"من أم إلى أم" رواية مغربية تكشف أسرار عالم الأمومة

الرباط - في العقود الأخيرة علا صوت المرأة أكثر في ما يكتب من أدب وخاصة منه الأدب الروائي. فلم تعد المرأة رهينة الشخصية التي يرسمها لها الكتّاب الرجال، بل صار لها صوتها لترسم صورتها الخاصة بعيدا عن النمطية، وتجاوزت المرأة ذاتها لتكون عنصرا فاعلا في الأحداث ونحت الأفكار والتصورات الكبرى للمجتمعات والسياسات وغيرها، ما خلق خطابا نسويا أكثر عمقا وتجذرا.
وفي هذا التوجه تأتي رواية "من أم إلى أم" للكاتبة والروائية المغربية هند برادي، التي تناولت فيها بجرأة شخصية الأم بطريقة غير مطروقة سابقا. وتدخل الكاتبة عوالم النساء الأمهات وتدخلنا معها في مجاهل نفسية وأحداث متشابكة تكشف ما تواجهه النساء من عذابات وآلام وكبت وكبح لذواتهن وتنازلات لأجل الأمومة، التي قد تتحول أحيانا من غريزة ومطلب ملح إلى نقمة.
تركت هند برادي وظيفتها الدائمة في سن الثامنة والعشرين لتصبح رائدة أعمال، وتحقق العديد من الأحلام في قائمة أمنياتها، إذ أصبحت مدربة يوغا، بعد انتقالها للعيش في جزيرة، كما انضمت إلى فرقة مسرحية، واستأنفت دراستها من جديد، لكنها كانت متحمسة للكتابة وخوض غمار علم النفس والتحليل.
استفادت برادي من تجربتها الخاصة لكتابة روايتها الأولى "من أم إلى أم". اليوم، هي مدربة حياة وتنقل حماسها إلى عملائها لمساعدتهم على التقدم وتطوير ذواتهم وإعادة الاتصال بفرحهم الداخلي وقوتهم الدفينة ليعيشوا أحلامهم.
تدور أحداث رواية "من أم إلى أم" حول شخصية تدعى جونيه، امرأة مغربية تبلغ من العمر 38 عاما، تكتشف أنها حامل بطفلها الخامس وأن والدتها هربت مرة أخرى، وشخصية فريدة، هي امرأة فرنسية – هولندية تبلغ من العمر 40 عاما، صُدمت بحمل غير مرغوب فيه يعيدها إلى ماض مؤلم.
إذن الأحداث حول امرأتين من بلدين مختلفين، ولكن تجمعهما نفس الرغبة في السعي لبلوغ الحقيقة وتحقيق الذات، عبر تجاوز شبكات الدراما العائلية التي تقيّدهما، سعيا منهما إلى التحرر.
يقول مقطع من الرواية "رفعت رأسها ببطء، ووشحت ذراع دادا، وهمست: خذي الطفل، أعطه إلى الفرنسي، إنه يعرف. ظلت دادا صامتة لبضع ثوان، الفتاة كانت لديها خطة في النهاية. وجدت تأكيدا على ذلك في عينيها الداكنتين والمصممتين، ثم قامت وأخذت الطفل في حضنها، انتظري هنا، سأعود قريبا، حاولي عدم الحركة وابقي في وضعك. قبلت جبين الفتاة الشابة البارد وخرجت إلى الليل. وداعا.. وداعا، يا طفلي…".
تدور القصة بين مراكش عام 1937 وأمستردام عام 2010، حيث تستكشف حياة امرأتين مترابطتين بالمصير على الرغم من فوارق السنين والأميال التي تفصل بينهما. تحاول هذه الرحلة الشيقة كشف الأسرار العائلية المدفونة، من خلال عدسة الحمل، في تلك اللحظة المعلقة بين الحياة والإمكانية، الواقع والأمل.
تستكشف الرواية أعماق الروح الأنثوية، ومحاكاة بدقة الآلام المكبوتة والآمال المنسية لشخصياتها، إذ تتجسد الأمومة، لا فقط كظاهرة بيولوجية ولكن كتراث عاطفي معقد، تتناوله الكاتبة برمزية تُلقي الضوء على أوجه متعددة من الماضي.
تُظهر هذه الرواية قبل كل شيء احتفالا بقوة ومرونة المرأة، حيث تأخذنا الروائية في رحلة عبر الحدائق الداخلية لشخصياتها الأنثوية، وتدعونا لنعاين صراعهن، ونلمس صمودهن، ونسمع صدى ضحكهن، حيث قصصهن المليئة بالتجارب، ولكن أيضا تذكرنا بالأمل الذي لا يُنسى، إذ يمكن اعتبارها ترانيم للتحول الشخصي والبحث عن الحقيقة.
"من أم إلى أم" تجربة عاطفية مكثفة، داعية إلى الانغماس في هواجسنا الخاصة والظهور متحولين، إذ تسرد أحداث الرواية تعقيد العلاقات الإنسانية، وقدرة الفرد على التغلب على المخاوف وإعادة اكتشاف الذات. هذا العمل يشهد على وصول صوت أدبي هام وواعد، فهو ليس مجرد سرد بل يوقظ، ويحرك، ويلهم. “من أم إلى أم” ليست فقط متعة مكثفة للقراءة ولكن أيضا مصدر إلهام للمرأة الروائية.
وفي حديثها مع "العرب" حول رسالة روايتها تقول الروائية هند برادي "أردت عبر التاريخ تذكير النساء بقوتهن الداخلية وتشجيعهن على الوثوق ببعضهن البعض والاستماع إلى بعضهن البعض والذهاب إلى نهاية سعيهن".
أما عن استفادتها من علم النفس فتقول الكاتبة المغربية "نعم، لقد خدمت معرفتي بعلم النفس بالضرورة التاريخ الذي قاربته ولو بشكل لا واع. أنا أيضا متحمسة لعلم الوراثة النفسية وتأثير الأسرار داخل الأسرة". وحول رؤيتها لشخصية الأم، تتحدث برادي لـ"العرب" قائلة "يجب أن تستمع الأم إلى غريزتها، وتثق في نفسها، ويمكنها تحريك الجبال. كل امرأة تقترب من الأمومة بطريقة مختلفة وفريدة من نوعها ومن المهم أن تكون مرافقة ومدعومة جيدا".