العنف المدرسي ظاهرة تقلق الأسر التونسية

يدق خبراء علم النفس والاجتماع ناقوس الخطر محذرين من تفاقم ظاهرة العنف المدرسي في تونس بعد حادثة الاعتداء التي شهدتها إحدى مدارس محافظة صفاقس، حيث فقأ تلميذ عين زميله بمقص وسبب له ضررا بالشبكية، في غياب المدرّسة عن الفصل. وهو ما اعتبره المتابعون سببا في إيقافها صحبة مدير المدرسة عن العمل، في انتظار ما سيقوله القضاء.
تونس - أعادت حادثة اعتداء تلميذ على زميله بمقص نتج عنه فَقْءُ عينه، بأحد المدارس الابتدائية بمحافظة صفاقس (جنوب) الجدل حول ظاهرة العنف في المدارس التونسية.
وقالت الأم التي نقلت ابنها إلى مصحة خاصة حيث خضع لتدخّل جراحي لساعات إنّ الطبيب صارحها بخطورة الإصابة، مؤكدا أنّ ضررا كبيرا لحق بشبكية العين، مشيرا إلى أنّ الإصابة لا يمكن أن تكون ناجمة عن اعتداء بقلم، وفق ما أكده مدير المدرسة الذي حاول التقليل من خطورة الإصابة.
واكتشفت المرأة لاحقا أنّ ابنها تعرّض إلى اعتداء بواسطة مقصّ.
وتم على إثر الحادثة إصدار بطاقتي إيداع بالسجن ضد المعلمة ومدير المدرسة بتهمة إلحاق أضرار بدنية للغير عن غير قصد والناتج عن تقصير وإهمال شؤون قاصر.
وقال الناطق باسم المحكمة الابتدائية (صفاقس1) هشام بن عياد إن هذه التطورات على خلفية فَقْء تلميذ بالسنة الأولى لعين زميله بمقص داخل القسم في غياب المعلمة التي كانت وقتها خارج القسم.
وأضاف المصدر ذاته أن عقوبة التهمة الأولى تصل إلى سنة سجنا أما الثانية فتصل إلى 3 سنوات سجنا فيما قرر المجلس الجناحي تأخير القضية إلى جلسة خلال الأسبوع المقبل.
التلميذ يمارس العنف ضد الفئات التي تشكو هشاشة نفسية أو اجتماعية، إما تقليدا لما رآه حوله من عنف، أو محاكاة له
ولفت بن عياد إلى أن المعلمة غادرت القسم ولم تترك شخصا آخر للإشراف على دواليبه، فيما يبدو أن هناك تأخرا في إسعاف الطفل المتضرر حسب محضر البحث.
وشهدت المدارس التونسية في السنوات الأخيرة ظاهرة أقلقت الأسر والخبراء، وجعلت الكثيرين يطلقون صيحات الفزع جراءها وينادون بإيجاد الحلول الكفيلة بمعالجتها قبل فوات الأوان.
وتتمثل هذه الظاهرة في استشراء العنف المادي واللفظي في صفوف التلاميذ حتى وصل الأمر إلى تسجيل خسائر في الأرواح بسبب تهور أطفال قصر لم يلقوا الرعاية والتأطير اللازمين في الوسط العائلي والمدرسي على حد سواء.
ويقدر الخبراء عدد حالات العنف في الوسط المدرسي بثلاثة آلاف حالة سنويا. وسجّل المحيط المدرسي في تونس سنة 2021، جملة من حوادث العنف التي هزّت هذا المحيط، ومسّت من حرمة المؤسسة المحورية في عملية التنشئة الاجتماعية للتلاميذ. وتمثلت تلك الحوادث في اعتداء تلميذ على أستاذه بساطور، ومحاولة آخر الاعتداء على أستاذة بسيف، وإلقاء ثالث ملابس داخلية على أستاذه داخل القسم.
وكشف تقرير للمرصد الوطني للعنف المدرسي صادر بتاريخ 05 ديسمبر 2014 حول مؤشرات العنف داخل وفي محيط المؤسسات التربوية،
عن تصدر ولاية تونس الكبرى قائمة حوادث العنف خلال الفترة الممتدة ما بين سبتمبر ونوفمبر 2014. و اعتمد المرصد على رصد وتحليل التقارير الإخبارية والمقالات الصادرة عن الصحف الوطنية طوال الفترة المذكورة، مع ما تنشره صفحات التواصل الاجتماعي من أخبار وبناء على المراصد الجهوية والمحلية المنتصبة في أنحاء الجمهورية.
وقدم التقرير صورة توضيحية بالأرقام والإحصائيات عن أصناف وأسباب ومستويات خطورة العنف والأطراف الفاعلة فيه، وكذا التوزيع الكمي للحالات المرصودة خلال كل شهر من أشهر الدراسة، والتوزيع الجغرافي حسب الوسطين الحضري والقروي وحسب الجهات، بالإضافة إلى العنف الممارس ضد مرافق المؤسسات التربوية وتجهيزاتها والحملات التحسيسية لمحاربته.
وبلغت حالات العنف داخل المدرسة التونسية 52 في المئة في حين بلغت في محيطها 48 في المئة، كما لفتت المؤشرات الانتباه إلى التفاوت الواضح إحصائيا في حالات العنف المسجلة بكل من المجالين الحضري والقروي، حيث تم تسجيل 77 في المئة من حالات العنف بالمجال الحضري مقابل 23 بالمائة في المجال القروي، مما يوحي بأن العنف المدرسي حالة حضرية بامتياز، مع وجود هامش ومجال للاستثناء، إلا أن حالات العنف المدرسي في المدن أكثر من حيث العدد، وذلك لدواع مرتبطة بالبيئة الاجتماعية وبمحددات أخرى كالبنية الديموغرافية ودرجة كثافتها، والظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتصدرت محافظات تونس الكبرى أعلى الترتيب من حيث حالات العنف المسجلة وصلت إلى 14 في المئة، تلتها جهة سوسة(ساحل) بنسبة 11 في المئة، و جهة صفاقس (جنوب) بنسبة 10 في المئة. فيما حافظت بعض الجهات الغربية للبلاد كسيدي بوزيد(وسط) والقصرين(وسط) على نفس النسب مع تدَنّ ملحوظ في حالات العنف المادي.
وأوضح الأخصائي في علم النفس السريري والمرضي طارق السعيدي أن التلميذ يمارس العنف ضد الفئات التي تشكو هشاشة نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو جسدية أو ذهنية، إما تقليدا لما رآه من عنف من حوله أو محاكاة للعنف الذي يتعرض له أو رغبة في الانتماء إلى مجموعة تمارس العنف، الأمر الذي يمكنه في ذات الوقت من حماية نفسه من تعنيفهم، وهو بذلك شكل من أشكال إظهار قوة شخص ما عبر إلحاق ضرر معنوي بالمستضعفين.
وقالت المتخصصة في علم النفس بوزارة التربية، أميرة بوعلي: “هناك عوامل عدة تسهم في تفشي العنف، والعلوم النفسية والاجتماعية تتناول الموضوع من زوايا مختلفة، ومنها أن العنف نوع من اضطرابات السلوك، وأنه عادة يتم من خلال التقليد أو التحفيز، كأن يرى الطفل والديه، أو مدرسه، أو أشخاصًا في محيطه، يمارسون العنف لإنهاء مشاكلهم، فيقوم بتقليدهم”. وأضافت أن “هناك انفعالات وأحاسيس سلبية يعيشها الطفل، وإن لم يجد الآليات اللازمة للتعامل معها فإنها تظهر عبر سلوكيات عنيفة، والإحباط والتمييز وعدم الاستماع إلى مشكلات الطفل، أو عدم قدرته على إبداء رأيه، فضلاً عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى عدم تلبية حاجاته، وكذلك التعرض للصدمات التي لا يتم التعهد بها، كل هذا يجعله يبدي سلوكيات عنيفة، والعنف المدرسي يصنف في الغالب كجريمة بدلاً من تصنيفه كاضطراب يخفي معاناة الشخص”.
وحذر السعيدي في تصريح الأنباء لوكالة التونسية من تأثير العنف وخاصة المعنوي منه بما في ذلك التنمر على نفسية الطفل، حيث أنه يخلف اضطرابات في النوم وقلة أو فرطا في شهية الأكل والقلق والاكتئاب وصعوبات التعلم والرسوب والتسرب المدرسي.
ولفت إلى أن العديد من الأطفال يخيرون عدم البوح لآبائهم بالعنف الذي يتعرضون إليه، إلا أنه يمكن التفطن إلى ذلك من خلال ملاحظة حصول تغير في مزاجهم أو سلوكهم، حيث يمكنأن تظهر على الطفل ضحية العنف بعض العلامات الدالة ومنها المعاناة من الكوابيس أثناء النوم، خاصة التي تظهر فيها الثعابين والكلاب أو الوقوع في الحفر العميقة، والعصبية غير المبررة وممارسة العنف ضد المحيطين به واللعب بطريقة عنيفة، والشعور بأوجاع في البطن أو في الرأس والتقيؤ ورفض الذهاب إلى المدرسة.
إمكانية الحد من ظاهرة العنف ممكنة عبر تدابير منها إرساء مدرسة دامجة تغرس القيم الإنسانية عبر الممارسة
وأشار الخبراء إلى أن انتشار ظاهرة العنف المدرسي والتنمر في الأوساط التربوية بتونس، تطال عواقبه عددا هائلا من الأطفال والمراهقين، ما يضر التحصيل الدراسي للطلاب وينعكس سلبا على صحتهم العقلية ونوعية حياتهم بشكل عام، ما يستدعي، حسب الخبراء، إرساء مدرسة دامجة ترسّخ القيم الإنسانية والكونية في الفضاء المدرسي.
وقدّر بعض المتخصصين في علم النفس السريري والمرضي وفي علم الاجتماع التربوي إمكانية الحد من هذه الظواهر عبر تدابير ممكنة منها إرساء مدرسة دامجة تغرس القيم الإنسانية عبر الممارسة.
وفي ذات السياق، أكدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في بلاغ أصدرته بمناسبة إحياء اليوم الدولي لمكافحة كل أشكال العنف والتنمر في المدارس ومنها التنمر الإلكتروني، الموافق لأول يوم خميس من شهر نوفمبر من كل سنة، أن احتمالات شعور التلاميذ المعرضين للتنمر بأنهم منبوذون في المدرسة ثلاثة أضعاف احتمال شعور غيرهم من الطلاب بذلك.
ولفتت المنظمة إلى أن احتمالات غياب ضحايا التنمر عن المدرسة تقدر بضعف احتمالات غياب سائر التلاميذ عنها، فضلا عن أن ضحايا التنمر يحرزون نتائج أسوأ من النتائج التي يحرزها زملاؤهم، ويعدون أكثر عرضة للانقطاع عن التعليم بعد إتمام التعليم الثانوي.
ويمكن للأطفال ضحيا التنمر أن ينقلبوا لأطفال عنيفين داخل الوسط المدرسي ما يزيد من تفاقم الظاهرة.
وأشار تقرير المرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتاريخ 7 ديسمبر2021، أنّ الفضاء التربوي والفضاء الجامعي والمسكن (الفضاء الأسري) تعرف كل منها 18.8في المئة من حجم العنف المرصود، بعد احتكار الفضاء العام من شارع ووسائل نقل، على النسبة الأكبر من أحداث العنف المسجلة خلال شهر نوفمبر أين شهدا نسبة 33.4 في المئة من مجموع العنف.