الشحن اللاسلكي للسيارات يعد بطفرة رغم التحديات

تعد خاصية الشحن اللاسلكي المخصص للمركبات الكهربائية بقفزة في عالم القيادة، كونها عبارة عن نقل استقرائي للإلكترونات من شأنه أن يلغي الحاجة إلى كل تلك الأسلاك المزعجة، ما قد يكون بديلا عمليا يمهد لطفرة في هذا المجال رغم كثرة التحديات القائمة.
لندن- أمضت العديد من الشركات الناشئة سنوات في العمل من أجل عالم ينتشر فيه الشحن اللاسلكي، حيث يتزايد الزخم لجعل هذا الحلم حقيقة مع تزايد اعتماد المركبات الكهربائية.
ورغم أهمية هذه التكنولوجيا، التي يمكن أن تحول الشوارع نفسها إلى منصات شحن، إلا أنها لا تزال في بدايتها. لكن الخبراء يشيرون إلى أن التطورات المستقبلية في تكنولوجيا السيارات وخاصة القيادة الذاتية قد تعزز حجة الشحن اللاسلكي.
وتتجمع الشركات حول التكنولوجيا الموحدة، وشرع مصنعون للسيارات في إطلاق تجارب الشحن اللاسلكي، كما ترسم البلديات خرائط لحالات استخدامه، فيما تحظى هذه الخطوة باهتمام شركة تسلا.
لكن لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام هذا المشروع، أهمها بطء عملية الشحن، والأموال والاهتمام اللازمان لبناء المحطات وجذب المزيد من شركات صناعة السيارات.
ورغم أن الشحن دون أسلاك يبدو مشروعا رائعا على الورق، فإن التكنولوجيا تواجه نفس المفارقة التي تؤثر على طرح المقابس العامة.
ومع أن المصنعين قد يتبنون الشحن اللاسلكي، لكن القلق بشأن توفر محطات الشحن العامة يعيق النمو في الطلب على السيارات الكهربائية جزئيا.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن مايكل ويسميلر، مدير برنامج البحث والتطوير الكهربي في مكتب تقنيات المركبات التابع لوزارة الطاقة الأميركية، قوله “إذا كنت مُصنعا، قد أتردد في إدخال هذه التقنية لعدم وجود أيّ بنية تحتية خاصة بالشواحن اللاسلكية”.
وأضاف “عليك رؤية إنشاء البنية التحتية اللازمة وصناعة المركبات في الوقت نفسه حتى يكون الأمر منطقيا في النهاية”.
ويعتمد شحن اللاسلكي أو الاستقرائي على الرنين المغناطيسي ولوحة الشحن لتوليد مجال نقل الكهرباء، وعندما تحاذي لفافة الأسلاك في جهاز استقبال أسفل السيارة بلفافة أسلاك لوحة الشحن، يلتقط جهاز الاستقبال تلك الطاقة ومن ثم يغذي البطارية.
وتشبه هذه التقنية شحن الهاتف اللاسلكي، الذي يتطلب أيضا جهاز استقبال ولفافة أسلاك مناسبة، لكن أنظمة السيارات الكهربائية يمكن أن تعمل مع ما يصل إلى 10 بوصات من الفصل بينها.
ورغم ذلك، تشكل السرعة مشكلة حادة، فمعظم أجهزة الشحن اللاسلكية كغيرها من شواحن المستوى الثاني كالتي في المنازل، وليست أجهزة الشحن السريع المتوفرة في المحطات العامة. كما تبرز ضرورة تصميم السيارات الكهربائية بشكل يناسب الشحن اللاسلكي.
ومع أن تعديل المركبات الكهربائية أمر ممكن، لكنه قد يُبطل ضمان البطارية من الناحية العملية، وفقا لما يقوله أمايا كاردينافيس، المحلل في شركة وود ماكنزي.
وبالنسبة إلى المطورين، لا يزال تبرير إدخال تكنولوجيا الشحن اللاسلكي صعبا، إذ أنه مشروع مكلف، ولا توجد محطات شحن حتى الآن لجعله ميزة مقنعة.
ويقول أليكس غروزن، الرئيس التنفيذي لشركة ويتيريسيتي في ماساتشوستس، إن قدرة شركته على الشحن اللاسلكي ستكلف شركات التصنيع المئات من الدولارات لكل سيارة، وسيتحمل العبء فيما بعد المستخدمون.
وتشير هذه العقبات إلى أن الشحن اللاسلكي يتوفر على شكل مشاريع تجريبية، إذ تختبر بعض الشركات في الصين وكوريا الجنوبية هذه التكنولوجيا على سيارات الركاب الجديدة.
لكن العديد من التجارب موجهة إلى المركبات التجارية، التي تميل إلى أن تكون لها طرق ثابتة وإمكانية شحنها طوال الليل في الأماكن الثابتة المخصصة للوقوف.
وبحسب لورين ماكدونالد، المؤسس والرئيس التنفيذي لأي.في أدوبشن، وهي شركة لتحليل وتتبع بيانات السيارات الكهربائية، فإنه يمكن نشر أجهزة الشحن في مواقع محددة على الطرق على مدار اليوم.
وتخطط ويتيريسيتي لطرح نظام هالو اللاسلكي الخاص بها على عربات الغولف والمركبات الخفيفة مثل إي.زي غو وإيكون إي.في خلال صيف 2024 بعد عرض التكنولوجيا على المركبات المعدلة مثل موستانغ ماتش.إي من فورد.
وتتعاون هذه الشركة مع ميتسوبيشي وسيمنز لعرض الشحن اللاسلكي على السيارات التي تصنعها كي.جي موبيليتي الكورية الجنوبية.
ورغم أن ويتيريسيتي تشير إلى أن سيارات الركاب تُشحن بما يكفي لقطع 56 كيلومترا في الساعة باستخدام تقنيتها، إلا أن غروزن يرى أنه لا يزال الشحن يشكل إحدى أبرز نقاط القلق للمستخدمين، ولذلك شركته تعمل على توفير وتسهيل ذلك.
وفي إشارة ربما تكون الأكثر أهمية لإمكانات الشحن اللاسلكي لسيارات الركاب، أكد فرانز فون هولز هاوزن، رئيس قسم التصميم في تسلا في ديسمبر الماضي أن الشركة تسعى وراء إصدار نسختها الخاصة من هذه التكنولوجيا.
وقال خلال ظهوره في سلسلة يوتيوب “جاي لينوز غاراج”، “نعمل على تطوير الشحن الاستقرائي، لذلك لا تحتاج حتى إلى توصيل شيء ما في تلك المرحلة. فقط اسحب المرآب الخاص بك، وقم بقيادة سيارتك فوق منصة الشحن لتُشحن”.
ويعزز تصويت تسلا على الثقة، الاهتمام بين الشركات الأخرى أيضا، “حيث تعتبر دعوة الاستيقاظ الرئيسية”، وفق جيريمي ماكول الرئيس التنفيذي لشركة هيفو الذي قال “كان الشحن اللاسلكي يعتبر تقنية هامشية حتى حدوث ذلك، إذ يعتبر اليوم تقنية شائعة”.
ومن المرجح أن يساعد التوحيد القياسي أيضا في تعزيز تبني هذه التقنية. ففي 2022، وضعت أس.أي.إي إنترناشونال، وهي جمعية للمهندسين وخبراء النقل التقنيين اللمسات الأخيرة على أول نموذج للشحن اللاسلكي الثابت للمركبات الخفيفة.
ويشمل النموذج كل ما يلزم بدءا من سرعة الشحن الآمنة حتى 11 كيلوواط إلى قابلية التشغيل المتبادل والأداء.
وقال غروزن “هذا يعني أنه يمكن بناء الشواحن في المباني السكنية”. وأكد أنه “يمكن أن ترفق جميع مواقف السيارات بمنصات الشحن اللاسلكي من الشركات المتخصصة. ويمكن لمصعني السيارات التركيز على صنع سيارات تتوافق مع ذلك”.
والشحن اللاسلكي للسيارة الكهربائية ليس نهاية المطاف، إذ تخطط أس.أي.إي إنترناشونال أيضاً لتحديث معيار السيارة الخفيفة ليشمل الشحن ثنائي الاتجاه، والذي يتيح للسيارة إعادة الكهرباء إلى الشبكة.
ويشير غروزن إلى أن الجيل التالي من مكونات الشحن اللاسلكي من ويتيريسيتي سيكون ثنائي الاتجاه. ويتوقع أن يبدأ بيعها لشركات صناعة السيارات في وقت لاحق من هذا العام.
كما تطور الجمعية أيضا إرشادات تقنية لما يعرف باسم الشحن الاستقرائي الديناميكي أي الشحن دون حاجة إلى قابس عندما تكون السيارة في حالة حركة.
وتعمل أيضا على طريقة قياسية لمواءمة المركبات الكهربائية مع منصات الشحن، والتي ستثبت أهميتها بشكل خاص عندما تبدأ السيارات ذاتية القيادة في صف نفسها.