"زلة" لراهبة تثير الجدل وتكشف عن عمق الانقسام الطائفي في لبنان

لبنانيون يحذرون من غسيل أدمغة يتعرض له الأطفال من بعض الدخلاء على الرهبنة.
الأربعاء 2024/03/13
صوت الفتنة يطغى على دعوات الوحدة

بيروت - أثارت دعوة راهبة لبنانية تلامذتها للصلاة من أجل “أهل الجنوب ورجال المقاومة” في إشارة إلى مقاتلي حزب الله، ردود فعل واسعة في لبنان، وكشفت عن عمق الانقسام الطائفي الذي ينخر البلد.

وانقسم اللبنانيون بين مؤيد لدعوة الراهبة مايا زيادة، وطالبوا بالنأي بها عن التوظيف السياسي، وبين رافض دعا إلى معاقبتها، محذرين من غسيل أدمغة يتعرض له الأطفال من بعض الدخلاء على الرهبنة.

وحاول حزب الله وأنصاره توظيف دعوة الراهبة زيادة، للإيحاء بوجود دعم شعبي حتى من داخل الطائفة المسيحية للمواجهات التي يخوضها مع إسرائيل، والتي تلاقي انقساما في الداخل اللبناني.

وعمد الحزب الشيعي الموالي لإيران إلى “شيطنة” الرافضين لتصريحات الراهبة، ووصف هؤلاء بـ”تكفيريو القوات”، في إشارة إلى حزب القوات اللبنانية الذي ندد مرارا بزج لبنان في أتون الحرب الدائرة في قطاع غزة.

شوقي الدكاش: موقف الكنيسة السياسي والوطني تعبر عنه بكركي
شوقي الدكاش: موقف الكنيسة السياسي والوطني تعبر عنه بكركي

وكان مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع يظهر الراهبة مايا زيادة تقول فيه “في الجنوب هناك تلامذة من عمركم يقولون إنهم لا يمتلكون أحلاماً غير تحرير أرضهم. اليوم سنصلي للجنوب، لأطفال الجنوب، لأهالي الجنوب، لأمهات الجنوب، ولرجال المقاومة، لأنهم رجال من لبنان، ويتعبون لحماية هذا الوطن”.

وأضافت “نحن إذا لم نصلِّ لهم، ولم نحبهم بغضّ النظر عما نفكر به، سنكون عندها خونة بحق أرضنا ووطننا وكل كتاب نقرأ فيه”. وتابعت “نطلب من العذراء أن تحمي شبابنا ووطننا لأنه يمر بمحنة صعبة، ولا شيء يقوينا سوى المحبة والتعاضد”.

ويرى متابعون أن دعوة الراهبة كانت من منطلق إنساني بحت في علاقة بما يتعرض له أهالي الجنوب من هجمات أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين، ونزوح الآلاف منهم، لكن الإشكال أن القوى السياسية في لبنان تحاول توظيف أي موقف أو تصريح في سياق بروبغندا تخدم أهدافها، وهو ما لوحظ في توظيف حزب الله لتصريحاتها.

وقال النائب شوقي الدكاش عضو تكتل “الجمهورية القوية” التابع لحزب القوات اللبنانية، “لقد تربينا على عدم التدخل في شؤون الكنيسة الداخلية، لكن بعد أن تم استغلال وتسييس مواقف الأخت مايا زيادة التي عبرت بارتجال عن مواقف من منطلقاتها الإنسانية -والارتجال يحتمل الخطأ والحماس من دون أن تعي أبعاد كلامها- على ما جاء في بيان المدرسة، فإنني أتمنى على الرفاق والأصدقاء عدم الانجرار وراء الحملة التي تستغل الموضوع لخلق شرخ بين مجتمعنا والكنيسة”.

وأضاف الدكاش أن “الراهبات في غبالة يخدمن المنطقة من عشرات السنين وهن جزء من نسيجها، أما السياسة فتبقى خارج أسوارهن. وأن موقف الكنيسة السياسي والوطني تعبر عنه بكركي ومجلس المطارنة الموارنة وموقفهما واضح ومعلن ومكرر من كل ما يجري”.

وعن الحملة المضادة التي يتعرض لها حزب القوات، أوضح الدكاش “لسنا نحن من نستقوي على راهبة، ولو اخطأت، والأكيد لسنا من نستغل موقفا إنسانيا لشخص غير مسيس لنبني عليه دعما منشودا وتغطية سياسية للدخول في حرب لم يردها اللبنانيون ولم يُسألوا رأيهم بها”.

دعوة الراهبة كانت من منطلق إنساني بحت في علاقة بما يتعرض له أهالي الجنوب من هجمات أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين

واعتبر النائب عن تكتل الجمهورية القوية، أن “المبالغة في الاحتفاء بكلام الأخت زيادة لا تعكس إلا إحساس الفريق المولع بالحروب بأنه مكشوف ولا يحظى بأي غطاء لبناني، حتى صار يبحث عن أي كلام لأي مواطن ليبرر أفعاله”.

ولطالما استنكر حزب القوات وقياداته الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان، لكن الحزب المسيحي يحمل أيضا حزب الله المسؤولية عما يجري من توترات، لبنان في غنى عنها.

ويتماهى موقف حزب القوات مع بكركي حيث أعلن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مرارا عن رفضه لما يجري ودعا الحزب إلى النأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية.

ويشهد جنوب لبنان منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في أكتوبر الماضي مواجهات يومية بين حزب الله وإسرائيل، ورفض الحزب جميع المبادرات الدولية لإيقاف الهجمات والتقيد بالقرار الأممي 1701، ويربط وقف التصعيد بإنهاء إسرائيل الحرب في غزة.

وبالنظر إلى حجم التكلفة التي يتعرض لها لبنان بشريا وماديا جراء التصعيد في الجنوب، تضاعفت حلقة المعارضين له، لاسيما مع تنامي المخاوف من اتساع رقعة المواجهات.

وطالت ضربات إسرائيلية مجدداً الثلاثاء محيط بلدتين في شرق لبنان، قال الجيش الإسرائيلي إنها استهدفت “مقري قيادة” تابعين لحزب الله، وأوقعت وفق مصدر أمني قتيلاً على الأقل وعشرة جرحى.

تنامي موجة الرفض للمواجهات مع إسرائيل دفع حزب الله إلى توظيف واستغلال أي موقف أو تصريح في محاولة للإيحاء بوجود دعم شعبي حوله

وجاءت الضربات الإسرائيلية بعيد إعلان حزب الله إطلاقه عشرات الصواريخ باتجاه مواقع عسكرية إسرائيلية رداً على قصف طال ليلاً محيط مدينة بعلبك، أبرز معاقله في شرق لبنان.

ومنذ بداية تبادل القصف بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، قُتل في لبنان 318 شخصاً على الأقل، معظمهم من عناصر حزب الله إضافة إلى 54 مدنياً، فيما قضى في الجانب الإسرائيلي عشرة جنود وسبعة مدنيين، بحسب بيانات رسمية.

ويرى نشطاء أن تنامي موجة الرفض للمواجهات مع إسرائيل دفعت حزب الله إلى توظيف واستغلال أي موقف أو تصريح في محاولة للإيحاء بوجود دعم شعبي حوله، وهو ما بدا واضحا في استغلاله لتصريحات الراهبة مايا زيادة، مشيرين إلى أن مواقف قوى مناوئة للحزب سقطت هي الأخرى في فخ تضخيم تصريحات الراهبة الأمر الذي أفضى في النهاية إلى ضجة كبيرة، عرت واقع الانقسام اللبناني.

وأكد الأمين العام لـ”التيار الأسعدي” المحامي معن الاسعد في تصريح، “أن الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان مازالت مصرة على سلوك السياسة المعتمدة من قبلها والتي “تحترفها جيدا على مدى أكثر من ثلاثة عقود والقائمة على المحاصصة وافتعال الخلافات الشكلية بين بعضها البعض وزرع بذور التفرقة بين مكونات الشعب بهدف إلهائه وإشغاله لصرف نظره واهتمامه عن الارتكابات في حقه وفي حق الوطن والدولة ومؤسساتها”.

وعلى خلفية الجدل المثار أصدرت إدارة المدرسة التي تنتمي إليها الراهبة بيانا نفت فيه علمها بما أقدمت عليه وفصلتها عن الهيئة التعليمية. وجاء في البيان الموجّه من إدارة المدرسة إلى الأهالي “أن الأخت مايا تكلمت بحماس من دون أن تعي أبعاد كلامها وكانت مبادرتها شخصية ونشرتها دون علم المسؤولين عن المدرسة”.

وأضافت “نحن نعمل في المدرسة منذ أكثر من 65 سنة ندرّس ونعطي بجدية ونشاط ومحبة لنوفّر أفضل ما يكون لأطفالنا وأنتم تعلمون كل العلم أننا لم ولن ننحاز يوماً لأية سياسة أو حزب أو فئة وهمنا الوحيد التربية الدينية والأخلاقية والثقافية والإنسانية دون تفرقة ولا حساب”. وختم البيان “الأخت مايا زيادة لا تنتمي للهيئة التعليمية في المدرسة”.

2