الطائفية في تحليل الدوائر الانتخابية بالكويت

البرامج الطائفية في تحليل الدوائر الانتخابية تلحق الضرر بالدولة والمجتمع لأنها تُؤدّي إلى تفاقم الانقسامات وتهمش بعض الفئات.
الأحد 2024/03/10
التقسيمات المذهبية والقبلية تربك البرلمان

مع اقتراب موعد الانتخابات الكويتية، تزداد حدة النقاش حول فرص نجاح المرشحين. وتقدم العديد من الجهات عبر برامجها تحليلا لهذه الفرص، لكنها تعتمد غالبا على التقسيمات المذهبية والعرقية والقبلية، مقارنةً بأعداد الناخبين في كل دائرة.

من المؤكد أن هذه الطريقة هي الطريقة الأسهل ‏والأكثر بدائية في تحليل التنافس الانتخابي، والتي تتهرب من تقييم البرامج والمواقف والمقترحات التي يتبناها المرشح، وإن تعزيز هذه التقسيمات يسهّل على السلطة والجماعات والشخصيات الرديفة السيطرة على العملية الانتخابية.

وتهدف السلطة من خلال تقسيم الدوائر والمناطق الانتخابية إلى تعزيز التنافس وفقًا لمعادلات تقليدية، سعياً منها لضمان سهولة السيطرة على العملية الانتخابية، والتأثير تاليا على توجهات مجلس الأمة، وتلعب هذه البرامج دورا في تحقيق ذلك.

ومن المؤسف أن برامج بورصة المرشحين والتحليل الانتخابي لا تهدف جميعها إلى خدمة المجتمع كما ينبغي أن يكون دورها، فبعضها يستهدف تحقيق الأرباح المادية، وبعضها يستهدف الهوية الوطنية، ولا يهم حجم الضرر الذي قد تخلفه على استقرار المجتمع وأمانه الاجتماعي وتجانسه الثقافي.

لو أمعنا النظر في جهود مراكز الدراسات ووسائل الإعلام في الدول المتطورة، فسنجد أنها تُبنى على تقديم دراسات شاملة تخدم مسار التطور الديمقراطي، وتعتمد على استطلاعات رأي محايدة وموضوعية لقياس فرص نجاح المرشحين.

◙ من المهم أن يدرك الناخبون أن الاختيار يجب أن يكون بناءً على الكفاءة والقدرة على خدمة الوطن، لا على أساس الانتماءات الفرعية

وعلى الرغم من ذلك، فإنها تواجه بانتقادات حادة بسبب انعدام الرقابة الكافية عليها، مما يثير الشكوك حول مصداقيتها. فما بالك بما هو قائم لدينا مع غياب تام للأجهزة الرقابية، وانتشار عدم المهنية، وتحيّز القائمين على البرامج لفئاتهم المختلفة؟

في قناة فضائية أظهر أحد مقدّمي البرامج تحيزًا طائفيًا واضحًا خلال تقديمه لبرنامجه المخصص لتحليل فرص المرشّحين، دعا خلاله أبناء طائفته لعدم التراخي خشية فوز مرشحي الطائفة الأخرى، متجاهلا أن هذه السلوكيات تمثل تحريضًا طائفيًا بغيضا، وتخالف مبادئ الحياد والموضوعية.

هذه البرامج الطائفية في تحليل الدوائر الانتخابية تلحق الضرر بالدولة والمجتمع لأنها تُؤدّي إلى تفاقم الانقسامات، وتهمش بعض الفئات الاجتماعية، وتتسبب بعزلهم، وتقلل من فرص وصولهم إلى المجلس.

من المؤكد أن قوة التجاذبات في الساحة الانتخابية وهيمنة الطفولة السياسية على الأداء العام ستجعلان من الحياد والموضوعية قرارا صعبا ومكلفا للغاية، فكل الأطراف سيعتبرون حيادك بمثابة “إعلان موقف” موجها ضدهم.

بيد أننا في حاجة ماسة اليوم إلى شريحة مثقفة تفصل نفسها عن تجاذبات الانتخابات، دون أن تبتعد عنها، وتلعب دوراً حيويا في رصد الساحة ونقد أداء المرشحين بموضوعية، ونشر ثقافة المواطنة والمساواة ونبذ الطائفية والعنصرية.

ومن المهم أن يدرك الناخبون أن الاختيار يجب أن يكون بناءً على الكفاءة والقدرة على خدمة الوطن، لا على أساس الانتماءات الفرعية، وهو ما يوجب على الناخبين أن يُقارنوا بين برامج المرشحين واختيار من يعتقدون أنه الأفضل لخدمة مصالحهم ومصالح الوطن.

تحقيق النضج السياسي مسؤولية وطنية، ويتطلب نجاحه تضافر جهود الجميع للمشاركة الفاعلة في الانتخابات، واختيار المرشحين بناءً على كفاءتهم الفكرية والسياسية، وتقييمهم بناءً على أدائهم، بعيدًا عن التقسيمات الضيقة التي تحاول بورصات المرشحين أن تحشر فيها الوطن.

3