تراكم المنغّصات يُفقد النبيذ الفرنسي قدراته التنافسية

باريس- أفقدت كثرة المشاكل صناعة النبيذ في فرنسا مزاياها التسويقية في الخارج في ظل تراجع المبيعات في الأسواق الخارجية وتغير سلوك الاستهلاك داخليا، فضلا عن الطقس السيء واحتجاجات المزارعين.
وقالت مجموعة فيفس الصناعية إن صادرات النبيذ والمشروبات الروحية الفرنسية انخفضت العام الماضي من ذروة ما بعد كوفيد، إذ أثر التضخم على طلب المستهلكين وقام الموزعون في السوق الأميركية المربحة بتصفية المخزونات الحالية. ويعد النبيذ والمشروبات الروحية من أكبر مصادر التصدير في فرنسا، التي تعتبر ثاني أكبر دولة منتجة في العالم بعد إيطاليا.
وأصبح القطاع يعتمد بشكل متزايد على المبيعات الأجنبية، حيث ضرب انخفاض الاستهلاك المحلي بعض مناطق الإنتاج مثل بوردو، مما ساهم في احتجاجات المزارعين الأخيرة.
وقال اتحاد مصدري النبيذ والمشروبات الروحية الفرنسيين (فيفس) في تحديث سنوي إن إجمالي الصادرات المحلية وصل إلى 16.2 مليار يورو (17.5 مليار دولار) العام الماضي، بانخفاض قدره 6 في المئة عن المستوى القياسي المسجل في عام 2022.
ومع ذلك، تمثل مبيعات العام الماضي ثاني أعلى مبيعات على الإطلاق، فيما أسماه اتحاد فيفس بـ”الهبوط الناعم” بعد زيادة الطلب في أعقاب جائحة كوفيد.
وفي الولايات المتحدة، التي تعد إلى حد بعيد أكبر سوق لتصدير النبيذ والمشروبات الروحية الفرنسية، ساهم تقليص المخزون من قبل الموزعين في انخفاض الواردات من فرنسا بنسبة 22 في المئة إلى 3.6 مليار يورو.
وقال غابرييل بيكارد رئيس فيفس لرويترز إن “معظم الانخفاض في قيمة الصادرات في 2023 مقارنة بعام 2022 يأتي من السوق الأميركية”.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، أدى كل من ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الطاقة القياسية إلى رفع تكلفة مدخلات الإنتاج مثل الأسمدة والزجاجات ووقود النقل.
وإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع أسعار الفائدة، التي جعلت الاقتراض للاستثمار أكثر تكلفة، إلى القضاء على العديد من شركات صناعة النبيذ، التي كانت تعتمد على هوامش ربح ضئيلة بالفعل.
وفي الصين، أدى الاقتصاد المتعثر إلى إضعاف الآمال في زيادة الطلب الإجمالي بعد أن خففت البلاد القيود المرتبطة بالأزمة الصحية، مع انخفاض الواردات من فرنسا بأكثر من 6 في المئة إلى 1.2 مليار يورو.
لكن اتحاد فيفس يرى أن إعادة فتح أماكن مثل الحانات والمطاعم دعمت زيادة طفيفة في مبيعات المشروبات الروحية في الصين، ولا سيما الكونياك. وقال بيكارد عن الصين إن “التوقعات تجاوزت الواقع لكن الواقع كان مشابها لعام 2022”.
وأوضح أنه بالنسبة إلى عام 2024، واجه النبيذ والمشروبات الروحية حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي مثل القطاعات الأخرى، لكن انتهاء مرحلة تفريغ المخزون في السوق الأميركية كان مدعاة للتفاؤل.
وقال إن “إطلاق الصين الشهر الماضي تحقيقا لمكافحة الإغراق في البراندي التابع للاتحاد الأوروبي كان بمثابة مخاطرة”. وأوضح أن ذلك حدث بينما كانت الصناعة تضع في اعتبارها إمكانية عودة دونالد ترامب، الذي فرض في السابق ضرائب على النبيذ الأوروبي، كرئيس للولايات المتحدة.
وقال عن قضايا التجارة “نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى دعم سلطاتنا، التي يجب ألا تعتقد أن الأداء الجيد لصادرات النبيذ والمشروبات الروحية يعد إنجازا دائما”.
16.2
مليار يورو صادرات 2023 بانخفاض قدره 6 في المئة عن مستويات عام 2022
وفي داخل فرنسا ظل استهلاك النبيذ يتراجع طوال سنوات، حيث انخفض بنسبة 70 في المئة خلال 60 عاما، من أكثر من 120 لترا للفرد سنويا إلى أقل من 40 لترا في عام 2020، وفقا لما ذكرته رابطة فين سوسيتيه لصناعة النبيذ.
ويُرجع خبراء هذه الصناعة تراجع شعبية النبيذ إلى حدوث تغيرات في أنماط الحياة، فمثلا لم يعد هناك اهتمام بتناول الوجبات التي تصاحبها تقليديا كأس أو اثنتان من النبيذ، ولم تعد عائلات كثيرة تمرر إلى أبنائها ثقافة تناول النبيذ.
وتوقعت المنظمة الدولية للكرمة والنبيذ (أو.آي.في) تراجع الإنتاج العالمي للنبيذ من إلى أدنى مستوى له في 2023 منذ عام 1961.
وأرجعت السبب في ذلك إلى تضرر المحاصيل في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، وبعض المنتجين الأوروبيين الرئيسيين جراء التغييرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات غير العادية.
ورجحت أو.آي.في في تقرير نشرته أواخر العام الماضي أن يعزز هذا الانخفاض عوامل أخرى مثل انخفاضات في الإنتاج بنسبة 12 في المئة في إيطاليا و14 في المئة في إسبانيا، ثالث أكبر منتجي النبيذ في العالم.
وسبق أن قال رئيس قسم الإحصاء في المنظمة جيوغيو ديلجروسو في تصريحات لشبكة سي.أن.أن التلفزيونية الأميركية إن “تغير المناخ له تأثير كبير على إنتاج النبيذ”.
وأوضح أن ظروف الطقس القاسية في الماضي كانت تضرب المحاصيل كل بضع سنوات، أما الآن فالظواهر المناخية القاسية تحدث كل عام تقريبا.
وعاني منتجو النبيذ الرئيسيون الآخرون، بما في ذلك أستراليا وجنوب أفريقيا وتشيلي، من انخفاضات تتراوح بين 10 في المئة و24 في المئة من الإنتاج العام الماضي.