يمثل ما يصل إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية وغزة.
◙ 500 مليون دولار مساهمة القطاع في الاقتصاد الفلسطيني وفق تقدير البنك الدولي في 2021
وذكر التقرير أن الأعمال الرقمية تربط الفلسطينيين بأسواق جديدة وأن قطاعي التكنولوجيا والخدمات تفوقا على غيرهما، حيث سجلا المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر ووفرا مزيدا من فرص العمل.
وحدد معدو تقرير البنك الدولي أن التقنيات الرقمية سمحت للفلسطينيين بالتحايل على القيود المفروضة على حركة البضائع، ولكن اندلاع الحرب قبل أكثر من خمسة أشهر قوض أعمال القطاع بشكل ملحوظ.
وبحسب تقديرات نشرتها منظمة العمل الدولية في ديسمبر الماضي، فإن 32 في المئة من القوى العاملة، أي ما يعادل 276 ألف وظيفة فقدت في الضفة الغربية منذ بدء الحرب.
وكان البنك الدولي قد أصدر تقييمات متشائمة مع نهاية 2023، حيث توقع انكماش الاقتصاد الفلسطيني ككل بنحو 4 في المئة بنهاية السنة.
وقال إبراهيم برهم، الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات صفد للهندسة والإلكترونيات التي تأسست عام 1992 إن “قطاع التكنولوجيا في الضفة الغربية طالما واجه قيودا بسبب الاحتلال الإسرائيلي، لكن الوضع أصبح أسوأ بكثير”.
وأضاف “يعدّ هذا أصعب وضع مررنا به في حياتنا كلها”. وأكّد أن وصول كل قطعة من التكنولوجيا إلى الضفة الغربية يستوجب موافقة السلطات الإسرائيلية حتى قبل الحرب.
وذكر أن معالجة التصاريح الرسمية تستغرق وقتا أطول الآن، مما يرفع التكاليف، بينما يواجه مهندسوه خطر التعرض للهجوم في نقاط التفتيش الإسرائيلية أو من المستوطنين أثناء سفرهم لأداء عملهم.
واعتبر متحدث باسم البنك الدولي في بيان عبر البريد الإلكتروني، ردا على سؤال حول تأثير الصراع على شركات التكنولوجيا، أن القطاع يمكن أن يثبت أنه أكثر مرونة من القطاعات التقليدية الأخرى التي تتطلب العمل اليدوي.
لكن المتحدث، الذي لم تذكر تومسون رويترز هويته، أشار إلى أن آفاق النمو ستعتمد على قدرة الشركات على الوصول إلى أعمال جديدة للتعويض عن تلك المفقودة من الزبائن الإسرائيليين وانخفاض ثقة المستثمرين نتيجة لعدم الاستقرار السياسي.
ويظهر بعض رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا دلالات على هذه المرونة، إما بتكييف أعمالهم أو الانتقال إلى مكان آخر، حيث نقل مؤسس شركة ناشئة تعمل بطاقة الذكاء الاصطناعي مؤسسته إلى مصر المجاورة ووجد زبونين جديدين ومستثمرا.
وقال كبير المسؤولين التنفيذيين في شركة الخدمات التقنية في مقابلة عبر الهاتف “لم أكن أريد مغادرة وطني، لم أرغب في مغادرة عائلتي، لكن فرض عليّ ذلك”.
وأوضخ أن الشركة تحاول توفير المال من خلال عدم استبدال العمال الذين يستقيلون، ولم تضع خططا لفصل الموظفين. وأكد أن “قطاعنا مرن ولن نستسلم”.
في هذه الأثناء، تحاول سباعنة إيجاد طرق جديدة لتحفيز النساء في منظمتها التي قالت إنهن غرقن في الاكتئاب في البداية ثم أصبحن يدرن “مثل إعصار في فنجان”.
وتعقد جلسات تعليمية عبر الإنترنت حيث تناقش النساء أحدث التحديات الأمنية ويبحثن عن طرق لمساعدة بعضهن البعض وعرض أعمالهن.
وقالت سباعنة التي شاركت في التنسيق لمنتدى تكنولوجيا الاتصالات للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في نسخته الثانية في الأردن في 2022 إن “المانحين عادوا أيضا، وأجريت محادثات مع مسؤولين حكوميين فلسطينيين لفتح مجالات جديدة للتعاون”.
وأضافت أن “الهاكاثون عاد الآن إلى مساره الصحيح وأن برنامج فينومينا الإرشادي أصبح أكبر وأفضل من أيّ وقت مضى ويشمل أكثر من 250 امرأة. وشددت على أنه “إذا انتظرنا أن تتحسن الأمور، فلن نتمكن من العمل ولن نعمل أبدا”.