أزمة الحكومة مع الإعلام المصري في تحديد من أين تبدأ التطوير

الرؤية الإعلامية لن تتحقق قبل تأهيل كوادر قادرة على تطبيقها.
الخميس 2024/02/08
التأثير على الجمهور مطلب الحكومة الدائم

لا يزال الوسط الإعلامي المصري يطرح نفس المشكلة منذ سنوات بشأن التطوير والقدرة على التأثير على الشارع دون التوصل إلى نتيجة رغم وضع الخطط، وبقيت الملفات الأساسية عالقة على جميع المستويات.

القاهرة - أعلن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كرم جبر مؤخرا، الانتهاء من إعداد السياسة الإعلامية الجديدة وسيتم رفع تقرير بهذا الشأن للرئيس عبدالفتاح السيسي، ومجلس النواب، لتكون رؤية ترسم ملامح الخطة الإعلامية خلال المرحلة المقبلة التي لاتزال ملامحها غير واضحة.

ومنذ حوالي أربع سنوات، اجتمع الرئيس السيسي مع وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل آنذاك، ليطلع على السياسة الإعلامية للدولة، ثم وجه الرئيس بسرعة تطبيق ما سمي بـ”ثقافة الإعلام المحترف”، والاعتماد على الكفاءات الشبابية ليكون الإعلام المصري مؤثرا ومقنعا وقادرا على إعادة تشكيل وعي الجمهور.

ما يلفت الانتباه أن السياسة الإعلامية التي أقرتها الحكومة قبل أربع سنوات لم ينفذ منها سوى القليل وبقيت الملفات الأساسية عالقة على جميع المستويات، ما يعني أن الإعلام المصري ليس بحاجة إلى خطط جديدة، بقدر ما ينشد الاعتماد على الكفاءات والخبرات التي تزخر بها المهنة، وهي إشكالية حقيقية تسببت في تعطيل تطبيق السياسة الإعلامية التي أقرتها الحكومة وحدد ملامحها الرئيس السيسي، ولم تنفذ بعد.

ويترقب إعلاميو مصر تغييرات على مستوى الوجوه، وفق تصريحات البرلماني والمذيع المقرب من الحكومة مصطفى بكري، الذي أكد أن التغييرات ستطال 90 في المئة من رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف الحكومية، لكن لا أحد بالضبط يعرف آلية الاختيار ولا هوية القائمين على تحديد الأشخاص وخبراتهم.

السياسة الإعلامية التي أقرتها الحكومة قبل أربع سنوات لم ينفذ منها سوى القليل وبقيت الملفات الأساسية عالقة على جميع المستويات

وتنتهي ولاية رؤساء مجلس إدارات وتحرير الصحف القومية في مارس المقبل بعد التجديد لهم لثلاثة أشهر يناير الماضي، وسط توقعات بشمول التغييرات مقدمي البرامج التلفزيونية لتكون لدى الدولة وجوه تتواءم مع تطلعات الولاية الثالثة للرئيس السيسي وسوف تبدأ في أبريل، وسط جملة من التحديات الداخلية والإقليمية.

يعاني الإعلام في مصر من أزمة انتقاء العناصر التي يمكنها صناعة التفوق، ونقل المهنة إلى مستوى جيد بإمكانيات قليلة، ومن المهم توافر إرادة حكومية وتسليم الملف لمتخصصين وليس لأشخاص يتدخلون في رسم السياسة التحريرية واختيار وجوه إعلامية، بعضها يفتقد الحد الأدنى من الفهم لأبسط القواعد المهنية ما يزيد الأخطاء.

ولا يزال الرئيس السيسي غير راض عن أداء الإعلام، وله تحفظات على الخطاب الموجه للجمهور، والذي يبدو سطحيا ومحليا ولا يتمتع بمهنية أو تأثير، بل لا يخاطب كل الفئات ويروج لوجهة نظر أحادية أحيانا، وهي أزمة علّق عليها كثيرون وطالبوا الإعلام بزيادة جرعة الانفتاح على كل الآراء.

في المقابل، لا تزال الكثير من المنابر الإعلامية مقتنعة بأن الحكومة تؤيد شيطنة من يحاولون التغريد خارج السرب، مع أنها تتحدث عن إعلام متوازن لا يستعبد أحدا مخلصا، وهي رسائل لم تتلقفها جيدا الهيئات المسؤولة عن إدارة المنظومة، والتي تحصر الأزمة في عدم وجود سياسة إعلامية موحدة.

أكد عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا سامي عبدالعزيز لـ”العرب” أن الإعلام المصري يحتاج إلى سياسة واضحة الملامح تطبق بحذافيرها، لكن يجب الاقتناع بأن تفعيل الرؤية الإعلامية لن يتحقق قبل انتقاء كوادر قادرة على تطبيقها، خاصة أن مصر تمتلك أدوات النجاح والتأثير، إذا أحسن اختيار العناصر الجيدة.

تغييرات ستطال 90 في المئة من رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف الحكومية دون تحديد آلية الاختيار

ويرى خبراء أن الحكومة مهما وضعت من خطط وإستراتيجيات لن تستفيد منها، طالما ظل اختيار الوجوه الإعلامية قاصرا على الاستعانة بأهل الثقة واستبعاد الكفاءات، وما لم تتوافر إرادة سياسية تظل الفجوة بين واقع المهنة وطموحات السلطة.

ويعتقد هؤلاء الخبراء أن أكبر أزمة تعيشها الجهات الموكلة إليها إدارة ملف الإعلام أنها تختزل دور المنابر في دعم السلطة عبر الترويج للإيجابيات فقط، مع أن التوازن والمهنية والموضوعية حائط صد منيع للدفاع عن الدولة وتقديم رسالة تحقق الغرض بالنقد البناء والخروج بنتيجة تصب في صالح الدولة مباشرة.

لا يُسمح في الكثير من وسائل الإعلام برفع سقف الحريات، إلا بعد تدخل من دوائر رسمية سئمت من كثافة المديح وبحاجة إلى تنفيس، وهو ما التقطه بعض الإعلاميين مؤخرا ووجهوا انتقادات غير مألوفة لأداء الحكومة.

ودرج المسؤولون عن المؤسسات الصحفية على الامتناع عن توجيه انتقادات لأي تصرفات ولو كانت خاطئة والغرض منها التصحيح خشية التعرض إلى اللوم أو الوقوع في خطأ أكبر بسبب ملامسة خطوط حمراء، وهي مشكلة تتعلق بعقلية أهل الثقة الذين يعتقدون أن حجب الانتقادات يضمن لهم رضاء السلطة.

وهؤلاء مهما وُضعت لهم خطط وسياسات إعلامية تعتمد على حرية الرأي والتعبير ونقل نبض الجمهور وتناول القضايا المختلفة لعودة تأثير الوسيلة الإعلامية فإنهم لن يتغيروا أو يجددوا لخوفهم المطلق من الوقوع في المحظور.

الرئيس السيسي لا يزال غير راض عن أداء الإعلام، وله تحفظات على الخطاب الموجه للجمهور

يغيب عن الكثير من المعروف عنهم بأنهم “كبار المهنة في مصر” أن الرئيس السيسي طالب الإعلام بمناقشة المشكلات بشكل معمق وتحليلي ومفصل من خلال وجهات نظر مختلفة وعدم الترويج لرؤية واحدة طوال الوقت، لكن تظل هناك مشكلة تتعلق بجهات تنتقي وجوها ممن تضمن ولاءهم.

نجح الكثير من الصحافيين المصريين في إثبات جدارتهم بعيدا عن إعلام بلدهم المحلي، في ظل الإقصاء والتهميش، حيث يعمل الكثير منهم في مكاتب صحف عربية وأجنبية بالقاهرة، وآخرون تأسست على أكتافهم قنوات إقليمية ودولية دون أن تستفيد منهم المنظومة الإعلامية في مصر، أو تفكر في الاستعانة بهم لإعادة الاعتبار للمهنة.

تحتضن المؤسسات الإعلامية كوادر شبابية قادرة على إحداث تغيير، لكنها مكبلة الأيدي بحجة أن البلاد تواجه تحديات تفرض رسم المزيد من الخطوط الحمراء، بلا إدراك للدور الذي يجب أن يتحمله الإعلام قبل أي جهة أخرى، والذي بات يغوص في قضايا حيوية بصورة سطحية حتى فقدت الحكومة أهم وسيط لها مع الشارع.

أوضح سامي عبدالعزيز لـ”العرب” أن المنظومة الإعلامية قادرة على التعافي، والعبرة في حُسن توظيف الإمكانيات والأدوات معا، والمشكلة ليست في تبعية مؤسسات لجهات حكومية أم لا، لأن هذه ميزة يمكن الاستفادة منها إذا جرى التحلي بالمصداقية والإدارة بشكل محترف، وقتها لن تحتاج الحكومة إلى من يدافع عنها بانتظام.

جزء من أزمة الحكومة مع الإعلام أنها لم تحدد من أين تبدأ التطوير، هل بوضع سياسة إعلامية ملزمة للجميع تتفق مع خطط الدولة، أم استعادة المصداقية التي تأخذ وقتا طويلا لترميمها، أم تغيير الوجوه التي تتصدر المشهد والاعتماد على أخرى ليست لها سوابق سلبية مع الشارع، أم فتح الباب على مصراعيه أمام الحريات؟

ويشير الواقع المصري إلى صعوبة تحقيق تقدم ملموس في الإعلام قبل إسناد الملف إلى متخصصين وليس لجهات حكومية لا تعلم أهمية سلاح الإعلام وعصرنته، مع تصعيد كوادر لديها خبرة في التوازن بين الممنوح والمباح، والاقتناع بأن امتلاك إعلام مؤثر ليس معضلة، لكن من المهم أن تتوافر الإرادة وتصعيد الكفاءات.

5