الجزائر ترد على الأتراك والروس في مالي بالدعوة إلى سحب المرتزقة من ليبيا

انزعاج النظام الجزائري من دعم روسيا وتركيا للمجلس العسكري في مالي على حساب الدور التقليدي للجزائر.
الأربعاء 2024/02/07
تخبط جزائري

الجزائر- فتحت الجزائر أبواب الخلاف مع قوى إقليمية ودولية بسبب موقفها الرافض لما أسماه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بـ”المرتزقة”، الذين دعا إلى سحبهم من ليبيا، والسماح للشعب الليبي بالذهاب إلى انتخابات تفرز مؤسسات شرعية، لكن اللافت أن روسيا وتركيا اللتين تربطهما بالجزائر علاقات إستراتيجية على رأس المعنيين برسالة تبون، مما يمهد لظهور خلافات ستلقي بظلالها على العلاقات الثنائية.

وفي أول اختبار جدي وجدت الجزائر نفسها بلا أصدقاء في محيطها الإقليمي، بما في ذلك الروس والأتراك الذين استفادوا من علاقاتهم معها لتثبيت نفوذهم في مالي وليبيا، وباتت في عزلة أكبر بعد استعداء المغرب وإسبانيا والبرود مع فرنسا والتخلي عن تونس في أزمتها.

ودعا الرئيس الجزائري إلى ضرورة إنهاء كافة أشكال التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا، وإلى ضرورة سحب المرتزقة مهما تغيرت مسمّياتهم، وهي دعوة قديمة، لكن تزامنها في الظرف الراهن مع تطورات لافتة في المنطقة يضع الجزائر أمام حسابات إقليمية ودولية ستلقي بظلالها على علاقاتها الثنائية وعلى المنطقة عموما.

وتقع مجموعة فاغنر الروسية ومرتزقة آخرون تابعون لقوى إقليمية على غرار تركيا، في صلب رسالة تبون، مما يزعج القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد الليبي، ويدفع علاقات الجزائر مع موسكو وأنقرة إلى المراجعة، خاصة مع دور الطرفين الجلي في الأزمة القائمة بين الجزائر والقيادة العسكرية الحاكمة في مالي.

ومنذ ظهور الدّعم الروسي والتركي للمجلس العسكري الحاكم في مالي، على حساب الدور التقليدي للجزائر، بات الانزعاج الجزائري واضحا من خلال رد مبطن عليهما بتعزيز حركية التعاون والتشاور مع الولايات المتحدة وأوروبا، والشروع في تحضير زيارة تبون إلى فرنسا، وهي الأطراف التي أبانت عن موقف يقترب من المقاربة الجزائرية، خاصة في ما يتعلق بضرورة احترام اتفاق السلم والمصالحة، والعودة إلى المسار الدستوري ورفض الاستقواء بالقوى الخارجية.

وتريد الجزائر الرد على روسيا وتركيا اللتين تريدان سحب البساط منها في مالي والساحل الأفريقي، عبر إبراز موقف يتعارض مع مصالحهما في ليبيا بالدعوة إلى سحب المرتزقة من البلاد، نظرا لما يشكلونه من تهديد لأمن واستقرار ليبيا والمنطقة عموما، لاسيما وأن البلدين يشتركان في حدود برية تقدر بنحو ألف كيلومتر.

وحصل انقلاب واضح في المصالح الإستراتيجية نفذته موسكو وأنقرة على الدور الجزائري في الساحل بسبب دعمهما للنخب العسكرية الحاكمة خاصة في مالي، وتحولهما إلى قوى إسناد ودعم للحكام الجدد في باماكو، مما أكسبهم الجرأة على التمرد على الدور الجزائري التقليدي، ووضع المنطقة على فوهة بركان.

وأكد الرئيس الجزائري، في الكلمة التي ألقاها بالنيابة عنه رئيس الوزراء نذير العرباوي، في قمة برازافيل التي احتضنت أشغال اجتماع لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا، على أن “استخدام القوة في ليبيا لن يؤدي إلا إلى استمرار الأزمة (…) وتدهور الأوضاع في المنطقة، التي تتحمل أكثر من غيرها وطأة التأثير السلبي لعدم الاستقرار والانقسام السياسي، الذي يحتدم في هذا البلد والذي أصبح ملجأ للميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية لتهريب الأسلحة والمخدرات، ومعبرا للهجرة غير الشرعية”.

وجدد تبون الدعوة لكل الأطراف الخارجية المعنية بالشأن الليبي من أجل “الالتفاف حول هذا المسار البناء والالتزام باحترام سيادة ليبيا ووحدة أراضيها واستقلالية قرارها، ذلك أن أيّ حل نهائي للأزمة الليبية لن يتأتى إلا عبر مسار يكرس مبدأ السيادة الوطنية ويتولى فيه الأشقاء الليبيون زمام أمورهم”.

وكانت الجزائر من الأطراف الإقليمية التي حاولت خلال السنوات الماضية المساهمة في حل الأزمة الليبية من خلال مبادرات وصفت بـ”المحتشمة”، قياسا بالدور الذي لعبته أطراف أخرى، لكن وقوفها بشكل علني إلى جانب حكومة عبدالحميد الدبيبة بدعوى احترام الشرعية الدولية، جعل المسافة بينها وبين أطراف أخرى تتوسع وتفقد معه صفة الوسيط المحايد، كما هو الشأن بالنسبة إلى قائد الجيش الليبي خليفة حفتر.

وقام وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، قبل أيام، بزيارة إلى طرابلس التقى خلالها بالمكلف بتسيير الشؤون الخارجية طاهر الباعور، وقدم رسالة خطية من الرئيس الجزائري لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.

وقال بيان للخارجية الجزائرية إن “الزيارة تندرج في إطار تجسيد حرص رئيس الجمهورية على تعزيز أواصر الأخوة والتضامن والتعاون بين الجزائر وليبيا، وكذلك الحفاظ على تقاليد التشاور والتنسيق وتكثيفها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين واستقرار المنطقة وجوارها الإقليمي”.

1