المغرب يستعد بحذر لمواكبة ثورة صناعة التشفير

السلطات النقدية تمضي في وضع لوائح تنظيمية استعدادا لفتح السوق أمام المتعاملين مع نهاية 2024.
الخميس 2024/02/01
حجر أساس في التكنولوجيا المالية

تحث السلطات النقدية في المغرب الخطى للحاق بركب عدد قليل من الدول، وخاصة في المنطقة العربية، في استخدام العملات المشفرة بعدما باتت ملجأ للكثير من المتعاملين والمستثمرين حول العالم، وذلك على الرغم من المخاطر التي لا تزال تحيط بها.

الدار البيضاء (المغرب)- يعكف البنك المركزي المغربي على وضع اللبنات الأولى من أجل إدخال النظام المالي للبلاد عهدا جديدا بفتح الأبواب أمام الأصول الافتراضية مع نهاية عام 2024، بالتزامن مع استكشاف فرص اعتماد عملة رقمية.

وأحدثت العملات الرقمية ثورة في عالم المال بفضل قدرتها على النمو السريع والأرباح المغرية التي تحققها، لكن طبيعتها اللامركزية وغير المقننة تسبب تضاربا معقدا في الآراء.

وتنتشر الإعلانات المغرية على منصات التداول من قبيل “هل أنت جاهز لكسب الأموال؟”، و”انضم إلينا لتبلغ قمما مالية جديدة”، و”سجل نفسك لتحقق أرقاما قياسية هائلة”، كعلامة على مدى الاهتمام بهذه السوق الناشئة للعملات المشفرة.

ويرى خبراء أن الاعتماد على العملات المشفرة ليس مجرد موجة عابرة فحسب، بل يشكل حركة عالمية تؤثر على الاقتصاديات على مستويات كثيرة.

ورغم أن اعتمادها قد عرف انخفاضا طفيفا على الصعيد العالمي، نتيجة، على الأرجح، تأثير مرحلة معينة للسوق، حيث انخفضت أسعار الأصول كالأسهم والسندات والعملات المشفرة.

عثمان فهيم: الشباب أبرز المنجذبين لمزايا العملات المشفرة
عثمان فهيم: الشباب أبرز المنجذبين لمزايا العملات المشفرة

وتفتقر العملات الافتراضية للطابع المادي، بخلاف العملات التقليدية مثل الدولار أو اليورو، ويتم تداولها بشكل لامركزي لغياب هيئة مركزية للرقابة على قيمتها أو صحة المعاملات بواسطتها. والحال أن هذه الخاصية هي التي مكنتها من البروز.

وتسجل البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض، مثل الهند ونيجيريا وفيتنام وباكستان والمغرب، اعتمادا متزايدا على صناعة التشفير، مما يبشر بمستقبل زاهر لهذه الأخيرة.

ويحتل المغاربة، المعجبون بهذه المنصات الافتراضية ذات الشعبية الكبيرة، بالرغم من حظرها، المرتبة العشرين عالميا من بين المستخدمين في 2023، وفقا للتصنيف الذي أصدرته مؤخرا شركة تحليل السوق الأميركية تشيناليسيس.

ووفقا لعثمان فهيم، الخبير الاقتصادي لدى المرصد المغربي للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، الذي تم تأسيسه في عام 2016، فقد امتلك 1.15 مليون مغربي على الأقل أصولا افتراضية خلال سنة 2022.

ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى فهيم قوله إن ” الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة يعدون أبرز المستثمرين المنجذبين للمزايا التي توفرها العملات المشفرة للوصول إلى مجموعة متنوعة من الخدمات الرقمية وتعزيز وضعهم المالي”.

وللإشارة، فإن هذه الفئة هي التي تعاني بشكل كبير، خاصة في سوق العمل، حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة، والحاصلين على شهادة عليا، 40.3 في المئة خلال سنة 2022.

ومع ذلك، فقد خسر المغرب 6 مراكز في التصنيف العالمي الأخير لمؤشر اعتماد العملات المشفرة مقارنة بسنة 2022 ليحتل المركز 14 وهو وضع يفسره فهيم بالتحذيرات المتتالية من قبل المشرعين المغاربة الذين ما زالوا يفكرون في كيفية إرساء القوانين اللازمة.

وكان محافظ البنك المركزي عبداللطيف الجواهري قد أكد أنه يجري حاليا إعداد مشروع قانون لتقنين الأصول الافتراضية، طبقا للتوصيات الصادرة عن قمة العشرين الأخيرة.

20

ترتيب المغاربة بين المستخدمين للأصول الرقمية عالميا في 2023 وفق شركة تشيناليسيس

ويحظر البنك المركزي والهيئة المغربية لسوق الرساميل، بوصفهما هيئتين تنظيميتين، بالإضافة إلى مكتب الصرف، استخدام مثل هذه العمليات، وذلك بغية حماية المغاربة من أيّ انحراف ذي طابع قانوني أو خسائر مالية.

وقال فهيم إن “تقنين العملات المشفرة قد يصطدم بعراقيل عديدة، بحيث أن الطبيعة اللامركزية لها تجعل من الصعب إحداث إطار قانوني موحد ومتناغم على الصعيد العالمي”.

وعلى الرغم من كون المخاوف المرتبطة بتقلب الأسعار ومخاطر الاحتيال تقوّي التوجه نحو حظر العملات المشفرة، فإن غياب تقنين عالمي ولامركزية القطاع يواصلان إفراز بيئة مواتية للاحتيال وتمويل الأنشطة اللامشروعة.

وتم تصميم التكنولوجيا المتعلقة بالعملات الرقمية، والتي يطلق عليها “بلوكتشين”، لتكون لامركزية وتحفظ هوية المستخدم وتجعلها قيد الكتمان، وهو ما أدى إلى غياب إطار قانوني عالمي حتى الآن، مما يجعل المراقبة والتقنين في غاية الصعوبة.

ويظل العثور على التوازن الصحيح بين حماية المستخدم والابتكار التحدي الأكبر الذي يعترض الهيئات التنظيمية، والذي يبدو أن المغرب يتعامل معه بشكل جيد حيث شرع صناع القرار النقدي في إعداد مشروع قانون يتعلق بتقنين الأصول المشفرة.

وكان الجواهري قد صرح على هامش الاجتماع الفصلي الرابع لمجلس البنك خلال سنة 2023 بأن “الهدف الأساسي هو مواءمة القوانين المغربية مع المعايير الدولية من خلال اعتماد مقاربة صارمة تهدف إلى تأمين المستثمرين وضمان استقرار النظام المالي”.

عبداللطيف الجواهري: إصدار عملة رقمية يحسن التتبع ويخفض تكاليف المعاملات
عبداللطيف الجواهري: إصدار عملة رقمية يحسن التتبع ويخفض تكاليف المعاملات

وسينشئ قانون أسواق الأصول المشفرة المغربي إطارا متناغما مع تشريعات أوروبا، سيحل محل القوانين الحالية، والتي تنظم العرض والموافقة على المفاوضات بواسطة العملات الرمزية، وتوفير الخدمات، والحيلولة دون إساءة استخدامها.

وأشار في الوقت ذاته إلى التقدم الذي أحرزه المركزي في مشاريعه المتعلقة بعملة محلية رقمية، حيث يتعاون فريق عمل من البنك مع خبراء تقنيين ومع صندوق النقد الدولي لإعداد صيغة لذلك.

ويعمل المركزي حاليا على تحليل تقرير صدر مؤخرا بخصوص العملة الرقمية، يركز على الاستخدام المحتمل لها لتعزيز الاندماج المالي، والذي يعد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة إلى البلدان النامية.

وأكد الجواهري أن إصدار عملة رقمية مغربية يمكن أن يضطلع بدور في تحسين إمكانية التتبع، وخفض تكاليف المعاملات وآجالها.

وتعد منصات التداول الزائفة، التي يمكن أن تكون مقنعة للغاية، من المشاكل الرئيسية التي يطرحها القطاع، باستخدام مواقع رقمية وأساليب تسويقية متطورة لجذب الأشخاص غير المحتاطين.

ويمكن لهذه المنصات أن تعد بعوائد مرتفعة، ورسوم رخيصة وواجهة سهلة الاستخدام، لكن القصد الحقيقي من ورائها هو استخلاص الأموال أو البيانات الشخصية من المستخدمين.

ويجعل هذا الوضع من حماية البيانات الشخصية، بالإضافة إلى مسألة حماية المستهلك، تحديا وأمرا جديرا بالاهتمام، وفي الوقت ذاته لا بد توخي الحذر.

ويؤكد فهيم أن العملات الرقمية تهدف إلى تعزيز الاندماج المالي والشفافية، ولكن عقبة حقيقية تقف في وجه ذلك. وقال “نحن نلجأ إلى هذه العملات بسبب التداول الكبير للسيولة والكتلة النقدية خارج المجال الرقمي”.

وشدد على أنه من شأن التقنين الجاري للعملات المشفرة أن يسمح بتقليل المخاطر المرتبطة بغياب حماية المستهلكين، وتقلبات أسعار الصرف، واستخدامها لأغراض غير مشروعة وغسيل الأموال.

11