شح في السيولة يُفاقم معاناة الليبيين قبل شهر رمضان

بنغازي (ليبيا) - ترخي أزمة شح في السيولة بظلالها على الوضع العام في ليبيا العالقة في أزمة سياسية مستعصية لا تبدو لها نهاية قريبة مع استمرار الخلافات بين الفرقاء في غرب وشرق ليبيا.
ومع اقتراب شهر رمضان تتعاظم مخاوف الليبيين من استمرار الأزمة رغم وعود في غرب البلاد وشرقها بحل قريب لكن الوعود بددها محافظ البنك المركز الصديق الكبير الذي تحدث عن عجز مالي وأنّب حكومة الوحدة الوطنية بقيادة حليفه عبدالحميد الدبيبة تلميحا وتصريحا على نفقات ضخمة ومصاريف موازية.
ولا تقتصر هذه الأزمة التي تأتي في خضم أزمة سياسية أوسع، على مدن الشرق بل تمتد إلى غرب ليبيا الذي تديره حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
وتعاني المصارف الليبية نقصا في السيولة مما أثار قلق الليبيين الذين يعانون بسبب تأخر رواتبهم وارتفاع سعر الدولار أمام الدينار، فيما يأتي ذلك بعد رسالة وجهها الكبير للدبيبة حملت في مضامينها تساؤلات عن حجم الإنفاق الضخم وعن وعود أطلقها الأخير بزيادة الرواتب ومعالجة أزمة انهيار سعر صرف الدينار.
وأشار الكبير إلى عجز مالي، سائلا الدبيبة من أين ستمول زيادة الرواتب وكذلك عن نفقات موازية مجهولة المصدر.
وشكلت الرسالة أوضح إنذار من وضع مالي آخذ في التدهور قد يشعل الجبهة الاجتماعية مع تأخر صرف الرواتب.
ومع قرب شهر رمضان الذي يشهد عادة إقبالا على الشراء وازدحاما في الأسواق، يشتكي سكان مدينة بنغازي في شرق البلاد من ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وقال محمد البرغثي وهو موظف بقطاع الصحة وأب لخمسة أطفال "للأسف حتى الآن لم نرتاح نخرج من أزمة إلى أزمة... أحاول الحصول على أموال من مصرفي لم أستطيع... أخرج خالي اليدين".
وأضاف "قمت بتفعيل الخدمات المصرفية من أجل شراء مستلزمات البيت. صحيح قمت بحل مشكلتي ولو بشكل مؤقت ولكن أشعر بأن الخدمات المصرفية استغلال للمواطنين".
وحصل الموظفون في القطاع العام منذ يومين فقط على مرتبات شهري يناير وفبراير.
وقال صلاح العمامي تاجر المواد الغذائية في بنغازي "يبدو أننا رجعنا للمربع الأول في موضوع السيولة نحن كتجار نعاني الأمرين نقص سيولة وارتفاع سعر الدولار... هناك شح في إقبال الزبائن خلال الأسبوعين الماضيين". ويبلغ سعر الدولار في السوق الرسمية 4.8 دينار فيما يبلغ في السوق الموازية 7.39 دينار.
وقال مصدر مسؤول من مصرف ليبيا المركزي في بنغازي لرويترز طالبا عدم نشر اسمه إن "سبب نقص السيولة هو إغلاق الاعتمادات خلال الفترة الماضية ولكن نتوقع انفراجة في الأزمة قبل شهر رمضان، سيتم فتح الاعتمادات".
وقال الخبير الاقتصادي الليبي عطية الشريف "نقص السيولة الذي يحصل الآن هو بسبب الإجراءات المتقطعة والمتذبذبة والقرارات العشوائية لمصرف ليبيا المركزي مما أدى إلى انقطاع الثقة بين المصرف والمواطنين والتجار"، مضيفا "المواطن يقوم بسحب أي مبلغ أول بأول والتاجر لا يقوم بوضع أمواله داخل المصارف مما أدى إلى التضخم... مصرف ليبيا المركزي يرأسه شخص واحد لا يوجد من يحاسبه أو يراجع من بعده".
ودعا الصديق الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي أمس الثلاثاء إلى ميزانية وطنية موحدة في تحد واضح لحليفه السابق رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة وسط تراجع قيمة الدينار الليبي.
وعاد مصرف ليبيا المركزي في أغسطس من العام الماضي مؤسسة سيادية موحدة، بعد قرابة عقد من الانقسام إلى فرعين بسبب الحرب الأهلية.
ونشر الكبير رسالة إلى الدبيبة يحث فيها على إنهاء ما وصفه بالإنفاق الموازي "مجهول المصدر" حفاظا على الاستدامة المالية للدولة. وكثيرا ما كانت الخلافات بخصوص الوصول إلى الموارد المالية للدولة محورا للتنافس بين الفصائل الذي تعاني منه ليبيا منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي في عام 2011.
وتعد مطالبة الكبير بإقرار ميزانية موحدة إشارة إلى الانقسامات السياسية في ليبيا. وتعمل حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة في طرابلس والغرب، في حين تحظى إدارة موازية بدعم البرلمان في الشرق.
وتتوافر ليبيا التي كانت تنتج في العام 2010 نحو 1.6 مليون برميل نفط يوميا، على ثروة نفطية هائلة تشكل تقريبا مصدر الإيرادات الوحيد في البلاد المثقل بالصراعات والفوضى منذ الإطاحة بنظام القذافي في فبراير من العام 2011.
وتسببت الصراعات والانقسامات في أكثر من مرة في توقف الإنتاج وتذبذب الصادرات، بينما يتهم شق من الليبيين طرفي الصراع بتبديد ثروات البلاد وبنفقات ضخمة تتجاهل احتياجات المواطن إلى تأمين النفوذ وشراء ولاءات ميليشيات مسلحة.
وفشلت جهود المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا عبدالله باتيلي في حلحلة الأزمة السياسية وتهيئة الأرضية لانتخابات عامة طال انتظرها يعلق عليها الليبيون آمال كبيرة في قيادة البلاد إلى برّ الأمان.
لكن حتى الآن لا توجد اي مؤشرات على نهاية قريبة للأزمة بعد جولات كثيرة من المحادثات والوساطات اذ انتهت معظمها إلى طريق مسدود بما فيها مبادرات باتيلي وأسلافه من المبعوثين الأمميين.