الحوار في مصر يفقد زخمه مع غموض الموقف من المخرجات السابقة

المعارضة تنتظر تنفيذ توصيات المرحلة الأولى.
السبت 2024/01/27
حوار استعراضي

تخشى المعارضة المصرية من أن تتحول اجتماعات الحوار الوطني المقبلة إلى جلسات استماع أكثر منها نقاشا بالمعنى الجاد والحقيقي، لاسيما في ظل مماطلة حتى الآن من الحكومة في تنفيذ التوصيات التي تمخضت عنها المرحلة الأولى من الاستحقاق.

القاهرة - يواجه الحوار الوطني في مصر حالة من انعدام الثقة بين الأطراف المنخرطة به، وسط دعوات تؤكد على أهمية الاستماع إلى مختلف الرؤى بشأن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد.

ويرى متابعون أن المرحلة الثانية من الحوار الوطني المزمع انطلاقها قريبا تواجه مشكلة إذ فقدت زخمها العام، وسط اعتقاد سائد بأن التوصيات التي قد تخرج عنها لن تكون محل ترحيب مجتمعي.

ودعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخرا إلى إجراء حوار اقتصادي شامل يشارك فيه متخصصون للوصول إلى حلول للمأزق الراهن الضاغط على الدولة.

وطرحت الحكومة حوارا حول وثيقة “التوجهات الإستراتيجية للاقتصاد المصري 2024 – 2030″، وتولى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لها إدارة جلسات عنها بعنوان “آفاق النمو والتشغيل” منذ أسبوع.

إيهاب منصور: المرحلة الثانية من الحوار الوطني تواجه أزمة ثقة
إيهاب منصور: المرحلة الثانية من الحوار الوطني تواجه أزمة ثقة

وكانت الأزمة الاقتصادية جزءا من حوار مهم ضمن مؤتمر “حكاية وطن” في سبتمبر الماضي، وحظيت باهتمام بالغ من مؤسسة الرئاسة في مصر.

وينصب تركيز المرحلة الثانية من الحوار الوطني على الأزمة الاقتصادية، غير أن عدم تنفيذ مخرجات الملفين السياسي والاجتماعي اللذين شكلا الجزء الأكبر من محاور المرحلة الأولى من حوار تمت الدعوة له قبل عامين، قد يعوق نجاحها، خاصة أن مواطنين وسياسيين ينتظرون تنفيذ المخرجات السياسية لتعبر عن انفتاح عام يساعد على بناء الثقة في أي توجهات ترتبط بالمجتمع أو الاقتصاد.

وقال مصدر مطلع في الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة) لـ”العرب” إن معالم المرحلة الثانية من الحوار لم تتضح بعد، والمعارضة تنتظر تفعيل توصيات المرحلة السابقة، وتحسين المناخ العام عبر الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي، وإنها قدمت إلى الحكومة قائمة للمحبوسين أثناء المظاهرات الأخيرة لدعم قطاع غزة.

وأضاف المصدر، وهو أحد أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطني، أن المحور الاقتصادي يمكن أن يصل إلى توصيات مهمة بشأن الأزمة الراهنة اعتمادا على مشاركة قامات اقتصادية فيه، وتبقى المشكلة في غموض آليات التنفيذ وعدم وجود خطة واضحة تضمن دخول المخرجات في مسارات محددة حتى وصولها إلى البرلمان واتخاذ قرارات تنفيذية لتطبيقها.

وتضمنت مخرجات الحوار الوطني في مرحلته الأولى عدة نقاط، أبرزها إدخال تعديلات على قانون الانتخابات، وتقديم ثلاثة مقترحات بشأن شكل الانتخابات، واستمرار الإشراف القضائي عليها في جميع مراحلها، وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، وإنشاء المفوضية العامة للقضاء على التمييز، إلى جانب مجموعة من القرارات المرتبطة بشكل الجمعيات التعاونية والأهلية وأدوارها المجتمعية.

وقالت الحكومة المصرية إن في جعبتها خطة تنفيذية لتوصيات المرحلة الأولى من الحوار الوطني، من دون أن تتحدث عن المزيد من التفاصيل حولها بعد ثلاثة أشهر من وصول التوصيات إليها، إذ جرى الإعلان عنها وتقديمها للجهات التنفيذية المختصة قبل تعليق الحوار إلى حين إجراء انتخابات الرئاسة في ديسمبر الماضي، ما يشي بأن هناك تأجيلا لتنفيذها مع غياب الرؤية الواضحة لطبيعة الخطوات في المرحلة المقبلة، وسط حديث متكرر عن إمكانية إقالة الحكومة الحالية أو إدخال تعديل على تركيبتها.

وأكد رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض) إيهاب منصور أن الاتجاه نحو إجراء حوارات بين القوى السياسية والأكاديميين والمهتمين بالشأن العام أمر إيجابي، عانت من غيابه مصر لفترات طويلة، فالحوار يساعد على تشخيص المشكلات بشكل يضمن العلاج المناسب، ما يجنب الوقوع في أزمات شخصتها الحكومة بمفردها بشكل خاطئ.

وذكر منصور في تصريح لـ”العرب” أن سلبيات غياب الحوار لا تختلف عن إجراء حوار دون تنفيذ مخرجاته، لأن الرأي العام ينتظر التعرف على ما سوف يخرج عن النقاشات وإثبات أنها لم تكن جلسات استماع نظرية، ما يجعل آليات التنفيذ جزءا لا ينفصل عن الحوار وقبوله مجتعميا، وتأخر التنفيذ يزيد المشكلات تأزما.

وقال “في حال أقدمت الحكومة على تنفيذ ما تمخض عن الحوار من مخرجات في توقيتات خاطئة، سوف تكون لذلك ارتدادات سلبية، تترك انطباعا لدى المواطنين بأن أمامهم سنوات طويلة لتحسين أوضاعهم، ولن تتمكن الحكومة من إيجاد السند الشعبي في خطواتها إذا كانت صحيحة، ما يشكل ضغطا كبيرا على المرحلة الثانية من الحوار التي تواجه أزمة ثقة من معارضة تنتظر تحسن الأجواء السياسية”.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعا إلى إجراء حوار اقتصادي شامل يشارك فيه متخصصون للوصول إلى حلول للمأزق الراهن الضاغط على الدولة

وبنى معارضون رؤيتهم للحوار على إمكانية الاتجاه نحو تنفيذ مخرجاته عقب انتهاء انتخابات الرئاسة، وعوّل البعض منهم على اتخاذ الحكومة قرارات بشأن الإفراج عن محبوسين على ذمة قضايا رأي وتعديلات سريعة من جانب البرلمان على قانون الحبس الاحتياطي كبادرة إيجابية تسبق المرحلة الثانية التي ستكون أكثر صعوبة لارتباطها بسياسات اقتصادية بحاجة إلى جهود كبيرة والمزيد من الوقت لتنفيذها.

ومن وجهة نظر هؤلاء المعارضين أنهم لم يحصلوا على إشارات إيجابية تعبر عن تغيير حقيقي في رؤية الحكومة بشأن الملفات التي تشاورا حولها، وكانت محل نقاش سياسي واسع، خاصة في ما يتعلق بأوضاع الحريات العامة، ما يدعم اتخاذ موقف موحد من المعارضة ربما يصب في خانة مقاطعة المرحلة الثانية من الحوار، وفي تلك الحالة سوف يفقد الحوار ما تبقى من صورة ذهنية إيجابية لدى المواطنين.

وتخشى شخصيات في المعارضة من أن تتحول اجتماعات الحوار الوطني المقبلة إلى جلسات استماع أكثر منها نقاش بالمعنى الجاد والحقيقي، فهناك قناعة لدى قوى معارضة بعدم الجدوى من الاستمرار في الحوار، وسط تململ من إدارة الأزمة الاقتصادية، والقلق من تداعيات استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وتشير تقديرات مجلس أمناء الحوار الوطني إلى أن النقاشات سوف تستفيض في البحث عن حلول لمشكلة سعر صرف الجنيه والسياسة النقدية بشكل عام، ووضع توصيات لضبط أسعار السلع الغذائية، وكيفية الرقابة على الأسواق للتخفيف عن المواطنين، ووضع محاور لجذب الاستثمار طبقا للأحداث الجارية، والتوتر الجيوسياسي في المنطقة، والتركيز على محددات استهداف قطاعات معينة للاستثمار بهدف التصدير.

2