ازدهار التجارة مع الصين ينعش الشركات الروسية

موسكو- سارت أعمال شركة أوراسيا للخدمات اللوجستية، والتي يقع مقرها بالقرب من نهر أمور على الحدود بين روسيا والصين، بشكل أفضل منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا حيث تضاعف حجم مبيعات الشركة لمدة عامين على التوالي.
وتعد الشركة المملوكة لرجل الأعمال نيكيتا مينينكوف واحدة من الشركات الروسية المتعددة التي تستفيد من الارتفاع الحاد في التجارة مع الصين، منذ أن تخلت الشركات الغربية عن السوق الروسية بعد غزو أوكرانيا وفرض العقوبات. وتتخصص أوراسيا في استيراد السلع، خاصة المعدات الصناعية ومعدات البناء، بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية.
ويسلط نجاحها الضوء على العلاقة الاقتصادية الوثيقة بشكل متزايد بين موسكو وبكين التي تشتري المزيد من النفط الروسي والذي يعد شريان الحياة للاقتصاد الروسي وتزوده بالسلع، وخاصة السيارات والآلات.
وتظهر بيانات التجارة الصينية لعام 2023 أن صادرات السيارات إلى روسيا كانت أعلى بنحو سبعة أضعاف مما كانت عليه في عام 2022، مع قفزة قيمة تلك الصادرات بنحو 10 مليارات دولار.
ومع قيام بكين بشراء النفط الروسي بأسعار أرخص من تلك التي يفرضها المنتجون الآخرون، قفز إجمالي التجارة الروسية – الصينية بنسبة 64 في المئة إلى 240 مليار دولار في العامين الماضيين.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين في وقت سابق هذا الأسبوع إن “هذا تطور منهجي ومتبادل المنفعة للتعاون التجاري والاقتصادي”. وأضاف “آمل ألا تكون هذه هي الذروة بعد وسنواصل التطور”. ومن المتوقع أن ينتعش نمو حجم التجارة العالمية إلى 3.3 في المئة خلال العام 2024 بعد تباطؤ متوقع إلى 0.8 في المئة خلال العام الماضي.
ويرى محللون أن استعداد الصين للقيام بأعمال تجارية أكبر مع روسيا، رغم حربها في أوكرانيا، قد يمد شريان الحياة الاقتصادي للرئيس فلاديمير بوتين بينما يسعى لولاية أخرى مدتها ست سنوات في الانتخابات التي ستجرى في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وقال زاك مايرز، المدير المساعد لمركز الإصلاح الأوروبي البحثي، إن “الزيادة في التجارة بين روسيا والصين توضح ببساطة أن العقوبات تفقد تأثيرها بمرور الوقت”. وأضاف في تصريح لرويترز “تستغل الدول غير المشاركة الفرص الاقتصادية المتبقية عندما تتراجع الشركات الغربية”.
وكانت شركات تصنيع السيارات في الصين هي المستفيدة بشكل خاص من هجرة الشركات الغربية من السوق الروسية، والتي شهدت قيام العديد من الشركات الغربية بسرعة ببيع أصولها ومصانعها بسعر رخيص.
وقفزت حصة الصين في السوق الروسية من أقل من 10 في المئة إلى أكثر من 50 في المئة خلال العامين الماضيين منذ بداية الحرب في أوكرانيا. وتحوّل الوكلاء الذين كانوا يبيعون نماذج فولكسفاغن ورينو وستيلانتس إلى العلامات التجارية الصينية، بما في ذلك جيلي وشيري.
وقال فلاديسلاف فيرشينين، رئيس المبيعات في وكالة شانغان في ميتيشي، خارج موسكو “لا يوجد بديل. لقد أصبح الأمر مربحا… الصينيون يتأقلمون بسرعة كبيرة”. وأضاف في حديثه مع رويترز إن “موقف المشترين (تجاه الصينيين) يتغير بالتأكيد. والناس ينظرون إلى هذه العلامات التجارية بشكل مختلف، الناس يثقون بها”.
وارتفعت مبيعات سيارات شانغان في روسيا إلى ما يقرب من 47.8 ألفا بنهاية العام الماضي، من 2550 في عام 2022، وفقا لوكالة أوتوستات التحليلية. وتظهر البيانات أنها كانت خامس أفضل علامة تجارية للسيارات مبيعًا خلال 2023، وفي فبراير 2024، كانت ثمانية من العلامات التجارية العشر الأكثر مبيعا للسيارات في روسيا صينية.
ويعتقد مايرز أن التوسع في العلاقات التجارية الصينية – الروسية ينطوي على مخاطر لكلا الجانبين. وقال “هناك خطر كبير بالنسبة إلى روسيا التي أصبحت الآن أكثر اعتمادا على الصين من اعتماد الصين على روسيا… الصين شريك لا تثق به روسيا بشدة”.
وأوضح أن الغرب يظل شريكا تجاريا أكبر بكثير للصين من روسيا، ولدى الصين الكثير لتخسره إذا بدأت العقوبات الغربية في ضرب عدد كبير من الشركات الصينية”.
وقلّل بيسكوف من المخاطر، وقال “لا نرى تهديدات اقتصادية وسياسية في هذا.. لقد حدد كل من الرئيس بوتين والرئيس شي (جينبينغ) هدف تعزيز حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بما يتجاوز 200 مليار دولار حتى قبل اندلاع الحرب”.
وفي الوقت الحالي، ساعدت الشركات الصينية سوق السيارات في روسيا على التعافي بعد انكماش حاد في العام 2022، عندما تم بيع أكثر من 626.2 ألف سيارة ركاب فقط. وبالنسبة إلى كامل العام الماضي، بلغت المبيعات 1.06 مليون سيارة، وهي لا تزال أقل من مستويات ما قبل الحرب البالغة 1.52 مليون في عام 2021.
وقال تاجر السيارات فيرشينين إن “الآفاق فيما يتعلق بالعلامات التجارية الأوروبية لا تزال ضبابية، لكن الأعمال يجب أن تستمر، وستعيش على العلامات التجارية الصينية”. ولكن مينينكوف، الذي يقع مقر شركته اللوجستية في بلاغوفيشتشينسك، وهي مدينة تقع على نهر أمور من الصين، أكد أن حجم المبيعات تضاعف في عام 2022. وقال لرويترز “في بداية 2023 كان هناك طلب مذهل عندما تم شراء كل شيء”. وتابع “كان هذا هو تأثير الذعر، عندما كان الناس يخشون أن الصين قد تغلق أبوابها فجأة”.
ووفقا لسجلات الشركات الروسية، التي قدمتها سبارك إنترفاكس ، قفزت إيرادات الشركتين الرئيسيتين ضمن المجموعة بنسبة 290 في المئة إلى 970 مليون روبل (10.70 مليون دولار) على أساس سنوي في عام 2022. ولا توجد بيانات حتى الآن لعام 2023.
وتحرص موسكو على تسهيل توثيق العلاقات مع بكين في إطار شراكة بلا حدود وتخطط لزيادة الإنفاق لتعزيز قدرة السكك الحديدية لنقل البضائع إلى الشرق الأقصى إلى 366 مليار روبل (4.03 مليار دولار) هذا العام، بزيادة 40 في المئة عن عام 2023.
ومن المتوقع أن تصل القدرة على السكك الحديد مثل بام والطريق العابر لسيبيريا إلى 210 مليون طن سنويا بحلول عام 2030 من 173 مليون طن في عام 2023. ويهدف هذا في المقام الأول إلى تسهيل المزيد من التجارة مع الصين والدول الآسيوية الأخرى، وخاصة في الفحم والنفط والمعادن الأخرى.
وقال يفغيني جودكوف، رئيس المبيعات في كي.أس.تي، وهي شركة مستوردة للحفارات والرافعات الشوكية الصينية ومقرها موسكو، إن “الإمدادات من الصين بالكاد ظهرت قبل عامين”. وأضاف “كنا نتعامل بقطع الغيار”.
لكن الشركة غيرت مسارها مع إغلاق السوق الأوروبية أمام روسيا وقفز الطلب على المعدات من الصين. وقال جودكوف إن “الطلب يولد العرض ونحن لم نخلق السوق، السوق هو الذي خلقنا”.