انخراط الإعلام في تسويق دعاية حماس "المنتصرة" يلحق الضرر بالرأي العام

حماس تركز السيطرة على رواية الحرب مع إسرائيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الاثنين 2024/03/04
شعبية هائلة وجاذبية

تصور مواقع التواصل الاجتماعي الناس ملتصقين بشاشات التلفزيون في انتظار خطابات “أبوعبيدة” الذي بات يمثل الصورة الدعائية لحماس وتسويق انتصارات وهمية على حساب معاناة أهالي غزة، مما ينقل صورة غير حقيقية عن تكافؤ القوى بين إسرائيل وحماس.

غزة - على الرغم من الدمار والمعاناة الهائلين في غزة، لا تزال حماس تصور معركة فعالة ومنتصرة ضد إسرائيل.

ووجدت رواية حماس عن الحرب صدى واسعا لها في الكثير من وسائل الإعلام الإخبارية العربية، وتم تضخيم رسائلها بسهولة للوصول إلى جمهور كبير في الشرق الأوسط، نظرا لحالة التعاطف الشعبي الواسعة مع المعاناة الإنسانية لأهل غزة .

ويقول راني بلوط محلل المخاطر السياسية في تقرير نشره موقع “ناشيونال انترست” إن هذه المؤسسات الإخبارية ساهمت من خلال انتشارها الجماهيري، بإلحاق ضرر كبير بالرأي العام العربي بسبب نشر صورة غير حقيقية للانتصارات.

وتمثل شخصية أبوعبيدة أبرز الأدوات الدعائية لحماس، وهو الاسم الحركي للناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، وهو يرتدي الزي العسكري الأخضر والكوفية الحمراء، ويظهر بشكل منتظم على شاشات التلفزيون في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويقدم تحديثات عن جهود حماس الحربية والتطورات السياسية ذات الصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وفي خطابات قصيرة يلقيها بلهجة متحدية، يعلن تحقيق حماس إنجازات تكتيكية مزعومة وخسائر فادحة لإسرائيل بينما وعدت بنصر وشيك.

منذ 7 أكتوبر، اكتسب أبوعبيدة شعبية هائلة وجاذبية في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي. والضجيج المحيط بخطب أبوعبيدة المذاعة هائل، مع تعليقات غزيرة وردود أفعال تشيد به إلى حد كبير باعتباره المنقذ، مع آلاف التعليقات عبر شبكة الإنترنت.

تصريحات "أبوعبيدة" رافقتها لقطات متطورة على تطبيق تيلغرام تظهر مقاتلي حماس يقاتلون القوات الإسرائيلية

وتصور وسائل التواصل الاجتماعي الناس في العالم العربي، بما في ذلك الأطفال، ملتصقين بشاشات التلفزيون في انتظار خطاباته. وتظهر لافتات كبيرة تحمل صورته في العديد من الدول والمدن العربية والإسلامية، مثل بيروت وتركيا والأردن. كما ظهرت لافتاته في ملاعب كرة القدم في تونس وليبيا، حتى أن صورته ظهرت في عرض تيفو من قبل فريق كرة قدم بارز في الجزائر. ونتيجة لهذا فقد تبنت قطاعات واسعة من السكان العرب والمسلمين الحرب الإعلامية التي تشنها حماس ضد إسرائيل، واحتفلوا بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول باعتباره اختراقاً عسكرياً كبيراً.

ومن اللافت للنظر أن الفنانين والممثلين وحتى الأكاديميين العرب والمسلمين أعربوا عن إعجابهم ودعمهم لـ”أبوعبيدة” كرمز للمقاومة الفلسطينية. ووصفت إحدى الممثلات السوريات أنها تفضل الاستماع إلى صوت أبوعبيدة في الصباح على الأيقونة اللبنانية فيروز. بينما قال الممثل المصري محمد رمضان، إنه سيجسد شخصية أبوعبيدة في عمل درامي مستقبلي، ردا على دعوة وسائل إعلام إسرائيلية لمقاطعة أعماله الدرامية.

وعلى موقع اكس، انتشر على نطاق واسع منشور يظهر ورقة امتحان تحتوي على أسئلة تتعلق به وبإنجازات حماس المزعومة في حرب غزة. والأخطر من ذلك هو أن تقارير وسائل الإعلام الإخبارية عن شعبيته شملت تغطية الأطفال في الجزائر والمخيمات الفلسطينية في لبنان لتقليده كنموذج يحتذى به، وانتحال حركاته أثناء ارتداء الملابس العسكرية والكوفيات.

وفي الساعات والأيام الأولى منذ هجمات 7 أكتوبر، بدأت البيانات المسجلة أو المنشورات أو مقاطع الفيديو لـ”أبوعبيدة” في الظهور على العديد من القنوات التلفزيونية وشبكات وسائل الإعلام الإخبارية المؤيدة لحماس على الإنترنت وقنوات تيلغرام، مما يؤكد تركيز حماس على الوصول إلى الجمهور والسيطرة على رواية الحرب مع إسرائيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ومنذ ذلك الحين، رافقت تصريحات أبوعبيدة لقطات متطورة للغاية تم نشرها على تطبيق تيلغرام تظهر مقاتلي حماس وهم يقاتلون القوات الإسرائيلية في غزة.

وظهرت تسجيلات  أبوعبيدة لأول مرة على قناة الأقصى التابعة لحماس ومقرها غزة والعديد من قنوات التلغرام المرتبطة بحماس.

وقد لعبت قنوات التطبيق تلك دورًا مهمًا في نشر رواية حماس. على الرغم من حظر قناة الأقصى والعديد من قنوات التلغرام المرتبطة بحماس، إلا أن الأبحاث تسلط الضوء على الدور الذي لعبته في نشر رواية حماس عن الحرب، مما ساعد على تعزيز مشاركة الجمهور.

ليس من المستغرب أن تكون قناة الجزيرة هي الرائدة في وسائل الإعلام العربية الرئيسية في الترويج لحملة أبوعبيدة. وقد التقطت تصريحاته المسجلة التي بثتها قناة الأقصى في وقت واحد

وليس من المستغرب أن تكون قناة الجزيرة هي الرائدة في وسائل الإعلام العربية الرئيسية في الترويج لحملة أبوعبيدة. وقد التقطت تصريحاته المسجلة التي بثتها قناة الأقصى في وقت واحد، كما قامت ببث خطاباته كاملة.

وبعيدًا عن البث المباشر، غالبًا ما تظهر سلسلة مقاطع الفيديو المسجلة لـ”أبوعبيدة” مع عناوين مثيرة تهدف إلى تمجيده كبطل مقاومة. ومما يزيد من تعقيد بث قناة الجزيرة التغطية الصحفية التي تمجده. على سبيل المثال، وصفه أحد المقالات الجذابة بعنوان “أبوعبيدة: الصوت الحقيقي في عصر اتسم بالصور الكاذبة” كشخصية نكران الذات تتمتع بشعبية غير مسبوقة في العالم العربي ليس فقط نتيجة لمهاراته في الاتصال ولكن أيضًا لموضوعيته في التعبير ومحاسبة التطورات الميدانية.

كما تقوم قنوات إخبارية عربية رئيسية أخرى، مثل الميادين المتحالفة مع إيران ومقرها لبنان، بنشر خطابات  أبوعبيدة وسرد حماس للحرب.

وتأتي هذه الخطابات أيضًا في إطار الحملة الإعلامية التي تقوم بها حماس لمواكبة التطورات الميدانية، مما يعكس وعيها بأن حملتها الإعلامية لا تقل أهمية عن جهدها العسكري.

ورغم نجاح حماس في مواصلة العمليات القتالية، إلا أنه من الناحية الإستراتيجية، لا يوجد توازن للقوى بين حماس وإسرائيل، وذلك نظراً لتفوق إسرائيل العسكري الذي لا مثيل له والمدعوم بقوة اقتصادية متطورة للغاية. والأمر الأكثر خطورة هو التدهور الهائل وطويل الأمد للظروف المعيشية للفلسطينيين بسبب الحرب، حيث أصبحت مساحات واسعة من غزة غير صالحة للسكن وتشريد الغالبية العظمى من الفلسطينيين.

لكن يبدو أن معظم وسائل الإعلام العربية وأغلبية الجمهور العربي قد أيدت رواية حماس عن الحرب ضد إسرائيل. ومع غياب المناقشات والنقاشات البناءة حول الوضع الاستراتيجي للحرب، يوصف الصراع بشكل غير صحيح بأنه صراع بين قوى متساوية. وتشمل المزاعم قيام حماس بقتل أعداد كبيرة من القوات الإسرائيلية، وتدمير مئات الدبابات والأسلحة، ومعاناة الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة لتعبئة قوات الاحتياط، والانقسام السياسي الذي يمزق المجتمع الإسرائيلي.

5