صناعة الدفاع مطمح تحاول السعودية ترسيخه رغم التحديات

تصطدم محاولات السعودية لترسيخ الصناعات الدفاعية الناشئة بالبلاد بتحديات في طريق إثبات أن القطاع سيكون تنافسيا، وأن بإمكانه الوصول إلى الأسواق الدولية، وبالتالي تحقيق مكاسب ضمن الإستراتيجية الحالية لتنويع الاقتصاد، التي تنتهي في 2030.
الرياض - يشكل الترويج لإنتاج الأسلحة محلية الصنع وجذب استثمارات أجنبية مباشر وإغراء الشركات الكبرى بفتح مقرات لها في السعودية إحدى سمات السعودية الساعية إلى إثبات أن لديها القدرة على المنافسة في سوق صناعة الدفاع عالميا.
ويعمل أكبر اقتصاد عربي على إظهار نفسه من خلال المعارض، التي بدأ في تنظميها، أنه يستطيع تقديم منتجات عسكرية تنافسية وبإمكانه الفوز بصفقات أكبر لزيادة الصادرات مستقبلا لتعزيز إسهاماته في عوائد البلد.
وستحمل فعاليات النسخة الثانية من معرض الدفاع العالمي المقامة بالرياض بمشاركة أكثر من 750 جهة عارضة من أكثر من 65 دولة، الكثير من المفاجآت بكل تأكيد، لكن هذا الحدث يشكل فرصة لاستكشاف سبل تذليل العقبات أمام تطوير هذه الصناعة.
ويمثل المشاركون في هذه الدورة زيادة عن عام 2022 الذي شهد مشاركة حوالي 600 عارض وأدى إلى إجمالي الطلبات والاتفاقيات بحوالي 8 مليارات دولار.
ويقام المعرض هذا العام تحت عنوان “مجهزون للغد” بعد ظهوره لأول مرة في 2022، ويضم أحدث ابتكارات القطاع في محاكاة للإمارات، التي دأبت على تنظيم مثل هذه الأحداث مثل معرضي الأنظمة غير المأهولة (يومكس)، والمحاكاة والتدريب (سيمتكس).
وبحسب ما ورد من الجهات المنظمة، فقد بيعت مساحة العارضين قبل خمسة أشهر من بدء الحدث، رغم زيادة المساحة بنسبة 25 في المئة.
وحدد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف أربعة تحديات أساسية تواجه قطاع الصناعة في البلاد بشكل عام والصناعات العسكرية بشكل خاص.
وأشار في مقابلة مع بلومبرغ الشرق على هامش معرض الدفاع العالمي الذي انطلق الأحد في الرياض إلى أن وجود القاعدة الصناعية من أبرز التحديات التي تواجه القطاع.
وتتبع السعودية إستراتيجية تحول تشهد زيادة سريعة في التصنيع المحلي وعددا متزايدا من الشراكات مع شركات الدفاع العالمية.
وإلى جانب تخفيض الاعتماد على مصادر السلاح الأجنبية، يمكن أيضا أن تلعب صناعة دفاع محلية ناضجة دورا رئيسيا في تنويع الاقتصاد السعودي الذي تعمل فيه الرياض على خفض اعتمادها المفرط على صادرات الطاقة.
ويرى الخبراء أنه إذا ما تم بناء قطاع الدفاع السعودي بصورة ناجحة، يمكنه أن يوفر وظائف لعدد كبير من المواطنين، كما يمكنه أن يساعد في مواجهة المخاوف المتعلقة بالبطالة المتزايدة.
وتشير التقديرات إلى أن اتفاقيات توطين صناعة الأسلحة ستوفر 50 في المئة من مشتريات السعودية من الأسلحة بحلول نهاية العقد الحالي.
ويقول البعض إن التطلعات السعودية الخاصة بالصناعة الحربية طموحة، فالرياض ترغب عبر رؤية 2030 في تقديم إنتاج محلي لما لا يقل عن نصف المعدات التي ستحتاجها للاستخدام الأمني والعسكري في ذلك الوقت.
وللمُضي قدما نحو تحقيق هذا الهدف، فإن المسؤولين يصرون خلال التفاوض على عقود الأسلحة الكبرى بصفة متزايدة على أن يكون تصنيع المكونات والتجميع النهائي داخل البلاد.
وأجرت الرياض إصلاحات على بعض أجزاء من الهيكل الحكومي للإشراف على نمو صناعتها الدفاعية. ومن ذلك، تم إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية في عام 2017 لتنسيق شراء وأبحاث وتطوير الأسلحة مع التأكيد على المصادر المحلية.
وفي نفس العام، تم تأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي)، وهي شركة دفاعية تملكها الدولة وتُركز على أنظمة الأسلحة البرية والجوية، والإلكترونيات الدفاعية والصواريخ، وجميع المجالات التي تحتاجها السعودية بصورة كبيرة.
ويعد الهدف الأكبر لشركة سامي توفير أكثر من أربعين ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة في البلاد بحلول 2030.
واعتبر الخريف أن المنتج البارز في تحالف أوبك+ يسارع في بناء الكثير من الصناعات خاصة الصناعات الأساسية، في سبيل تذليل العقبات أمام الشركات الراغبة في الاستثمار في هذا المجال، ودعم القطاع.
ويبدو نقل التكنولوجيا المتقدمة من التحديات الأخرى، التي حددها الخريف، الذي أكد أن الحكومة ليس لديها طموح في بناء صناعة مبنية على التجميع، بل أن تكون لاعبا رئيسيا في صناعة التقنية.
وأوضح أن السعودية تعمل مع الشركاء والشركات على “بناء الثقة وإيجاد الممكنات والمزايا التي تجعل الشركات تؤمن بالمملكة كمحطة أو كموقع للتصنيع، وبناء القدرات المستقبلية للبحث والتطوير والابتكار”.
في يوليو 2022، اعتمد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إستراتيجية البحث والتطوير والابتكار في السعودية.
ومن المتوقع أن يصل الإنفاق السنوي على القطاع إلى 2.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بعد أقل من عقدين من الآن ليُسهم في تنمية وتنويع الاقتصاد من خلال إضافة 60 مليار ريال (16 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2040.
ويرى الخريف أن اختيار الشركات لبلاده كموقع للتصنيع يتماشى مع منظومة البحث والتطوير والابتكار، “فالصناعات العسكرية والتقنيات المرتبطة بها فيها تكون من ضمن الأولويات، خاصة أن الكثير من التقنيات بين الصناعات العسكرية والمدنية مشتركة”.
وشدد على أن بناء التشريعات والحوافز التي تقدمها الحكومة للقطاع الصناعي، سيعالج الكثير من هذه التحديات. واعتبر وزير الصناعة أن القدرات البشرية في القطاع متوفرة في السوق المحلية، منبها إلى وجود حاجة إلى كفاءات معينة.
وأشار إلى أن السعودية تسعى لجذب هذه الكفاءات من خلال إعطائها محفزات للاستثمار، والسماح لها بالاستفادة من الكثير من البرامج المدعومة، على غرار حاضنات الأعمال، وبرامج دعم القطاع الصناعي العسكري.
وفي يناير الماضي، أطلقت السعودية 5 فئات جديدة من تأشيرة الإقامة للأجانب الراغبين في القدوم إلى البلاد والمقيمين الحاليين، في خطوة تستهدف جذب المزيد من المستثمرين وأصحاب الكفاءة والموهبة من حول العالم.
وتستهدف الرياض من هذه الخطوة رفع جودة الكوادر السعودية، وجذب الاستثمارات في إطار تطوير القطاعات ذات الأولوية.
وبالإضافة إلى ذلك، توفير منصة للابتكار لرواد الأعمال لتطوير القطاعات الناشئة، وزيادة ودعم الاستهلاك المحلي في قطاعات تشمل السياحة والترفيه والرياضة وغيرها.