قيس سعيد يلوّح بإدارات الجيش بديلا عن البلديّات المتعثرة

تونس - أكد الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارته إلى المسبح البلدي في ساحة باستور بالعاصمة تونس على ضرورة الإسراع في إعادة تهيئة هذه المنشأة الرياضية في أقرب الآجال تحت إشراف الهندسة العسكرية، في خطوة تظهر انزعاج الرئيس سعيد من تعثر العمل البلدي وتعثر الإدارة، ما يدفعه إلى الاستنجاد بإدارات الجيش.
وقال الرئيس سعيد “المسبح البلدي بساحة باستور يعتبر أول مسبح في تونس وأحد أهم المعالم الرياضية وقد كان سابقا يحتضن العديد من المسابقات لذلك يتعين إعادة تهيئة جميع مكوناته بنفس شكله السابق دون أي تغيير”.
وأضاف “إنها الزيارة الثانية التي أقوم بها إلى هذا المسبح لكن البلدية لم تتحرك. نحن في سباق ضد الوقت، الأمر لا يستحق لجانا ودراسات وهندسة جديدة، يجب إعادة تهيئة ما هو موجود والانطلاق في التنفيذ والإنجاز في أقرب الأوقات تحت إشراف الهندسة العسكرية، وهناك من الوطنيين الذين سيتولون التكفل بتمويل أشغال إعادة تهيئة هذه المنشأة المغلقة منذ ما لا يقل عن 40 سنة”.
وتحرص تونس على تحييد الجيش عن الحياة المدنية، لكنه يمتلك خبرات كبيرة في العمل المدني، سواء في مرحلة حكم قيس سعيد أو قبل الثورة، حيث كانت الدولة توكل إليه مهام مختلفة مستفيدة من سرعة أداء المؤسسة العسكرية والتزامها بالمواعيد مثل التدخل أثناء الفيضانات أو تساقط الثلوج بكثافة أو نشوب حرائق الغابات أو بناء الجسور، فضلا عن لعب دور أمني فعال مثلما حصل بعد ثورة 2011، حيث حمت المؤسسة الأرواح والممتلكات وحالت دون اتساع دائرة الفوضى.
وخلال جائحة كورونا استعان الرئيس سعيد بالجيش لمواجهة تفشي الوباء وإيصال الأمصال إلى مختلف مناطق البلاد بالطائرات العسكرية وشاحنات الجيش مع تدخل مباشر من الطب العسكري، وهو ما مكّن من تقليل الخسائر البشرية وتجاوز حالة الإرباك التي سيطرت على عمل الحكومة.
ويقول محللون تونسيون إن قيس سعيد يدرك خطورة أن يتحدث ويَعد بإنشاء المشاريع ويعلّق الناس آمالهم على حديثه، ثم بعد ذلك لا يحدث شيء، لذلك يلجأ إلى المؤسسة العسكرية لتنفيذ ما يريده وبالسرعة القصوى، على عكس أداء الإدارة البلدية الذي يسيطر عليه عادة الروتين والبيروقراطية وتتدخل أطراف لعرقلة مشاريع القطاع العام حتى يبدو قطاعا عاجزا فتضطر الدولة إلى التنازل عن خططها لفائدة القطاع الخاص.
واعتبر المحلل السياسي التونسي خليفة الشيباني أن “الجيش جزء من الدولة، وهو جيش وطني تتوفر فيه شروط الانضباط والإنجاز ونظافة اليد”، لافتا إلى أنه “لا غرابة في أن تلجأ إليه الدولة لأداء مهام محددة، مثل إعادة تأهيل المسبح الذي يتطلب تدخل الجيش الذي يعتبر من أنجح المؤسسات”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “قيس سعيد يريد التأكيد على أنه يوجد في البلاد من هو قادر على العمل والإنجاز في الآجال المحددة وبتكاليف معقولة وبعيدا عن ممارسات الفساد والتجاوزات”، مضيفا أنها “رسالة موجهة أساسا إلى الإدارة ويفيد مضمونها بأنه يوجد من هو قادر على العمل بشكل أفضل”.
ويندرج التجاء قيس سعيد إلى المؤسسة العسكرية في إطار صلاحياته باعتبار أن الجيش ينضوي تحت سلطاته الدستورية. ويدخل انتقادُ استعانةِ الرئيس التونسي بالمؤسسة العسكرية لإنجاز مشاريع عمومية في سياق الحملات السياسية، لكن ما يهم الناس هو تحويل الوعود إلى مشاريع فعلية، وهناك رأي ثان مقتنع بفكرة وجود لوبيات تعرقل عمل الدولة سعيًا لخدمة أجندات خاصة.
وقال الباحث التونسي في العلوم السياسية محمد العربي العياري “لاحظنا في فترة كورونا كيف أن الجيش وزّع جرعات اللقاح والمساعدات على الفئات الاجتماعية، والآن يعتمد الرئيس سعيد على الجزء الثاني وهو إقحام الجيش في إنجاز المشاريع (العمومية) المعطلة”.
وأضاف لـ”العرب”، “ربما هناك تقاعس من الإدارة أو عامل الخوف لدى الموظفين، لأن الموظفين لا يستطيعون أن يتصرفوا بمفردهم وينجزوا المشاريع”، مشيرا إلى أن “الرئيس سعيد يكلف الجيش الآن ليتحصل على حليف اجتماعي وأمني من أجل دعمه في الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن الإدارة حليف غير ثابت ومتغير حسب المستجدات السياسية والاجتماعية”. واستطرد قائلا “قيس سعيد يريد أن يرتب أوراقه قبل الانتخابات والأهم بالنسبة إليه هو البحث عن حليف محايد سياسيا (الجيش) وليس الإدارة”.
وشكر الرئيس التونسي ممثل أحد البنوك الذي تعهد بتمويل إعادة تهيئة المسبح ومشاريع أخرى مماثلة على غرار دار الثقافة ابن خلدون ودار الثقافة ابن رشيق، مؤكدا “نحن نخوض الحرب في كل الميادين ومن غير الممكن أن نترك البلاد في حالة خراب في كل المجالات”.
وقال “المعالم عديدة بساحة باستور مثل المسبح ومكتب البريد والقباضة المالية. من غير المقبول تشويه كل شيء باسم التجديد. في كل مكان تم تخريب البلاد، والأمر لا يقتصر على العشرية الأخيرة فاللوبيات التي كانت موجودة مازالت قائمة إلى حد اليوم وتطمع في الاستيلاء أيضا على حديقة البلفيدير لأن موقعها ممتاز ومغر”.
كما أعرب عن استيائه من الإخلالات التي وقف عليها بساحة باستور قائلا “الحد الأدنى غير متوفر والمسألة ليست مرتبطة بالإمكانيات. النافورات لا تشتغل والمياه بها راكدة وهو ما تمت معاينته في زيارة سابقة”، واعتبر أن هذا الوضع نتاج “التهاون والبقاء في المكاتب وعدم الاهتمام ولو بالحد الأدنى للجمالية التي كانت موجودة”.