طفرة المشاريع تحول قطاع البناء إلى قاطرة التنويع السعودي

ترسم طفرة مشاريع البناء في السوق السعودية صورة واقعية لرهان المسؤولين على الأنشطة غير النفطية، وتعطي ملامح تحول القطاع إلى قاطرة لتنويع الاقتصاد بما يخدم رؤية 2030 خاصة مع تصدر البلد للمنطقة العربية في زخم عمليات التطوير.
الرياض – تتزايد المؤشرات على أن الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والمشاريع والإسكان في السعودية أدت إلى تعزيز موقع شركات المقاولات ومواد البناء المحلية، إضافة إلى جذب شركات إقليمية وعالمية، بما يترجم فكر الدولة الطموح للمستقبل.
وترى أوساط القطاع أن ذلك يؤشر على تحول ثاني أكبر قطاع غير نفطي في البلاد، والمتوقع أن يقفز حجم نشاطه السنوي أربع مرات بنهاية العام 2025 ليكون بمثابة محرك رئيسي لدعم تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط.
ويتوقع زكريا العبدالقادر رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمقاولين، أن يتضاعف حجم قطاع المقاولات السعودي من 280 مليار ريال (82 مليار دولار) حاليا إلى 270 مليارا سنويا خلال العام القادم، ويواصل تحقيق هذا الرقم في عامي 2026 و2027.
وأشار في تصريح لبلومبرغ الشرق إلى أن قيمة عقود مشاريع المقاولات العقارية التي ستوقعها السعودية حتى عام 2030، ستصل إلى 480 مليار دولار.
وتوقعت شركة ماكينزي للاستشارات في تقرير أصدرته مؤخرا أن مع وجود مشاريع كبرى قيد التنفيذ قد يصل إنفاق السعودية إلى أكثر من 175 مليار دولار سنويا على المشاريع الضخمة بين عامي 2025 و2028.
وتحول أكبر بلد مصدر للنفط في العالم منذ 2016 إلى ورشة كبرى تزخر بالمشاريع العملاقة على غرار مشروع المدينة الذكية “ذا لاين” التابعة لنيوم والبحر الأحمر والقدية وروشن والدرعية وغيرها.
وبحسب شركة جي.أل.أل، فقد استحوذت السعودية في النصف الأول من العام الماضي على 35 في المئة من إجمالي مشاريع البناء في المنطقة العربية بواقع 1.3 تريليون دولار.
وحلت الإمارات ومصر في المركز الثاني بنصف تريليون دولار لكل منهما، فيما كانت قيمة المشاريع في باقي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 700 مليار دولار.
وثمة قناعة داخل صناعة البناء بأن المشاريع الكبرى قيد التنفيذ في السعودية من شأنها أن تفسح المجال لنمو شركات قطاع المقاولات والبناء.
ورغم تباطؤ نمو شركات الإسمنت المحلية على سبيل المثال العام الماضي، إلا أن الإجماع يتجه نحو نمو إيراداتها وأرباحها خلال هذا العقد لتحقق هوامش أرباح تتفوق على نظيراتها العالمية.
وترجح بلومبرغ أنتليجنس نموا في إيرادات هذه الشركات بنسبة 7 في المئة مع زيادة في الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بنسبة 12 في المئة هذا العام.
وتبدو الشركات المحلية ليست المستفيد الوحيد، فمع ضخامة حجم المشاريع فتحت الحكومة الأبواب أمام المطورين العقارين الإقليميين والدوليين للانخراط في الأعمال والمساهمة في التنمية الشاملة.
وأبرز مثال على ذلك أن أكبر ثلاثة عقود في القطاع، استحوذت عليها شركات وي بيلد الإيطالية وإيكوم وجاكوبز الأميركيتين.
35
في المئة من المشاريع العربية من نصيب السعودية في 2023 وفق شركة جي.أل.أل
كما أن عددا من الشركات الإقليمية مثل إعمار الإماراتية، وكبار مطوّري مصر على غرار سميح سويرس وطلعت مصطفى وماونتن فيو وصبور وتطوير مصر، جميعهم اتجهوا إلى السوق السعودية لجني ثمار فورة العقار هناك.
وبالإضافة إلى قطاع شركات المقاولات والبناء، تأتي مشاريع البنية التحتية الضخمة على رأس الأعمال الإنشائية، وتشمل تطوير الطرق وسكك الحديد والمطارات.
وبحسب متوسط توقعات غلوبال داتا، فإن النمو السنوي للناتج الإجمالي لقطاع البنية التحتية في السعودية سيصل إلى 5.9 في المئة للفترة بين 2025 و2027، في وقت أن ما يزيد عن 70 في المئة من هذه المشاريع إما في مرحلة التنفيذ أو قيد الإطلاق.
ويمثل سد فجوة الإسكان البالغة مليوني وحدة أولوية للحكومة، إذ تستهدف رفع ملكية السعوديين للمنازل إلى 70 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي مقارنة مع 62 في المئة في العام 2020.
وحتى تحقق الهدف، أسست الرياض شركة تطوير وصندوق ضمان الرهن العقاري لتوفير التمويل. كما سهلت منح التمويلات وخاصة لمشتري المساكن لأول مرة. وبحسب تقرير لبلومبرغ أنتليجنس تقوم الحكومة ببناء مليون مسكن جديد “بأسعار معقولة”.
وعلاوة على ذلك، تركز صناديق الاستثمار السعودية على مشاريع جودة الحياة، بما في ذلك منشآت الرعاية الصحية والمؤسسات التعليمية والاجتماعية، إضافة إلى تطوير المشاريع السكنية المتكاملة.
ووفقا لبيانات شركة ميد، فمن شأن هذه المشاريع، سواء كانت في مرحلة التنفيذ أو قيد الإطلاق، أن ترفع متوسط الإنفاق الاستثماري السنوي للسنوات الخمس المقبلة أعلى من المستويات التاريخية.
ويشمل الإسكان، مثلا، مشاريع بقيمة 75 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يمثل متوسط إنفاق سنوي يعادل 15 مليار دولار على هذا القطاع، فيما يُتوقع أن تبلغ استثمارات القطاع الصحي 3.6 مليار دولار في المتوسط في الأعوام الخمسة القادمة.
ودفعت ضخامة حجم المشاريع التي تنفذها السعودية أحمد شمس الدين، رئيس قطاع البحوث في مجموعة هيرميس المصرية، إلى التساؤل عن خيارات السعودية التمويلية لمشاريع رؤية 2030.
ويبلغ حجم التمويلات ثلاثة أضعاف صافي الأصول الأجنبية للبلاد وأصول صندوق الثروة السيادية مجتمعين، في ظل تراجع عائدات النفط، ومحدودية السيولة لدى البنوك السعودية.
ورأى شمس الدين خلال ملتقى السوق المالية السعودية الذي انعقد بالرياض مؤخرا أن الضرورة تقتضي المزيد من المرونة المالية، وخاصة لا مركزية التمويل، إضافة إلى زيادة إصدارات الدين بالعملة المحلية من قبل الشركات الكبرى الخاصة.
وأكد أنه يجب تهيئة البيئة لسوق ثانوية نشطة للديون لبناء منحنى العائد المحلي، وإعادة توازن القطاع المالي في البلاد، وتعميق دور أسواق رأس المال في برنامج التحول.
وأشار إلى أن هذه العوامل ستؤدي إلى إطلاق العنان لإمكانات تمويل هائلة، كما ستوفر للنظام المصرفي مصدرا بديلا للتمويل طويل الأجل.
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد حذرت الشهر الماضي من تأثير الإنفاق على المشاريع الكبرى على قوة الموازنة العامة في المدى المتوسط.
وقال خبراء فيتش في تقرير إن “ارتفاع إنفاق القطاع العام، بما في ذلك المشاريع الطموحة، واحتمال ارتفاع ديون شركات الدولة والكيانات المرتبطة بها، مع المضي في إستراتيجية الاستثمار يمثل خطرا متوسط المدى على نقاط قوة الموازنة العامة”.
وبدأت السعودية بالفعل بالتوجه إلى أسواق الدين، إذ أصدرت بداية 2024 سندات على 3 شرائح بقيمة إجمالية تبلغ 12 مليار دولار، متوقعة أن تبلغ احتياجاتها التمويلية خلال العام الجاري نحو 23 مليار دولار.