الجزائر تدخل القطب الديني حيّز الخدمة بعد جدل سياسي وأيديولوجي

افتتح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الأحد، بشكل رسمي جامع الجزائر ثالث أكبر مسجد في العالم والأكبر في أفريقيا، ليكون منارة دينية وحضارية ينطلق منها الخطاب الديني المعتدل في البلاد، وهو ما أزعج أنصار بعض التيارات الدينية الأخرى كالإخوان والسلفيين.
الجزائر - أعطى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إشارة دخول جامع الجزائر حيّز الخدمة لتؤدى فيه صلاة الجمعة والتراويح لأول مرة منذ الانتهاء من تشييده، ليكون بذلك قطبا دينيا رسميا للدولة، تبث من خلاله الخطاب الديني الذي تتبناه، ومعلما حضاريا يعبر عن الهوية الروحية والحضارية للبلاد، وبذلك وضع حدّا للجدل الذي أحاط بالمشروع خلال مرحلة بنائه، ثم تأخر العمل به لعدة سنوات.
ودخل “جامع الجزائر”، الواقع في ضاحية المحمدية شرقي العاصمة، حيز الخدمة، تحسبا لأداء صلاة الجمعة وصلاة التراويح خلال شهر رمضان القادم، حيث أشرف تبون، بمعية مسؤولين كبار في الدولة، على تدشينه ليفتح بذلك أبوابه أمام المرتادين، بعد سنوات من اللغط والجدل.
وتعول الجزائر على الجامع الأعظم، ليكون منارة دينية وحضارية ينطلق منها الخطاب الديني المعتدل، وليكون أيضا مصدر إلهام لباقي المؤسسات الدينية والمساجد المنتشرة في ربوع البلاد، فيما يتعلق بتوحيد المرجعية الدينية، والوقوف في وجه التيارات والمذاهب التي تغلغلت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.
واستغرق جامع الجزائر عدة سنوات في عملية الإنجاز، وكذلك الانتظار لدخول الخدمة، كما لفه جدل سياسي وأيديولوجي منذ إعلان الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، إنجازه بالعاصمة، وفي ضاحية “المحمدية”، التي كانت خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية تدعى “لافيجري”، نسبة للكاردينال شارل مارسيال لافيجري، الذي اشتغل على حملات التبشير بالجزائر أثناء الحقبة المذكورة.
ولم يسلم المشروع الديني الذي استهلك نحو ملياري دولار، وأسندت دراسته الهندسية لمكتب ألماني، وعملية تشييده لشركة صينية، من انتقادات سياسيين وأيديولوجيين، بدعوى أن الغلاف المالي المرصود له، كان بالإمكان توجيهه لإنجاز مشاريع خدماتية أخرى، خاصة وأن البلاد تشهد تأخرا ملحوظا في البنى التحتية بالعاصمة والمستشفيات وغيرها.
غير أن تيارا داخل السلطة، وجد في دعم قطاع عريض من الجزائريين للمشروع، ذريعة للتمسك بإنجازه رغم الانتقادات، خاصة وأن السلطة ما فتئت توظف مختلف الإنجازات لأغراض سياسية، لكن بقاءه مغلقا خلال العامين الأخيرين عزز رأي مناوئيها، بأنها باتت تخشى من فتحه أمام عموم المرتادين، باعتبار أن مظاهرات الحراك الشعبي في 2019، و2020 كانت تنطلق من بعض مساجد العاصمة.
وأكد الرئيس تبون، خلال حفل التدشين، على “ضرورة قيام جامع الجزائر بترسيخ قيم الوسطية ونبذ الغلو والفكر المتطرف، واعتماد ضوابط واضحة للموافقة على عرض الكتب، بحيث ينبغي ألا تحتوي المؤلفات انزلاقات وأفكار خارجة عن ديننا الحنيف وتقاليدنا ووسطية أجدادنا ومشايخنا”.
ودعا تبون، إلى “إثراء المكتبة بكتب مرجعية في مختلف التخصصات العلمية، والتكوين في الصيرفة الإسلامية والاقتصاد والقانون، وإلى التواصل والتعاون مع مختلف مؤسسات الدولة من أجل تنظيم ملتقيات وندوات فكرية، بالنظر إلى المرافق المتعددة والتكنولوجيات الحديثة التي يحتويها”.
وحضر حفل الافتتاح كبار مسؤولي الدولة ووجوه دينية من الزوايا والمدارس الدينية الصوفية، وشخصيات فكرية ودينية من العالمين العربي والإسلامي، على غرار مفتي الجمهورية المصرية شوقي علام، وهو ما يوحي بوجود قواسم مشتركة بين البلدين في هذا المجال، وترجمته أعمال تعاون بين الطرفين في مجالات الفتوى والتكوين.
وضع شخصية صوفية تنتمي إلى الطريقة الرحمانية، كعميد للجامع الأعظم برتبة وزير أزعج الإخوان والسلفيين
ووضعت السلطة الجزائرية، شخصية صوفية تنتمي إلى الطريقة الرحمانية، كعميد للجامع الأعظم برتبة وزير، ويتعلق الأمر بالشيخ مأمون القاسمي، وهو ما أزعج أنصار بعض التيارات الدينية الأخرى كالإخوان والسلفيين، الذين عبروا عن اعتراضهم على التعيين عبر بعض الصفحات والمدونات على شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي كلمة له أشاد مأمون القاسمي، بـ”حرص رئيس الجمهورية على التدشين الرسمي للجامع بعد استكمال أشغال إنجاز وتهيئة كل مرافقه وهياكله، لاسيما وأنه تزامن مع فضائل النصف من شهر شعبان الذي يدشن فيه هذا الصرح الديني والحضاري”.
وأكد ضيوف الجامع من علماء وأئمة ومسؤولي هيئات إسلامية دولية، في تصريحات إعلامية، أن “جامع الجزائر يشكل منارة للعلم والإشعاع الدينييْن، ويكرس دور الجزائر الحضاري والريادي في العالم الإسلامي، وإسهامه في نشر منهج الاعتدال والوسطية في العالم “.
واستوحت هندسة جامع الجزائر، شكلها من الإرث المعماري الإسلامي والأندلسي، ويعتبر الثالث من نوعه في العالمين العربي والإسلامي، على قاعة صلاة كبيرة تتربع على مساحة 20 ألف متر مربع وتتسع لأزيد من 120 ألف مصل، زينت بشكل بديع وتحتوي على دعائم رخامية مميزة ومحراب كبير تم إنجازه من الرخام والجبس متعدد الألوان ولمسات فنية تعكس الزخرفة الجزائرية الأصيلة.
ويضم مئذنة يفوق علوها 265 مترا ودعائم بعمق 60 مترا، وتتشكل المئذنة من 43 طابقا خصص 15 منها كفضاء لاحتضان متحف يخص تاريخ الجزائر و10 طوابق كمركز للبحوث، بالإضافة إلى محلات تجارية، وتم وضع منظار في القمة ليتمكن زوار الموقع من الاستمتاع بجمال خليج العاصمة.
ويحتضن الجامع، الذي خصه الرئيس تبون بمراسيم وقوانين أساسية لإدارة وتسيير مختلف هياكله ومرافقه، المدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية ” دار القرآن” بطاقة استيعاب تقدر بـ 1500 مقعد موجهة للطلبة الجزائريين والأجانب لما بعد التدرج في العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية، وتحتوي على قاعات لإلقاء الدروس وقاعة متعددة الوسائط وقاعة للمحاضرات وكذا إقامة داخلية.
كما يشمل الجامع على بنايات أخرى، على غرار مركز ثقافي يحتوي بهوا للعرض ومكتبة تستوعب مليون كتاب، وفضاء مخصص لنزول المروحيات وحظيرة للسيارات تتسع لـ 4 آلاف سيارة مبنية على طابقين اثنين في الطابق السفلي لساحة كبيرة تحيط بها عدة حدائق وأحواض.