استعجال أميركي لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية يتسبب في حرج للمملكة

الخلاف السعودي - الأميركي يقتصر على التوقيت ولا يطال المبدأ.
الخميس 2024/02/08
أولى الخطوات أنجزت

المملكة العربية السعودية التي لم تعد رافضة للتطبيع مع إسرائيل من حيث المبدأ لا تريد المضي في خطواته وفقا للإيقاع السريع الذي تريده إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وتفضّل التريّث لتجنّب أي انعكاسات سلبية محتملة له على مكانتها في العالمين العربي والإسلامي، ولتحقيق ما ترجوه منه من أهداف.

الرياض- يتدرّج موضوع تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل نحو التحول من نقطة وفاق بين المملكة وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى سبب آخر للخلاف بين الرياض وواشنطن اللتين لم تتمكّنا رغم استمرار التواصل بينهما من تجاوز أزمة الثقة المترتّبة عن التغير الذي أحدثته إدارتا باراك أوباما وبايدن الديمقراطيتان على سياسة الولايات المتحدة في منطقة الخليج والشرق الأوسط.

وينحصر الخلاف إلى حدّ الآن حول توقيت التطبيع الذي تريد الإدارة الأميركية استعجاله إلى أقصى حدّ ممكن مدفوعة برغبتها في تحقيق إنجاز دبلوماسي كبير ليحسب في رصيد بايدن ويساعده على منافسة الجمهوريين في الانتخابات القادمة.

ولا تبدو القيادة السعودية رافضة للتطبيع من حيث المبدأ لكنّها تطرح شروطا واضحة له تبيّن أنّها غير راغبة في المضي في مساره في الوقت الحالي المشحون بالمشاعر الشعبية المضادّة لإسرائيل جراء الحرب في قطاع غزّة.

جون كيربي: المناقشات بشأن التطبيع تسير على ما يرام
جون كيربي: المناقشات بشأن التطبيع تسير على ما يرام

وتجلّت العجلة الأميركية في إنجاز التطبيع بين السعودية وإسرائيل في تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن وجود مؤشرات إيجابية عليه وحدوث تقدّم باتّجاهه، الأمر الذي سبّب حرجا للمملكة وجعلها تنتقل من الصمت على تلك التصريحات إلى نقدها وتكذيبها.

وانتقدت الرياض الأربعاء تصريحات لمسؤول في البيت الأبيض أشار فيها إلى مناقشات وصفها بالإيجابية تتعلّق بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل على الرّغم من الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.

وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إنّ “المملكة أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأميركية بأنّه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتمّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب كافة أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع”.

وأضاف البيان أنّه “في ما يتعلّق بالمناقشات الجارية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بخصوص مسار السلام العربي – الإسرائيلي وفي ضوء ما ورد على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بهذا الشأن، فإن وزارة الخارجية تؤكّد أنّ موقف المملكة كان ولا يزال ثابتا تجاه القضية الفلسطينية وضرورة حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة”.

ولفتت الوزارة في بيانها إلى أنّ “المملكة تؤكّد دعوتها للمجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص، الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التي لم تعترف حتى الآن بالدولة الفلسطينية بأهمية الإسراع في الاعتراف بها على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ليتمكن الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة وليتحقّق السلام الشامل والعادل للجميع”

وجاء الموقف السعودي ردّا على تصريح أدلى به المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء.

وردّا على سؤال عن فرص تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل في ظلّ الحرب المستعرة بين الدولة العبرية وحركة حماس، قال كيربي “كنا قبل السابع من أكتوبر، وما زلنا، نجري مناقشات مع شريكتينا في المنطقة إسرائيل والمملكة العربية السعودية في محاولة للمضي قدما في اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما وهذه المناقشات تسير على ما يرام. لقد تلقّينا ردود فعل إيجابية من الجانبين”.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال الثلاثاء إنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أكّد له أنّ الرياض مهتمّة بإقامة علاقات مع إسرائيل لكنّها تريد وضع حدّ للحرب في غزة ورسم مسار يقود إلى ولادة دولة فلسطينية.

أنتوني بلينكن: الرياض مهتمّة بإقامة علاقات مع إسرائيل لكنّها تريد وضع حدّ للحرب في غزة
أنتوني بلينكن: الرياض مهتمّة بإقامة علاقات مع إسرائيل لكنّها تريد وضع حدّ للحرب في غزة 

وأضاف بلينكن متحدّثا للصحافيين في العاصمة القطرية الدوحة غداة اجتماعه مع الأمير محمد بن سلمان في الرياض أنّه “في ما يتعلّق تحديدا بالتطبيع، كرّر ولي العهد اهتمام السعودية البالغ في السعي نحو تحقيق ذلك لكنّه أوضح أيضا ما قاله لي من قبل، وهو أنه من أجل القيام بذلك، لا بد من أمرين: إنهاء النزاع في غزة ومسار واضح وموثوق به ومحدد زمنيا لإقامة دولة فلسطينية”.

وبذلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جهودا حثيثة لإقناع السعودية بتطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية. وتضع المملكة شروطا عدّة للتطبيع، من بينها حصولها على ضمانات أمنية من واشنطن.

ويشغل موضوع الأمن صدارة مشاغل القيادة السعودية بفعل بروز مخاطر وتهديدات جديدة، لا تتمثّل فقط في تطور ترسانة الغريمة إيران من الطائرات المسيّرة والصواريخ العابرة، لكنّها تتجاوز ذلك إلى سقوط تلك الأسلحة الفعالة وقليلة التكلفة في أيدي ميليشيات غير منضبطة في كل من العراق واليمن.

وما يضاعف قلق السعودية أن بروز تلك المخاطر جاء بالتوازي مع تراجع أميركي واضح في الالتزام بأمن بلدان المنطقة، وهو التوجّه الذي تريد الرياض وقفه باستخدام ورقة التطبيع التي لا تخلو من قيمة بالنسبة إلى إدارة جو بايدن الساعية إلى تحقيق خرق دبلوماسي يحسب في رصيدها.

وخلال فترة ما قبل السابع من أكتوبر بدا للحظة أنّ تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل بمثابة تحصيل حاصل ومسألة وقت.

وسمحت المملكة آنذاك لإسرائيليين بدخول أراضيها للمشاركة في مناسبتين إحداهما رياضية والثانية ثقافية، في خطوة اعتبرها مراقبون مرتبطة بجس نبض المواطن السعودي وتعويده تدريجيا على وجود الإسرائيليين من مسؤولين وغيرهم داخل المملكة.

الخلاف ينحصر حول توقيت التطبيع الذي تريد الإدارة الأميركية استعجاله  ليحسب في رصيد بايدن ويساعده على المنافسة في الانتخابات

وفي إطار ذلك استقبلت الرياض في شهر يوليو الماضي أعضاء فريق إسرائيلي للمشاركة في مهرجان “غيمرز 8” للألعاب الإلكترونية.

وفي شهر سبتمبر الماضي حضر وفد رسمي إسرائيلي اجتماعا في الرياض لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بناء على دعوة وجّهتها له المنظمة.

لكنّ هذا الزخم تلاشى إثر شنّ حركة حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل في أكتوبر الماضي ما أشعل فتيل الحرب الراهنة بين الدولة العبرية والحركة الفلسطينية، وخلق رأيا عاما سعوديا وعربيا – إسلاميا كارها بشدّة لإسرائيل، ولم يعد بإمكان السعودية ذات المكانة الدينية الاستثنائية في محيطها تجاهله والقفز عليه.

3