الحكومة المصرية تحصر الحوار الوطني في الشق الاقتصادي وتهمل البعد السياسي

الحكومة ترغب في تسيير الحوار بشكل يخدم أغراضها.
الخميس 2024/02/01
الحوار يدور في حلقة مفرغة

تنظر المعارضة المصرية بريبة لتوجهات الحكومة بحصر باقي جولات الحوار الوطني في الجانب الاقتصادي، وإهمال قضية الإصلاح السياسي. وترى قوى معارضة أن الحكومة بهذه الخطوة تريد التهرب من تحمل المسؤولية حيال ما آل إليه الوضع الاقتصادي.

القاهرة- بعث مجلس أمناء الحوار الوطني في مصر رسالة إلى القوى السياسية المعارضة بشأن مستقبل الجولة الثانية من الحوار، بعد اختزال القضايا محل النقاش على الجانب الاقتصادي، وأن المخرجات قابلة للتنفيذ من قبل الحكومة.

وقال رئيس مجلس أمناء الحوار ضياء رشوان، إن الظرف الاقتصادي فرض على الدولة تركيز الحوار الوطني في مرحلته الثانية على البعد الاقتصادي الذي يمثل عبئا على المواطنين، “ولابد من اجتهاد كل القوى السياسية في تقديم حلول سريعة”.

وتقرر رسميا أن تكون الجولة المقبلة مقتصرة على التحديات الاقتصادية دون التطرق لقضايا تلامس السياسة، ما جعل قوى معارضة تستقبل ذلك بعدم تفاؤل، لأن فتح المناخ العام والحريات والأوضاع الحقوقية يجب أن تُناقش مع الملف الاقتصادي.

وبدت الحكومة كأنها تريد إشراك المعارضة في البحث عن حلول للأزمة الاقتصادية، في المقابل ترى قوى المعارضة أن التحديات التي تواجه الدولة يصعب اختزالها في البعد الاقتصادي، وهناك ملفات سياسية يجب حلها بالتوازي مع نظيرتها الاقتصادية، ولا توجد مشكلة من التحرك على المسارين معا.

وقال أحمد بهاءالدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المعارض في تصريحات لـ”العرب” إن الحركة المدنية الديمقراطية قررت عدم المشاركة في الجولة الثانية من الحوار الوطني ما لم تستجب الحكومة لمطالبها في الجولة الأولى، كمدخل لإصلاح سياسي، يتمثل في تعديل قوانين الانتخابات والحبس الاحتياطي والإفراج عن سجناء الرأي.

وتقول أحزاب قريبة من النظام المصري إن المعارضة تبحث عن حريات مطلقة دون شروط، وهو توجه يحمل خطورة على استقرار البلاد في ظل أزمة اقتصادية معقدة، ما يفرض قدرا من استمرار القبضة الأمنية حتى لا تستثمر تيارات مناوئة الأوضاع الراهنة في تأليب الشارع المصري على أجهزة الدولة.

وثمة شعور متصاعد بين دوائر سياسية في مصر بأن الحكومة ترغب في تسيير الحوار بشكل يخدم أغراضها، عبر إصرارها على تغليب قضايا اقتصادية، مقابل غض الطرف عن السياسية، بحجة أن البلاد تعاني أزمة كبرى مرتبطة بالاقتصاد.

◙ تخوفات لدى بعض الأصوات المعارضة، من أن يكون التركيز على الشق الاقتصادي محاولة للاستفادة من الحوار وتحويله إلى منبر للدعاية للمشروعات التنموية

وترتبط المخاوف بإبعاد الحوار عن تحديات سياسية تقود لجلسات فضفاضة غير محددة الملامح، يصعب الإمساك بتفاصيلها ومخرجاتها، ما يصب في صالح الحكومة التي تبدو راغبة في تسويف المطالبات السياسية وسط الأزمة الاقتصادية.

وتتمسك الحكومة بوجهة نظر تقول إن تصدر الملف الاقتصادي للحوار يستهدف تكريس الاستقرار، لأن ذلك يتطلب وجود اقتصاد قوي يحول دون حدوث انتفاضة غضب بسبب الظروف المعيشية، وهذا يحتاج من قوى المعارضة المزيد من الحكمة.

ويشير متابعون، إلى أن مصر لديها أزمات ضخمة لا تتحمل خلافا حادا بين المعارضة والحكومة. وإن كانت القوى المدنية حادة في مطالبها، فالمفترض أن تتعامل الثانية بلا عناد حفاظا على الاستقرار، لأن انغلاق الأفق يؤدي إلى تداعيات قاتمة على الجميع، ووقتها سيكون من الصعب الوصول إلى حلول سياسية أو اقتصادية.

وتؤكد دوائر قريبة من الحكومة، أن المعارضة مدفوعة للتعامل بحس وطني تجاه الوضع الاقتصادي المتأزم وتقديم مشروع متماسك لإعادة بناء وتنمية الدولة، لأن الخطط التي يجري تطبيقها تتحفظ عليها المعارضة.

وذكر بهاءالدين شعبان أن حل الأزمة الاقتصادية أكبر من حصرها في جلسات حوارية، لأنها تحتاج إلى إرادة وحكومة رشيدة ومسؤولين لديهم الفهم لطبيعة المشكلة وطرق علاجها، والكثير من مخرجات الحوار الأول لم تنفذ، وهذا أمر محبط، لا يبشر بإمكانية الاستجابة لما سيتمخض عنه الحوار الاقتصادي.

أحمد بهاءالدين شعبان: المعارضة لن تتحمل الأخطاء الاقتصادية نيابة عن الحكومة
أحمد بهاءالدين شعبان: المعارضة لن تتحمل الأخطاء الاقتصادية نيابة عن الحكومة

وأضاف أن المعارضة طرحت حلولا للأزمة الاقتصادية ولم تأخذ بها الحكومة، وتمسكت الأخيرة بمسار تنموي خاطئ حتى تراكمت الأزمة، والوضع الراهن لا يحتمل البحث عن خطوات شعبوية وتجميل الصورة، بقدر ما يحتاج إلى حكومة جديدة تقدر قيمة الخبراء وتستمع لصوت العقل بعيدا عن انغلاق الأفق.

لكن التعويل على الأحزاب والتكتلات المحسوبة على المعارضة في تقديم رؤية إصلاحية قد لا يجدي، لأن الخلافات تنشب داخلها حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فهناك تيار يؤمن بالرأسمالية وآخر على قناعة بجدوى الحل الاشتراكي.

ويؤسس الخلاف حول الأهداف والرؤى الاقتصادية بين المعارضة نفسها لصدام أكبر مع النظام بشأن آليات الخروج من الأزمة، ولو تمت تنحية القضايا السياسية، لأن الحوار الوطني سيكون بين أطراف مختلفة حول نظرتها للأزمة الاقتصادية.

ويوجد تصور داخل النظام المصري لوضع الأزمة الاقتصادية في جعبة المشاركين في الحوار ليكونوا شركاء في تحمل المسؤولية مع الحكومة ،عبر طرح حلول ومقترحات خاصة بكل مشكلة كي لا يُقال إن السلطة كانت أمامها بدائل مريحة في معالجة الأزمات ولم تبادر بتطبيقها.

وعقّب رئيس الحزب الاشتراكي في حديثه لـ”العرب” بأن المعارضة لن تتحمل الأخطاء الاقتصادية نيابة عن الحكومة، ولن تقبل بالقول إنها شاركت في تمرير رؤى خاطئة ضاعفت الأعباء على الناس، فالواضح أن خطة الحكومة تسير كما هي دون العودة إلى أي فصيل سياسي، وهذا في حد ذاته يدفع المعارضة لرفض المشاركة.

وثمة تخوفات لدى بعض الأصوات المعارضة، من أن يكون التركيز على الشق الاقتصادي محاولة للاستفادة من الحوار وتحويله إلى منبر للدعاية للمشروعات التنموية التي تراها القوى المدنية سببا في تعثر الاقتصاد، وما لم تقتنع الحكومة بحتمية إعادة ترتيب الأولويات فلا قيمة للحوار.

ومهما تمسك النظام بتوجهاته الاقتصادية، لكنه يعي أن الحوار وسيلة جيدة لتخفيف نبرة الغضب في الشارع، والكف عن ترديد اتهاماته بالعناد من خلال تمرير رؤى معينة في قضايا حيوية بلا اكتراث بتوجهات الناس، كما أن التقارب مع المعارضة يضمن لها أن تكون قريبة من التحديات والتعامل معها.

2