مسرحية مغربية تقدم رحلة مؤثرة في ظلال التراث والصراع النفسي

المسرحية توظف السرد والفلكلور الشعبي الكناوي والألوان بمختلف معانيها في سياقها الكناوي لجعل كل لحظة تنبض بالحياة والمعنى.
الاثنين 2024/02/05
مسرح وثائقي مغربي

هشام لطفي

الرباط- لأول مرة في المغرب يتحلى أبوالفنون بأسلوب فني جديد يرمي إلى تدشين انطلاق المسرح  الوثائقي بالمغرب، حيث تألق مسرح باحنيني بالرباط مؤخرا، بالعرض الأول لمسرحية “L’intermondes au-delà des Gnaouas” فكرة وإخراج بثينة مجاهد، وهي مستوحاة من قصة حقيقية لامرأة عانت كثيرا من موروث شعبي ثقيل ورثته عن أمها، والتي كانت بدورها متأثرة ومتوغلة في عمق طقوس كناوية.

يروي العرض قصة سعيدة، بطلة المسرحية، كيف تأثرت حياتها الاجتماعية وحالتها النفسية بهذا التراث، وكيف أنها لا تزال بين أظهرنا ليومنا هذا صامدة ترتجي الفرج.

المسرحية تسلط الضوء على فن ڭناوة باعتباره تراثا فنيا لاماديا، وتوظف الطابع الوثائقي بأسلوب فني استعراضي، يمزج بين السرد والموسيقى والتشخيص المسرحي، حاولت من خلاله المخرجة الشابة الصاعدة بثينة المجاهد أخذ الجمهور في رحلة مليئة بالمشاعر المسترسلة في تناغم مع أحداث القصة، ومحاولة سحب الجمهور إلى عالم يجمع بين الفولكلور والواقع، وتقديم رؤية عميقة للتحديات الاجتماعية والنفسية.

◙ المسرحية مستوحاة من قصة حقيقية لامرأة عانت كثيرا من موروث شعبي ثقيل ورثته عن أمها، والتي كانت بدورها متأثرة ومتوغلة في عمق طقوس كناوية

وقد تم توظيف السرد والفلكلور الشعبي الكناوي، والألوان بمختلف معانيها في سياقها الكناوي، لجعل كل لحظة تنبض بالحياة والمعنى، مع تطعيم المسرحية بتفريعات درامية وكوميدية لعبت بها على أوتار مشاعر ومخيلة الجمهور، بإيقاع ديناميكي يشد انتباه المتفرج إلى تفاصيل كل لحظة، ويعكس التناقضات الثقافية والنفسية التي يمكن أن يواجهها الفرد في مجتمع يحمل مثل هذا النوع من التراث.

وفي تصريح لبثينة مجاهد متحدثة عن بطلة المسرحية تقول “سعيدة امرأة شجاعة رفضت أن تكون مجرد تكرار لحياة أمها، وهذا كلفها الكثير. لقد وجدت نفسها مخيرة بين نارين، في وسوسة داخلية ملحة لا تتوقف، تجبرها على الاختيار بين أن تتبع خطى أمها وتخوض غمار تلك الطقوس، أو أن تختار الموت. فاختارت مقاومة كل تلك الوساوس لفترة طويلة من حياتها، لكنها كانت تنهار بين الفينة والأخرى، وتستسلم لخيار الموت بدل الخضوع للخيار الآخر”.

وتضيف “هنا يعيش المتفرج مع البطلة تلك المحاولات لوضع حد لحياتها بطرق مختلفة تعكس واقعا صعبا، وتحرك عقل المشاهد إلى التفكير في حل لهذا الحال، وعواطفه أيضا نحو حالة سعيدة بعد أن فشلت كل الحلول في إخراجها من محنتها، بما في ذلك العلاج النفسي والمكوث في مستشفى الأمراض العقلية”.

بوكس

وفي مشهد سريالي مبدع، نرى سعيدة وهي هائمة في الطريق تجد روحها قد قادتها إلى “زاوية” للحضرة الكناوية، وتنغمس وسط الحلقة وتبدأ بـ“الجدبة” بكل كيانها، إلى أن تسمع “ترجاي مولاك” في كلمة لمعلم كناوية.

وتتابع مخرجة العمل “قمت بتضمين أحداث مليئة بمعاني خفية تستدعي ملكة التأويل لدى المتلقي للوصول إلى ما وراء المشهد، مما قد يخرج معه كل متفرج بقراءة مختلفة عن الآخر. خاصة بعد لقاء سعيدة بالمعلم الكناوي بالزاوية، وتساؤلات حول لماذا طلب منها ذبح طاووس؟ وما سر تلك الدائرة المحيطة بالبطلة؟ وأسرار أخرى مثيرة، أتركها للجمهور ليكتشفها بنفسه دون حرق لأحداث المسرحية”.

إنها ثمرة بحث أكاديمي، تضيف بثينة المجاهد “بحث تخرجي من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ونتاج مجهود بدأ منذ عام 2019، بإنتاج شخصي تطلب مني الكثير من الجهد من كافة النواحي، ليتوج اليوم بتقديم هذه المسرحية. وأنا فخورة الآن وأنا أتابع ردود أفعال الجمهور، وتفاعلهم مع كل مشهد، واستمتاعهم بفصول وفواصل المسرحية. وجدت فرحة وأنا أتلقى الأراء الإيجابية حول هذا النوع الجديد من المسارح، ومتحمسون جميعا إلى القيام بجولة عبر ربوع الممكلة ليستمتع بقية الجمهور المغربي بهذه القطعة. وأشكر كل من ساهم في إنجاح هذا العمل من قريب أو بعيد”.

ومن جهتها أعربت سلمى. ف، إحدى الحاضرات في المسرحية عن إعجابها الشديد بالعرض قائلة “أعجبتني تلك الطاقة التي كانت على الخشبة، وتأثرت حقا بالقصة. لقد كانت قصة مؤثرة للغاية، والأداء كان مذهلًا، ولا أخفيكم أنه في بعض المشاهد اقشعر بدني مما رأيت، وأكثر ما صدمني هو ظهور صاحبة القصة الحقيقية أمامنا في الأخير”.

ويُذكر أن المسرحية من فكرة وسينوغرافيا وإخراج: بثينة المجاهد. تشخيص كل من الفنانين عبدالقادر أمليل وزينب الناجم وسناء بحاج ومحمد شاهير وأسامة العروسي ومحمد الغمام. دراماتورجيا رشيد منتصر، كتابة النص حفصة الخال وطه الكبيري. أما الإضاءة فلياسين زاوي، والصوت والمابينغ ليوسف المكاوي، وألف لها الموسيقى عبدالقادر أمليل، وصابر المنوالي، وربيع عباس.

12