إقالة مديرة وكالة النشر والإشهار الجزائرية تعيد الجدل حول فساد توزيع الإعلانات

تباينت التكهنات حول سبب إقالة المديرة العامة لوكالة النشر والإشهار الجزائرية، فيما يؤكد متابعون أن الوكالة باتت وكرا للفساد المالي وخاضعة لسلطة الهاتف ومتحررة من كل المعايير القانونية لإجبار وسائل الإعلام على مهادنة السلطة للحصول على نصيب من كعكعة الإعلانات.
الجزائر - ترددت أصداء إقالة المديرة العامة لوكالة النشر والإشهار الجزائرية سهام درارجة على مواقع التواصل الاجتماعي، في أعقاب تقييم استثنائي أجري لعمل الوكالة وحصيلتها، وانتشرت الشائعات والتكهنات بشأن سبب الإقالة في ظل التكتم على أسبابها، خصوصا أن الوكالة الحكومية تتولى توزيع الإعلانات على الصحف ووسائل الإعلام في البلاد بهدف إبقائها تحت جناح السلطة.
وأفاد بيان لوزارة الاتصال الجزائرية بأن الوزير محمد لعقاب أنهى الأربعاء مهام المديرة العامة للمؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار سهام درارجة، بعد أقل من ثلاثة أعوام على توليها المنصب، مع تعويل السلطة عليها بالقول إن “القطاع في حاجة ماسة إلى نموذج جديد ينظم قطاع الإشهار”، حيث أوصى الوزير السابق عمار بلحيمر بمواكبة الانتقال من الصحافة الورقية اليومية إلى الصحافة الإلكترونية والرقمية.
وتحتكر وكالة النشر والإشهار وتتحكم في 75 في المئة من النشاط الإعلاني الحكومي في الجزائر، وهي التي تتولى توزيع الإعلان على الصحف وتستخدمها السلطات في استمالة أو الضغط على المؤسسات الإعلامية والقنوات المستقلة. بينما تبلغ قيمة سوق الإعلانات في الجزائر نحو 200 مليون دولار. لكنها تقلصت خلال السنتين الأخيرتين بسبب سياسات التقشف التي تبنتها الحكومة بعد بروز أزمة النفط وتراجع عائدات البلاد وتآكل احتياطي الصرف.
وجاء في بيان الوزارة “بتوجيهات من السيد عبدالمجيد تبون رئيس الجمهورية، ترأس مساء الأربعاء 6 مارس 2024 وزير الاتصال الدكتور محمد لعقاب بمقر وزارة الاتصال الجمعية العامة للمؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار في دورة استثنائية، بحضور أعضاء مجلس إدارة المؤسسة ومحافظ الحسابات”. مضيفا “بعد دراسة وتقييم واقع المؤسسة، أنهى وزير الاتصال مهام الرئيسة المديرة العامة للمؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار السيدة سهام درارجة، وصادقت الجمعية العامة على قرار تعيين السيد مسعود ألغم رئيسا مديرا عاما للمؤسسة”.
وتباينت التكهنات حول سبب الإقالة بين عدم قدرة المديرة المقالة على تسيير المؤسسة وفق مصالح الحكومة وبين مزاعم حول تبعيتها لتيارات سياسية خرجت من المشهد، فيما يؤكد متابعون أن الوكالة باتت وكرا للفساد المالي خاضعة لسلطة الهاتف ومتحررة من كل المعايير القانونية.
ويثير ملف الإشهار العمومي جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية بالجزائر، إذ يرى البعض أن عملية توزيعه تتم وفق “معيار الولاء” لإجبار وسائل الإعلام على مهادنة السلطة للحصول على نصيب من كعكعة الإعلانات.
وتتولى المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار توزيع هذا المورد، في وقت أوعز البعض توقف عدد من الصحف ومعاناة أخرى من أزمات مالية إلى غياب مورد الإشهار.
وكان المدير العام الأسبق لمؤسسة النشر والإشهار العربي ونوغي، كشف في حوار مع صحيفتي “الخبر” و”الوطن” المحليتين عام 2020، أن السنوات الأربع الأخيرة التي سبقت ذلك العام شهدت توزيع ما قيمته 4000 مليار سنتيم على الصحف، (نحو 293 مليون دولار)، مشيرا إلى أن صحفا لم يتجاوز سحبها 2000 نسخة استفادت من هذا الإشهار.
وعن توزيع الإشهار العمومي على الصحف في الجزائر، يرى إعلاميون أنها كانت دوما خاضعة لمعيار الولاء للحكومة منذ الانفتاح السياسي والإعلامي عام 1989، هذه الطريقة في التعاطي مع الإشهار العمومي استمرت طيلة فترة التسعينيات من القرن الماضي وإلى غاية تولي الرئيس بوتفليقة مقاليد الحكم، وواصلت السلطة نفس الممارسات مع الحفاظ على الحد الأدنى من دعم الصحف المعارضة التي بقي انتقادها للحكومة ضمن الحدود المتاحة تفاديا لاختفائها.
وكالة النشر والإشهار تستخدمها السلطات في استمالة أو الضغط على المؤسسات الإعلامية والقنوات المستقلة
ولم يتغير الوضع خلال المرحلة الراهنة بسبب غياب قانون ينظم توزيع الإشهار والذي تحرص السلطة على بقائه على حاله لاستعماله كورقة ضغط ضد وسائل الإعلام، فالتوزيع يفتقد إلى معيار حقيقي، وفي بعض الأحيان لا تعرف الجهة التي توزع الإشهار رغم أن الهيئة الرسمية هي الوكالة الوطنية.
ويصف متابعون مسألة دعم وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية سواء من خلال الإشهار أو العطاءات الأخرى ومن بينه ما أعلنته شركة الاتصالات بتوجيه من الحكومة، أنها تجري وفق عملية فوضوية تخضع للولاءات والمصالح دون مقاييس شفافة، رغم أن هذا الوضع يتعارض مع المنظومة الديموقراطية وما تتمسك به الحكومة من مبدأ الدولة الاجتماعية.
وسبق أن طالبت الأوساط المهنية بعدم التضييق مستقبلا على الممولين الخواص الذين يوجهون إعلاناتهم لوسائل الإعلام المستقلة، من خلال عملية توزيع الإشهار التي لا بد أن تراعي الجانب الاجتماعي والثقافي في المؤسسات الإعلامية، وليس الجانب السياسي والمصلحي والتجاري فقط.
ويؤكد هؤلاء على ضرورة إقرار قانون الإشهار الجديد ليتضمن قواعد وضوابط شفافة تحرر وسائل الإعلام من الضغوطات المالية التي تؤثر على مهنيتها وحيادها.
وساهم هذا الوضع بتفشي الفساد في الوكالة، ففي مارس الماضي، أمر قاضي التحقيق بالقطب الجزائي الاقتصادي والمالي بمجلس قضاء الجزائر بإيداع مديرين عامين سابقين للوكالة الوطنية للنشر والإشهار رهن الحبس المؤقت، ووضع خمسة متهمين آخرين رهن الرقابة القضائية من بينهم وزير اتصال سابق.
وأوضح بيان لوكيل الجمهورية نشرته وكالة الأنباء الرسمية، أن ذلك يأتي إثر التحقيق المفتوح من قبل المصالح الأمنية “حول وقائع فساد وتبديد للمال العام تخص الوكالة الوطنية للنشر والإشهار تسببت في خسائر للخزينة العمومية تقدر بالمليارات”.
وطال التحقيق كل من جمال كعوان وأمين شيكر، فيما تم وضع وزير الاتصال الأسبق حميد قرين تحت الرقابة القضائية. وتم التحقيق مع المتهمين في وقائع فساد وتبديد للمال العام.
وحسب بيان مجلس قضاء الجزائر، فإنه إثر التحقيق المفتوح من طرف المصلحة الإقليمية للتحقيق القضائي للمديرية العامة للأمن الداخلي، حول وقائع فساد وتبديد للمال العام، تخصّ الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، تسبب في خسائر للخزينة العمومية تقدر بالمليارات، تم تقديم المشتبه فيهم أمام النيابة العامة. ويتعلق الأمر باستفادة صحف مجهولة وأخرى لا وجود لها في الساحة الإعلامية من حصص إشهارية دون الوصول إلى الهدف من الإشهار.