تحركات القوى المدنية السودانية في المحيط الأفريقي لا تؤتي أكلها

تتركز تحركات تنسيقية تقدم على المحيط الأفريقي لخلق مسار يقود إلى إنهاء الحرب في السودان، لكن متابعين يشككون في تأثير تلك التحركات على مجريات الأمور، لاسيما مع إصرار الجيش على مواصلة الحرب.
أديس أبابا - تواصل الهيئة القيادية لتنسيقية “تقدم” تحركاتها على الساحة الأفريقية على أمل حشد الدعم لجهودها لوقف إطلاق النار في السودان، لكن مراقبين يرون أنها “حركة بلا بركة” في ظل إصرار الجيش على المضي قدما في الحرب، وغياب ضغط دولي جدي لإنهاء الصراع.
وأجرى رئيس هيئة تنسيقية “تقدم” عبدالله حمدوك سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين والقادة الأفارقة بينهم الرئيس الكيني وليام روتو، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وأطلع حمدوك الرئيس الكيني على مستجدات الحرب في السودان والوضع الإنساني الكارثي الذي يهدد ملايين السودانيين، داعيا القادة الأفارقة إلى “الاضطلاع بمسؤوليتهم التاريخية لإنقاذ الشعب السوداني والحيلولة دون تفتت السودان”.
كما التقى حمدوك أيضا برئيس جنوب أفريقيا سيلفاكير ميارديت، الذي يقود وساطة لتقريب وجهات النظر بين القوى المدنية والحركات المسلحة السودانية من أجل تشكيل جبهة عريضة للضغط على طرفي النزاع السوداني لإنهاء الحرب.
وكان لحمدوك لقاء مع وزير الخارجية التشادي محمد علي النظيف، حيث قدم الشكر لتشاد على استضافتها للسودانيين الذين فروا جراء الحرب، وأكد على أهمية حشد الدعم الإقليمي والدولي لتوفير المعونات الإنسانية اللازمة لتخفيف وطأة المعاناة التي تثقل كاهل الشعب السوداني لا سيما في معسكرات النزوح واللجوء، كما شدد على أهمية الدور الأفريقي في الوصول إلى حل سلمي تفاوضي ينهي الحرب ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية في السودان.
قوات الدعم السريع نفت إحراز الجيش لأي تقدم في أم درمان، وقال المكتب الإعلامي لقوات الدعم السريع في بيان لقد "تحول الجيش إلى الدعاية وهو على وشك الهزيمة"
وتخوض الهيئة القيادية لتنسيقية “تقدم” سباقا مع الوقت من أجل تشكيل جبهة مناهضة للحرب، لكنها تصطدم بعدة عراقيل لعل من بينها غياب التوافق بين القوى السياسية والمدنية والمسلحة، وسعي البعض منها لفرض شروط ومطالب هي محل خلاف منذ عقود.
ويرى مراقبون أن المعضلة الأكبر تبقى في إصرار الجيش على المضي قدما في الحرب، حيث يعتبر أن إمكانية تدارك الوضع الميداني واردة، وبالتالي يرى أنه ليس لزاما عليه البحث حاليا في التسوية السياسية.
وكان قائد منطقة الشجرة العسكرية قائد سلاح المدرعات اللواء نصرالدين أعلن في وقت ساق عن دخول الحرب ضد قوات الدعم السريع مرحلة جديدة بعد “إنجاز المرحلة الأولى من عمليات الحسم”.
وقال نصرالدين “القوات المسلحة ستقدم الغالي والرخيص حماية للأرض والعرض ونبشر الشعب السوداني ببداية المرحلة الثانية”.
وجاء الإعلان عقب تأكيد الجيش سيطرته على معظم المقار العسكرية في مدينة أم درمان التي شهدت معارك عنيفة بين الجانبين خلال الأسابيع الأخيرة.
ونفت قوات الدعم السريع إحراز الجيش لأي تقدم في أم درمان، وقال المكتب الإعلامي لقوات الدعم السريع في بيان لقد “تحول الجيش إلى الدعاية وهو على وشك الهزيمة”.
وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم، وشقيقتيها بحري وأم درمان، ومعظم الأراضي في إقليمي دارفور وغرب كردفان.
وحافظ الجيش على السيطرة على معظم قواعده في العاصمة الخرطوم لكنه لم يحرز تقدما كبيرا حتى بداية العام عندما قال سكان إنه استخدم الطائرات المسيرة بشكل أكبر. ويبدو أن ذلك ساعد الجيش على التقدم بمحيط قواعده شمال وجنوب أم درمان وإنشاء نطاق سيطرة بمحاذاة العاصمة الخرطوم.
وتكتسي أم درمان أهمية استراتيجية بالنسبة لطرفي النزاع، حيث تقع على الضفة الغربية لنهر النيل، وتعد إحدى أكبر مدن السودان وأعرقها، وبوابة العاصمة الغربية المطلة على غرب السودان، ومدخلها من شمال السودان، وتضم أم درمان الكبرى ثلاثة أقسام هي أم درمان القديمة وكرري وأم بدة.
وتنتشر في شمال المدينة وجنوبها، المواقع العسكرية للجيش السوداني، وأهمها القاعدة الطبية (السلاح الطبي) في الجنوب الشرقي، وسلاح المهندسين جنوب المدينة، وفي شمالها أهم القواعد الجوية العسكرية في العاصمة الخرطوم؛ قاعدة وادي سيدنا، ومنطقة كرري العسكرية التي تضم عدداً من الوحدات العسكرية.
وتوجد في أم درمان الكلية الحربية وجامعة كرري التابعة للجيش، إلى جانب عدد من معسكرات التدريب الخاصة بالجيش وقوات الدعم السريع وجهاز المخابرات في شمال وجنوب المدينة.
ويرى مراقبون أن الصفقات التي قام بها الجيش ومن بينها شراؤه لطائرات مسيرة من إيران، فضلا عن عملية الحشد الشعبي الذي قام به قد تحسن وضع الجيش ميدانيا هو ما تحقق في أم درمان لكنها لن تقود إلى تغيير يمكن الرهان عليه لقلب موازين القوى التي لا تزال تميل بقوة لصالح الدعم السريع.
ويشير المراقبون إلى أن الاعتقاد في الحسم العسكري يجعل من قيادة الجيش تتهرب من أي مفاوضات، لافتين إلى أن تحركات القوى المدنية لا يمكن أن تحقق الكثير خاصة وأنها تبقى بلا إسناد دولي قوي.
وتقتصر الضغوطات الدولية حتى الآن على الإعلان عن بعض العقوبات بحق أفراد أو كيانات من كلا جانبي الصراع، وعلى الإدانات لكن ذلك يبقى غير كاف، من أجل وضع حد لحرب عبثية أطلق شرارتها الجيش بتحريض من فلول نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير.
ويقول مراقبون إن موقف القوى الأفريقية طبعا يبقى مهما في الصراع الدائر لكنه دون التأثير المأمول، لاسيما بعد قرار الجيش تعليق عضوية السودان من الهيئة الحكومية للتنمية إيغاد.
وقال رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية تقدم في تصريحات صحفية الأحد إن لا حل عسكرياً للأزمة في السودان، مشيراً إلى أن الحل يجب أن يقوم على التفاوض والتشاور بين السودانيين.
وكشف حمدوك عن وجود اتصالات مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، معرباً عن أمله في أن تتوج تلك الاتصالات بـ”لقاء قريب لدفع جهود حل الأزمة السودانية”.
وكانت تنسيقية تقدم أرسلت دعوة إلى البرهان لعقد لقاء أسوة باللقاء الذي جمعها بقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو والذي توج باتفاق أديس أبابا.