زيادة كلفة التأمين التجاري تحاصر شركات الشحن البحري

تتزايد الدلائل على أن قيمة عمليات تأمين الشحن البحري ضد المخاطر التجارية والحربية واصلت الارتفاع خلال الفترة القصيرة الماضية، ما يكبد شركات القطاع المزيد من الأعباء ويجعل من الصعب التكهن بهدوئها قريبا في ظل الوضع القاتم في البحر الأحمر.
لندن - تسببت هجمات المتمرّدين الحوثيين على سفن تجارية في البحر الأحمر بارتفاع حادّ في أسعار عقود تأمين الشحن البحري، مع فرض رسوم لتغطية المخاطر المرتبطة بالنزاعات، تُضاف إلى الزيادة الكبيرة في تكلفة الشحن نتيجة سلوك مسار بديل أطول.
ورفعت شركات التأمين ضد مخاطر الحرب علاوات التأمين على السفن الأميركية والبريطانية والإسرائيلية التي تمر عبر مضيق باب المندب بنسبة تصل إلى 50 في المئة، فيما يتجنب بعض مقدمي خدمات التأمين تغطية مثل هذه السفن بسبب استهداف جماعة الحوثي لسفنها.
ومنذ أواخر نوفمبر الماضي، ينفّذ الحوثيون المدعومون من إيران، هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها، لدعم لغزة التي تشهد حربًا بين حماس وإسرائيل منذ مطلع أكتوبر 2023.
وأبطأت الهجمات التي يشنها الحوثيون منذ ذلك الحين التجارة بين آسيا وأوروبا وأثارت قلق القوى الكبرى. ولجأت شركات كثيرة إلى تغيير مسار السفن لتدور حول جنوب أفريقيا على الرغم من أن بعض السفن ما زالت تعبر البحر الأحمر.
وبحسب صندوق النقد الدولي، فإنّ النقل البحري للحاويات عبر البحر الأحمر انخفض بنسبة 30 في المئة تقريبا خلال عام واحد.
وقبل النزاع الذي تفجر قبل أشهر في الشرق الأوسط، كانت تعبر في المنطقة بين 12 و15 في المئة من التجارة العالمية، بحسب أرقام الاتحاد الأوروبي.
وينبغي أن تكون لدى السفن التجارية ثلاثة أنواع من التأمين، منها تأمين على هيكل السفينة أي ضدّ الأضرار التي قد تلحق بها، وتأمين على شحناتها وأخيرا تأمين “الحماية والتعويض” الذي يتضمّن تغطية غير محدودة للأضرار التي قد تلحق بأطراف أخرى.
غير أن كلفة تأمين السفن والحمولات ضد مخاطر مرتبطة بنزاعات “ارتفعت كثيرا” في ظلّ الظروف القائمة في منطقة البحر الأحمر.
وقال فريديريك دونيفل، مدير عام مجموعة غاريكس المتخصصة في التأمين ضد المخاطر المرتبطة بالنزاعات، لوكالة فرانس برس إن ذلك حصل بطريقة “متناسبة مع التهديدات”.
وشرح مسؤول قسم التأمين البحري والجوي في شركة لويدز ماركت أسوسييسن البريطانية نيل روبرتس لفرانس برس أن “البحر الأحمر منطقة مصنّفة، ما يعني أن على السفن التي تنوي دخوله، إبلاغ شركات التأمين”.
وفي هذه الحالة، لدى شركات التأمين إمكانية تغيير أحكام عقود التأمين. وهذا يشمل رسوما إضافية لتغطية المخاطر المرتبطة بالنزاعات، والتي تُباع بشكل يكمّل بوالص التأمين الأساسية.
30
في المئة انخفاض نقل الحاويات عبر البحر الأحمر في 2023 وفق صندوق النقد
إلا أن المسؤول عن تأمين شحن البضائع العالمي لدى شركة مارش العالمية للتأمين أوضح لفرانس برس، التي لم تذكر هويته، أن هذه التغطية الجديدة تكون “عادةً صالحة فقط لسبعة أيام، مع الأخذ في الاعتبار بأن الأعمال العدائية قد تتصاعد”.
وأشارت المديرة العامة لشركة أسكوما انترناشونال للتأمين كلير أمونيك إلى أن معدّلات التأمين “ارتفعت بما بين خمسة وعشرة أضعاف، سواء لضمان السفن أو البضائع التي تعبر البحر الأحمر”.
وبحسب مصادر تواصلت معها فرانس برس، فإن المعدّل الحالي لرسم التأمين المرتبط بمخاطر النزاعات يتراوح بين 0.6 وواحد في المئة من قيمة السفينة.
وتُعتبر هذه المبالغ طائلة إذ أن السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر، الممر المائي الاستراتيجي، هي حاملات حاويات ضخمة أو ناقلات نفط تُقدّر قيمتها غالبًا بأكثر من مئة مليون دولار.
وتؤخذ في الاعتبار أيضا جنسيّات الشركات المالكة أو المشغّلة للسفن. فبالإضافة إلى السفن المرتبطة بإسرائيل والمتّجهة إلى موانئها، بدأ الحوثيون يستهدفون السفن الأميركية والبريطانية معتبرين أنها أصبحت “أهدافًا مشروعة”.
وجاء ذلك ردا على الضربات العسكرية الأميركية – البريطانية المشتركة على مواقع للحوثيين داخل اليمن مرات عديدة من الثاني عشر من يناير الماضي.
وينفّذ الجيش الأميركي وحده بين حين وآخر ضربات يقول إنها تستهدف مواقع أو صواريخ ومسيّرات معدة للإطلاق كان آخرها الأربعاء الماضي.
وقال خبير الأمن البحري في شركة فيسل بروتكت لتأمين السفن مونرو أندرسون إن “الحوثيين أشاروا تحديدا إلى أنهم يستهدفون السفن الأميركية والبريطانية” أو تلك المرتبطة بإسرائيل.
وأضاف إن بعض السفن “مرتبطة بدول ليس لديها نفس مستوى المخاطر” على غرار السفن الصينية التي يعبر عدد كبير منها هذه المنطقة وهي أقلّ عرضةً للهجمات. بالنسبة إلى هذه السفن، فإنّ قيمة التأمين ضد المخاطر المرتبطة بنزاعات، أدنى من السفن الأخرى.
وإذ لفتت أمونيك إلى أنّ هناك بالطبع “زيادة كبرى” في أسعار العقود من جانب شركات التأمين وإعادة التأمين، أكدت أنه “ليس هناك رفض لتأمين” سفينة ما معتبرةً أنه “أمر جيّد” للزبائن.
وأما بالنسبة إلى السفن التي تختار تجنّب المرور في البحر الأحمر عبر سلوك مسار بديل يلفّ حول رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب إفريقيا، فإنها تواجه تكاليف أخرى مرتبطة بإطالة الرحلة.
وتستغرق الرحلة بين 10 و15 يوما إضافيًا عبر هذا الطريق، وحتى عشرين يومًا في بعض الأحيان بناءً على سرعة السفينة.
وفي هذه الحالة، توفّر السفن كلفة تأمين المرور عبر البحر الأحمر، لكن “هناك كلفة إضافية للوقود” واليد العاملة مع دفع أجور أكبر للطاقم.
وبحسب تقرير لشركة لندن ستوك اكستشاينغ غروب المالية، فإن كلفة رحلة من آسيا إلى شمال غرب أوروبا زادت بنسبة 35 في المئة لسفينة حاويات كبيرة.
وزادت التكاليف بالنسبة إلى الناقلة نفط من فئة أفراماكس، أي تلك التي تبلغ طاقتها الاستيعابية بين 80 و120 ألف طن بنسبة تصل إلى 110 في المئة. وثمّة مخاطر أخرى أيضا.
وحذّرت أمونيك من أن تحويل مسار العديد من السفن إلى رأس الرجاء الصالح “قد يؤدي على الأرجح إلى زيادة عمليات القرصنة في المحيط الهندي”، منبّهةً إلى أن “الخطر يمتدّ إلى أسفل البحر الأحمر باتجاه السواحل الصومالية”.