الحكومة الجزائرية تستعد للخريطة الدرامية الرمضانية بمقص الرقيب

تسعى السلطات الجزائرية من خلال تعليمات واضحة لتجنب إثارة الجدل في المجتمع أو تخطي الخطوط الحمراء في الخريطة البرامجية لشهر رمضان هذا العام لتتضمن أعمالا “آمنة” للمجتمع والحكومة.
الجزائر - تناقش السلطات الجزائرية خريطة البرامج والأعمال التلفزيونية لشهر رمضان المبارك، محددة جملة من الشروط والمقاومات لتمنح الأولوية للبرامج الدينية والسيتكوم الكوميدي والطبخ وتنحية للمضمونات السياسة في الأعمال الفنية، وإخضاعها لمقص الرقيب.
وبعد أن واجه التلفزيون الجزائري إحراجا أمام السلطة في السنوات الماضية، بسبب بعض الأعمال التي لا تناسب الحكومة وأثارت جدلا سياسيا رافقه حديث عن تعرض العمل لمقص الرقيب، قرر وزير الاتصال الجزائري محمد لعقاب التباحث مع المدير العام للإذاعة الوطنية محمد بغالي والمدير العام للمؤسسة العمومية للتلفزيون نذير بوقابس برفقة بكل من مدير الإنتاج ومدير البرمجة بالتلفزيون العمومي، لمناقشة وضبط الشبكة البرامجية الرمضانية لهذا العام، لتتضمن أعمالا “آمنة” تتناسب مع توجهات الحكومة.
وخلال اللقاء، أوضح وزير الاتصال أن الشبكة البرامجية الرمضانية لهذا الموسم يجب أن تكون ثرية ومتنوعة من خلال البرامج الدينية الهادفة، المسلسلات الاجتماعية والدرامية، البرامج الفكاهية والسيتكوم، بالإضافة إلى برامج مخصصة لفن الطبخ وللأطفال تلبية لأذواق الجمهور.
وشدد على تجنب البرامج التي تتسم بالعنف والمحتوى المتدني، مذكرا بضرورة التطبيق الصارم للقانون الجديد المنظم للإعلام وقانون السمعي البصري والذي يحدد شروطا واضحة في قضية العنف، استغلال الأطفال، واحترام المحتوى وغيرها.
توجيهات للشبكة البرامجية الرمضانية بأن تكون ثرية ومتنوعة من خلال البرامج الدينية الهادفة وبرامج الطبخ
وبخصوص البرامج الإخبارية طيلة شهر رمضان المبارك، ستبث عبر مختلف القنوات الإذاعية والتلفزيونية وفق جدول زمني مضبوط يراعي خصوصية الشهر الفضيل.
ووجه الوزير تعليمات للجنة القطاعية المكلفة بانتقاء البرامج بضرورة الإسراع في الاختيار والفصل في البرامج التي ستبث خلال شهر رمضان قبل نهاية شهر فبراير. كما أعطى توجيهات للمديرين العامين للإذاعة والتلفزيون بضرورة احترام نسبة الإنتاج الوطني خلال هذه الشبكة البرامجية، من خلال تنشيط وتحريك المحطات الجهوية سواء الإذاعية أو التلفزيونية وخاصة الجنوبية منها، بالتعريف بخصوصية كل منطقة عبر الوطن والترويج للموروث الثقافي والوجهات السياحية الجزائرية.
وشهد البرلمان الجزائري، العام الماضي نقاشاً بشأن المسلسلات الرمضانية التي عرضت في القنوات المحلية، خاصة بسبب كثافة مشاهد العنف والترويج للمخدرات وغيرها، وسط مطالبات بالحد من منسوبها.
وقال النائب عبدالله عماري، في استجواب وجّهه إلى وزير الاتصال السابق محمد بوسليماني، إن “هناك مبالغة كبيرة في استخدام أبطاله للمخدرات وكلهم من المنحرفين، إضافة إلى كثافة استخدام الأطفال”، معتبراً أن الصورة التي أعطيت للحجاب في المسلسل “مسيئة”، ومنتقداً غياب سلطة ضبط السمعي البصري كهيئة رقابة وتعديل، وقال إنها لم تؤدِّ أي دور في مراقبة الأعمال التلفزيونية التي تعرض على الجزائريين في شهر رمضان.
وبثت القنوات الجزائرية خلال شهر رمضان الماضي عدداً من المسلسلات مثل “الدامة”، والبطحة”، و”الاختيار الأول”، والتي ظهر فيها تركيز واضح على قضايا العنف والترويج للمخدرات والحرب بين عصابات الأحياء وانحراف القاصرين واستغلال الأطفال في الجريمة وغيرها، وهو ما بدأ يثير قلقاً سياسياً ومجتمعياً من تأثيرات هذه المشاهد على الشباب والأطفال، ومحاذير التطبيع التلفزيوني مع العنف والجريمة والمخدرات.
وتسبب مسلسل “الدامة” في إثارة جدل وأزمة داخل الأوساط الجزائرية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تصنيفه على أنه من دراما الصدمة التي تبحث عن الشهرة عبر إثارة الجدل.
وقال منتقدوه إنه لا يتماشى مع القيم والمعايير الأسرية، ويعتمد على لغة حوار وصفوها بأنها “سوقية وعنيفة”، فيما يقول مؤيدوه إنه “يصور جزءاً من الواقع”.
وبحسب صحيفة الشرق الجزائرية، فإن المسلسل يسلط الضوء على الثقافة الشعبية في الجزائر العاصمة، وتفاصيل المعيشة اليومية من خلالها صراع الأيديولوجيات من أجل الكسب، كما يعالج قضايا الجريمة وترويج المخدرات في المدارس بحي باب الواد، والذي يعد أحد أعرق الأحياء الشعبية بالعاصمة.
واعتبر النائب أن غياب الرقابة سمح بظهور رمز حركة انفصالية تطالب بفصل منطقة القبائل (ذات الأغلبية من الأمازيغ)، في مسلسل درامي (الدامة) يعرض على التلفزيون الحكومي، دون أن يثير ذلك أي رد فعل من السلطات، على الرغم من أن هذه الحركة مصنفة في الجزائر منذ مايو 2021 كتنظيم إرهابي.
وأشار إلى أن ملاحظات وتنبيهات قد وُجهت إلى القنوات بشأن بعض الملاحظات المسجلة على البرامج الرمضانية، لافتاً إلى أن سلطة الضبط كانت قد استقبلت رمضان بإصدار بيان حول هذه البرامج.
ويبدو أن لجنة المشاهدة التي شكلت على مستوى وزارة الاتصال، لمساعدة سلطة ضبط السمعي البصري في مراقبة البرامج والمضامين الإعلامية التي تُبث على القنوات الرسمية والمستقلة، لم تمارس دورها على الوجه الأكمل العام الماضي، لذلك تحاول السلطة هذا العام ضبط الأعمال الفنية.
وأوضح كل من المدير العام للإذاعة والمدير العام للتلفزيون أن كل الأمور مضبوطة سواء على المستوى المركزي أو المحلي، وأن الشبكة البرامجية لشهر رمضان تتضمن عدة برامج دينية، مسلسلات درامية، وأفلام ثورية، سيتكوم، إضافة إلى برامج فنية وثقافية متنوعة.
وبذات المناسبة، تقرر عقد اجتماع توجيهي مع مدراء القنوات الإذاعية الجهوية والمحطات التلفزيونية الجهوية. ومن المقرر أن يعقد وزير الاتصال جلسة مماثلة مع مدراء كل القنوات التلفزيونية لدراسة الشبكة الرمضانية لهذا الموسم.
القنوات الجزائرية بثت خلال شهر رمضان الماضي عدداً من المسلسلات والتي ظهر فيها تركيز واضح على قضايا العنف والترويج للمخدرات والحرب واستغلال الأطفال في الجريمة
وكانت سلطة ضبط السمعي البصري قد طالبت القنوات التلفزيونية بالتقيد بمقتضيات شهر رمضان واحترام تقاليد وأخلاقيات وخصوصيات هذا الشهر، و”عدم الانزلاق وراء الربح المادي ونسبة المشاهدة وتفادي الإثارة ومظاهر العنف بكل أشكاله وأنواعه وأيضاً احترام المرجعية الدينية الوطنية، وحماية الأطفال وتقديم خدمة إعلامية ترقى إلى تطلعات العائلة الجزائرية”.
ويرى القائمون على القطاع الدرامي والمعنيون أن من حق المشاهدين مناقشة أي عمل فني وإثارة الجدل بشأنه، وهناك بعض الانتقادات لا معنى ولا أساس لها، على اعتبار أن المسلسل عمل درامي، والدراما ليست للموعظة.
ويرى هؤلاء أن المسلسلات تناقش موضوعات وقضايا يعيشها المجتمع بشكل عادي، وطرح موضوع واقعي أو مشكلة مجتمعية لا يعني الترويج لها أو توجيه إساءة للمجتمع في شهر رمضان المبارك، ومن غير المعقول إصدار أحكام نهائية على المسلسلات قبل عرضها. كما أن اللغة اليومية التي تستعمل في البلاد متداولة في الأحياء الشعبية، فلماذا يريد القائمون على التلفزيون حظرها.
وتناقلت عدة مصادر، أنباء عن تعرض عدّة أعمال لمقصّ الرقيب سواءً كان حكوميًا أو من الجهة المنتجة أو القناة العارضة.
وسبق أن تدخلت الحكومة لمنع بث عدة أعمال فنية منها سلسلة “دقيوس ومقيوس” على قناة الشروق الخاصة، كما تم إيقاف بث سلسلة “دار العجب” بعد انتقادها لتقديم إعانة مالية لتونس.