تونس تحاول اللحاق بنجاحات السندات الخضراء

إنجاح تداول هذه الأدوات يتطلب ترقية البورصة فنيا.
الأربعاء 2024/03/06
للتو بدأنا تشغيل المحطة!

كشفت تونس عن مساع للدخول في سباق السندات الخضراء في محاولة منها للحاق بنجاحات هذه النوعية من التمويلات التي ستساعدها في تحقيق الحياد الكربوني رغم التحديات التي تواجهها، أملا في كسب رهان الوصول إلى مسار منسجم مع البيئة.

تونس - تحاول تونس الانضمام إلى قافلة الدول العربية في اعتماد أدوات الديون البيئية لتسريع وتيرة تأسيس مشاريع للطاقة المستدامة بما يتيح لها مسح بصمتها الكربونية.

ويبدو أن السلطات تريد تنشيط سوق السندات، باعتباره أحد البدائل التمويلية المهمة أمام الشركات أو حتى الصناديق المملوكة للدولة من خلال إدراج أنواع جديدة لهذه الآلية، التي يقتصر دورها في السوق المحلية على سندات الخزانة العامة.

وأعلنت المديرة العامة لصندوق الودائع والأمانات ناجية الغربي أن الصندوق مستعد لإصدار السندات الخضراء، مشيرة إلى أن إطلاقها يرتبط بتوفر العدد الكافي من المشاريع لجذب التمويل الأخضر.

وهذه المرة الأولى، التي تعلن فيها جهة تونسية أو مؤسسة حكومية مثل هذه الخطوة، إذ سبق وأن ثار سجال في الأوساط الاقتصادية قبل خمس سنوات حول إمكانية دخول تونس إلى هذا المسار. وكانت الأغلبية متشككة في نجاح مساعيها بالنظر إلى التحديات القائمة.

ناجية الغربي: إصدار هذه الأدوات مرتبط بتوفر المشاريع النظيفة
ناجية الغربي: إصدار هذه الأدوات مرتبط بتوفر المشاريع النظيفة

وتعد السندات الخضراء قرضا تصدره مؤسسة على الأسواق المالية لتمويل أو إعادة تمويل جزء أو كل المشاريع الخضراء الجديدة أو القائمة، للمساهمة بشكل إيجابي في التحول الإيكولوجي.

وأعد صندوق الودائع دراسة خاصة بإصدار السندات الخضراء وذلك بالتعاون مع كل من البورصة المحلية والبنك الدولي.

وذكّرت الغربي أثناء ورشة عمل لعرض نتائج دراسة بشأن السندات الخضراء، الاثنين الماضي، بأن فكرة المشروع انطلقت إثر نشر تقرير مشترك صادر عن وزارة الصناعة والبنك الدولي في 2021 حدد عراقيل تمويل مشاريع الطاقة البديلة ضمن نظام التراخيص.

ويوضح التقرير أن القروض البنكية تبقى غير كافية لتغطية احتياجات التمويل في قطاع الطاقة المتجددة، خاصة في ما يتعلق بالمخاطر وآفاق وحجم هذه التمويلات.

وأوصى معدو التقرير، الذي أوردت وكالة الأنباء التونسية الرسمية مقتطفات منه، بوضع آليات وأدوات تمويل محددة من ضمنها تعبئة التمويلات عن طريق السندات الخضراء.

وسلطت الدراسة الضوء على أهمية التجديد في تمويل المشاريع، بما يتماشى مع التزامات تونس المناخية بهدف التقليص من الكثافة الكربونية بنسبة 45 في المئة بحلول 2030.

ويحتاج البلد، الذي يواجه أزمة اقتصادية ومالية حادة، إلى حشد تمويلات بقيمة 19.4 مليار دولار خلال الفترة الممتدة بين 2021 و2030 لتنفيذ التزاماته المناخية.

وتسابق تونس الزمن لتنفيذ إستراتيجية إنتاج الطاقة النظيفة، بعد أن وضعت قانونا لتنظيم نشاط القطاع، وبلورة خططها عبر جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتحفيز القطاع الخاص للدخول في هذا المجال.

19.4

مليار دولار تحتاجها تونس لمسح بصمتها الكربونية بمقدار 45 في المئة بحلول 2030

وكانت وزيرة الطاقة السابقة نائلة نويرة قد أكدت مطلع العام الماضي أن الدولة ستطلق مشاريع جديدة خلال الفترة بين 2023 و2025 بقيمة 5 مليارات دينار (1.6 مليار دولار) لإنتاج 1700 ميغاواط من الكهرباء النظيفة.

وأعطى تدشين محطة توزر للطاقة الشمسية، التي تعد الأكبر بالبلاد، بتمويل ألماني في صيف 2019 الضوء الأخضر لدخول مرحلة جديدة في سياق إستراتيجية تونس الطموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في توليد الكهرباء بالاعتماد على المصادر المستدامة.

وكانت الحكومة قد منحت في شهر يناير 2019 تراخيص لبناء أربع مزارع رياح تقدر تكلفتها الإجمالية بنحو 835.6 مليون دولار.

وفي مايو 2018، رخصت السلطات للقطاع الخاص بتشييد 10 محطات شمسية بقيمة 81 مليون دولار، ست منها ستنتج مجتمعة 60 ميغاواط، بينما تبلغ طاقة إنتاج المحطات الأربع الأخرى مجتمعة 4 ميغاواط.

واتجهت تونس نحو الطاقة البديلة بعد اتساع العجز في توفير الطاقة، إذ ارتفعت واردات الطاقة خلال السنوات الأخيرة بنحو 45 في المئة مع انخفاض معدل إنتاجها الذي من المتوقع أن يبلغ 15 في المئة بحلول 2030.

وتشير التقديرات إلى أن حجم إنتاج الطاقة النظيفة بالبلاد لا يزيد عن نحو 4 في المئة، أي ما يعادل 148 ميغاواط فقط. وتستهدف الحكومة إنتاج قرابة 16 غيغاواط من الطاقة البديلة في غضون ست سنوات من الآن.

بلال سحنون: تحقيق مزيج الطاقة صعب نظرا لتكاليف المشاريع
بلال سحنون: تحقيق مزيج الطاقة صعب نظرا لتكاليف المشاريع

وبات سوق السندات الخضراء أحد الحلول العملية المهمة لمواجهة المشكلات البيئة، والتي وضعت المستثمرين وخبراء التنمية وصناع السياسات، أمام هدف مشترك وطريقة فعالة للعمل معا، وإن اختلفت الغايات.

ورغم اقتصادها الضعيف والنظرة السلبية لجدارتها الائتمانية، إلا أن تونس مصرة على التحول سريعا إلى استخدام الطاقة البديلة عبر تسهيل التمويل أمام الشركات المحلية لبناء مشاريع الطاقة الشمسية أو الرياح.

ومع ذلك، يرى متابعون أنه لا يزال من المبكر الجزم بنجاح هذا النوع من التمويلات نظرا لوضعية اقتصاد البلاد، الذي لا يزال لم يخرج من عنق زجاجة الأزمة حتى الآن.

وثمة تجارب عربية ناجحة في هذا المضمار. ولعل تداول السندات الخضراء في أسواق الإمارات والمغرب ومصر والسعودية، دليل على جدوى هذا الاتجاه كونه يأتي في سياق توجه عالمي.

ولذلك تجد الحكومة التونسية نفسها مجبرة على تحفيز قطاع الطاقة البديلة من خلال اعتماد التمويل الأخضر للضغط على تكاليف إنتاج الكهرباء وما يسببه من خلل في التوازنات المالية.

ويقول المختصون إن لتحقيق ذلك يتطلب أن تتوافق التدفقات مع احتياجاتها، وبالتالي التجديد في القطاع المالي لتعزيز الاستثمارات في مشاريع منخفضة الكربون.

وأشار المدير العام لبورصة تونس بلال سحنون خلال الورشة إلى صعوبة تنفيذ مزيج الطاقة الذي حددته تونس نتيجة الاستثمارات الضخمة التي يتطلبها، وليس بسبب عدم توفر هذه الطاقة.

وقال إن “الاقتصاد التونسي يرتبط ارتباطا وثيقا بالشركاء الأوروبيين، الذين وضعوا إجراءات جديدة تلزم المؤسسات بنشر معلومات واضحة وتامة عن التأثيرات البيئية والمجتمعية”.

والأمر لا يتوقف عند هذه المشكلة، فقد سبق وأن أكدت مصادر لـ”العرب” أن سوق الأوراق المالية في تونس ليست جاهزة تماما من الناحية الفنية لتداول السندات الخضراء، باعتبارها ورقة مالية جديدة قد لا تجذب شرائح المتداولين.

وأكدت المصادر أن الدخول في هذه المغامرة قد يحتاج إلى تأسيس لأرضية صلبة لسوق المال من خلال إنشاء سوق ثانوية بالبورصة لتشجيع الشركات على التعامل بهذا النوع من التمويلات.

11