العاهل الأردني في جولة داخلية تستهدف مخاطبة الرأي العام بشأن حملات التشكيك

بدأ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني جولة تشمل محافظات المملكة، فيما بدا الهدف الأساسي منها تبديد الشكوك حول ما يثار عن تعاون مع إسرائيل لاسيما بعد أن فشلت حكومة بشر الخصاونة في ذلك.
عمان - تنشغل الساحة السياسية في الأردن هذه الأيام بالجولة التي بدأها الملك عبدالله الثاني إلى المحافظات، والتي تستهدف على ما يبدو مخاطبة الرأي العام، في مواجهة حملات تشكيك تطال المملكة حيال الموقف من حرب غزة، وآخرها ما أثير حول “جسر بري” لإمداد إسرائيل بالبضائع. وزار الملك عبدالله الخميس محافظة معان جنوب المملكة رفقة ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله، بعد يوم من زيارة أداها إلى محافظة العقبة الواقعة أقصى جنوب البلاد.
وأكد العاهل الأردني خلال لقائه وجهاء وممثلين عن أهالي معان في مقر الملك المؤسس، أن الأردن يبذل أقصى جهوده لوقف الحرب على قطاع غزة. وشدد على أن الأردن مستمر بإرسال المساعدات للأهل في غزة بكل الطرق الممكنة، برا وجوا، وستكون الأولوية لمناطق الشمال في القطاع، قائلا “لن نلتفت إلى المشككين”.
ويتعرض الأردن منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لحملات تشكيك واسعة كان آخرها ما أثير عن إقامة جسر جوي لمد إسرائيل بالبضائع بعد استعصاء ذلك عن طريق البحر الأحمر نتيجة هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى تل أبيب.
وقد أطل رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة أكثر من مرة مؤخرا لتفنيد وجود مثل هكذا جسر، وقال في إحدى تدخلاته إنه “لا يوجد أيّ جسر بري من الأردن على أرض الواقع، ونظام النقل في الأردن لم يتغير منذ أكثر من 25 عاما”. وشدد الخصاونة “لن نقف صامتين إزاء ما يتم اختلاقه من قصص ضد الأردن”، مضيفا “وصمة عار على من يُشكك بالموقف الأردني الذي يتماهى فيه الموقفان الرسمي والشعبي، ودفعنا أثمانا بسبب تمسكنا بثوابتنا”.
ورغم محاولات رئيس الحكومة دحض وجود جسر بري مع إسرائيل لكن الشارع الأردني لم يقتنع براوية الحكومة وهو ما ظهر في الشعارات التي رفعت خلال الأيام الأخيرة في التحركات الاحتجاجية المساندة لغزة ومن بينها “يا للعار ويا للعار والجسر البري أكبر عار"، و"وقف وقف هالتصدير". كما عمد محتجون عبر سلسلة بشرية إلى قطع الطريق عن جسر النعيمة في مدينة إربد، الذي يعتقد أنه تمر عبره شاحنات البضائع الإسرائيلية.
◙ فشل الحكومة في إقناع الشارع بعدم صحة ما يروّج عن تعاون مع إسرائيل دفع العاهل الأردني إلى التحرك بنفسه
وكان الأردن نفى في ديسمبر الماضي، ما أسماها “ادعاءات” تتعلق بمرور جسر بري عبر المملكة، لنقل البضائع إلى إسرائيل. ويرتبط الأردن مع إسرائيل بثلاثة معابر هي الشيخ حسين (نهر الأردن من جهة إسرائيل) وجسر الملك حسين (ألنبي من جهة إسرائيل) ووادي عربة (إسحاق رابين من جهة إسرائيل). ويقول مراقبون إن فشل الحكومة في إقناع الشارع وكف الشائعات حول مع يروج لوجود تعاون مع إسرائيل دفع العاهل الأردني إلى القيام بجولته الداخلية، في ظل إدراكه بحساسية الموقف حيث أن نحو أربعين في المئة من الأردنيين من أصول فلسطينية.
وخلال اجتماعه بوجهاء معان وممثليها، تحدث الملك عبدالله الثاني عن عمليات الإنزال الجوية التي ينفذها الأردن، مبينا أن المملكة طلبت من دول شقيقة وصديقة مشاركتها في هذه العمليات، للوقوف إلى جانب الأهل في غزة والتخفيف عنهم. وأعرب الملك عبدالله عن تقديره لـ”شكر الأشقاء في غزة للأردن، على الرغم من أن المساعدات التي تصلهم حاليا محدودة بسبب ما يتعرض له القطاع”، مؤكدا أن الأهم في هذا الجهد أن يلمس الأهل في غزة أن الأردن معهم ولن يدخر جهدا لمساعدتهم.
وشارك العاهل الأردني مؤخرا في عدة إنزالات جوية للمساعدات إلى غزة، بعد أن استعصى وصولها برا، وقال الملك عبدالله خلال آخر إنزال الثلاثاء الماضي إنه يتعين زيادة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى القطاع إلى المثلين “للحد من تفاقم الوضع الإنساني الكارثي". وتعتقد أوساط سياسية أن بعض القوى في الداخل تتعمد ترويج روايات تستهدف صورة المملكة، كما أن بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية يحرصون على بث رسائل تعزز الشكوك داخل الأردن.
وكانت وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف ظهرت في شريط فيديو وهي تقدم الشكر إلى دول من بينها الأردن على خلفية عمليات نقل برية للمنتجات والبضائع لإسرائيل من جهة موانئ هندية. وتحدث الإعلام الإسرائيلي مرارا عن وجود شاحنات تعبر من المعبر الشمالي من الأردن باتجاه إسرائيل. وأمام تلك الحملات كانت ردود حكومة الخصاونة متأخرة، وهو ما سمح باكتساب تلك الحملات لبعض من المصداقية لدى الشارع الأردني، ما دفع الملك عبدالله إلى التحرك بنفسه.
ومن المنتظر أن تشمل جولة الملك عبدالله الثاني الكرك والطفيلة في الجنوب على أن تعقبها زيارات إلى باقي محافظات المملكة. ويرتبط الأردن بمعاهدة سلام مع إسرائيل تم توقيعها في العام عام 1994 في المنطقة الفاصلة بينهما في وادي عربة جنوبي الأردن، واشتملت المعاهدة على 30 بنداً حول الحدود والأمن والمياه وعلاقات الجوار واللاجئين والقدس وملفات أخرى.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا معظمهم أطفال ونساء، وفق بيانات فلسطينية وأممية، الأمر الذي أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب "إبادة جماعية". ويتظاهر الأردنيون بشكل يومي للمطالبة بوقف الحرب، وقطع العلاقات مع إسرائيل.