استياء سوري لتصعيد الأردن غاراته الجوية ضد تهريب المخدرات

الخارجية السورية تؤكد استمرار دمشق في مكافحة الإرهاب، والتصدي لكل المظاهر والممارسات والجرائم المتعلقة بالتهريب والاتجار غير المشروع بالمخدرات.
الأربعاء 2024/01/24
تصعيد أردني

دمشق - أعلنت وزارة الخارجية السورية، الثلاثاء، عن “أسفها الشديد” لشن الأردن ضربات جوية داخل أراضيها أسفرت عن قتلى وجرحى، فيما تشكو عمّان من تزايد محاولات تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا إلى المملكة.

وفي الثامن عشر من يناير الجاري، ذكر إعلام سوري أن غارات أردنية استهدفت منزلين في بلدة عرمان بمحافظة السويداء جنوب سوريا، “مما خلّف قتلى وجرحى، بينهم أطفال ونساء”.

ولم ترد في الإعلام الأردني أي أنباء بشأن هذه الضربات، باستثناء غارتين في الخامس من يناير، بحسب ما نقله تلفزيون “المملكة” الرسمي عن مصدر لم يسمه.

وخلال الفترة القليلة الماضية، رفع الأردن من جاهزية قواته على الحدود السورية، إثر ارتفاع كبير في عمليات التهريب من الجارة الشمالية إلى المملكة، ووصل الحال إلى حد اشتباكات مسلحة استمرت لساعات طويلة، عقب محاولات إدخال ذخائر صاروخية إلى الأردن.

والثلاثاء، عبَّرت الخارجية السورية عن “أسفها الشديد” حيال الضربات التي وجهها سلاح الجو الأردني إلى قرى ومناطق سورية، أحدثها قرى في ريف السويداء الجنوبي، وتبريرها بأنها “موجهة لعناصر منخرطة في تهريب المخدرات عبر الحدود إلى الأردن”.

ملف التهريب يطرح تحديا جديدا أمام علاقات الجارتين، مما يترك الباب مفتوحا أمام المزيد من التصعيد أو الانخراط في تنسيق فعال

وقالت الخارجية في بيان إنه “لا مبرر لمثل هذه العمليات العسكرية التي نحاول احتواءها، حرصا على عدم التأثير على استمرار استعادة العلاقة الأخوية بين البلدين”، وفقا لوكالة النظام.

واعتبرت أن “التصعيد السياسي والإعلامي والعسكري الذي شهدناه في الأشهر القليلة الماضية لا ينسجم إطلاقا مع ما تم الاتفاق عليه بين اللجان المشتركة من الجانبين حول التعاون لمكافحة جميع الانتهاكات، وبينها العصابات الإجرامية للتهريب والاتجار بالمخدرات”.

وأكدت “استمرار سوريا في مكافحة الإرهاب، والتصدي لكل المظاهر والممارسات والجرائم المتعلقة بالتهريب والاتجار غير المشروع بالمخدرات”.

وفي اتهام لجارتها الجنوبية، قالت خارجية النظام إن “سوريا عانت منذ عام 2011 من تدفق عشرات الآلاف من الإرهابيين وتمرير كميات هائلة من الأسلحة، انطلاقا من دول جوار ومنها الأردن، ما أدى إلى سقوط الآلاف من الأبرياء”.

وشددت على أنها “أصرت على عدم اللجوء إلى ردود أفعال تؤثر على مصالح شعبي البلدين الشقيقين في سوريا والأردن، وكان فهمها إزاء ذلك أن هذا الأمر يتطلب تعاونا بين الجانبين”.

وختمت بالتشديد على أنها “لن تألو جهدا في التنسيق والتعاون مع الأردن في مواجهة كل ما يضر بمصالح البلدين الشقيقين، في ضوء الاحترام الكامل لسيادتهما ووحدة وسلامة أراضيهما، وخاصة أن التصعيد لا يمكن أن يخدم أيا من الجانبين، ولن يستفيد منه إلا أعداء الأمة العربية”.

وقال المحلل الإستراتيجي عامر السبايلة إن النظام “السوري غير معني بإنهاء هذه الأزمة دون شراكات مثمرة سياسيا يتم تحويلها إلى مكاسب، لاسيما في ظل الأوضاع التي يعيشها من عزلة وعقوبات وغيرها” ضمن تداعيات الحرب الأهلية القائمة منذ عام 2011.

ورأى السبايلة أن “البيان السوري يريد أن يبعث رسالة مفادها أن الميليشيات والتهريب والأوضاع داخل أراضيه هي انعكاسات لحالة إضعاف سوريا لأكثر من 12 عاما عبر أزمة مفتوحة”.

وأردف “هو يريد أن يرسل رسالة سياسية بأنه حريص على عدم تصدير الأزمة، لكن الواقع أكبر من طاقته، وأدى إلى تشكل مناطق خارج نفوذه”.

وتابع أن “النظام عليه أن يقوم بدوره والجميع سيكون أمام تحد وجودي لحماية أمنه القومي، كما يفعل الأردن حاليا.. هناك فراغ متشكل، والأردن يرسل رسائل بأنه قادر على الضرب لأي محاولات تستهدف أمن حدوده”.

انفلات أمني

Thumbnail

ومن وجهة نظر عسكرية، قال المحلل العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد هشام خريسات إن “الدبلوماسية التي يفهم عليها النظام السوري ويقدرها، هي الدبلوماسية الإسرائيلية باستباحة أرضه وسمائه كل يوم”.

وأضاف “الأردن يريد أن يحمي أمنه ولن يقبل بالتعدي عليه في ظل حالة الانفلات الأمني داخل سوريا، ولديه قوات مسلحة عمرها العسكري 102 عام متمرسة على كل أنواع الحروب، والجيش الأردني قادر على الانتشار خارج حدود الوطن جوا حتى 3500 كيلو متر”.

وأردف خريسات أن الجيش الأردني “يملك المعلومات الكافية عن أماكن تواجد الميليشيات المسلحة والمهربين، ولا ينتظر أي إملاءات خارجية تعلمه ماذا يفعل، وعلى النظام السوري أن يشكر الأردن لا أن ينتقده، لأنه يسد فراغا لا يستطيع أن يملأه”.

وشهد الأردن منذ سنوات المئات من المحاولات للتسلل والتهريب إلى أرضيه، خاصة من سوريا (شمال) والعراق (شرق)، جراء تردّي الأوضاع الأمنية في البلدين الجارين.

ويرتبط الأردن مع جارته الشمالية سوريا بحدود طولها 375 كلم، مما جعل المملكة منذ عام 2011 من بين الدول الأكثر استقبالا للسوريين بعدد بلغ 1.3 مليون، نصفهم يحملون صفة لاجئ.

ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حرص الأردن على التزام الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع جارته الشمالية، إلا أن ذلك لم يجنبه اتهامات النظام السوري المستمرة بدعمه “للإرهاب”.

وسيطر الجفاء على علاقات الجارتين، لكنه أخذ بعدا آخر عام 2014، عندما اعتبرت عمّان سفير النظام السوري آنذاك بهجت سليمان “شخصا غير مرغوب فيه”، وأمرته بمغادرة المملكة خلال 24 ساعة، بسبب “إساءاته المتكررة” بحق المملكة.

ورغم هذه الخطوة الأردنية إلا أن العلاقات الدبلوماسية لم تنقطع، واستمر عمل سفارتي الأردن والنظام السوري محصورا بموظفين إداريين عاديين.

وفي يناير 2019، أعلن الأردن رفع مستوى تمثيله الدبلوماسي لدى النظام السوري إلى درجة قائم بالأعمال بالإنابة، ثم حدث المزيد من تطبيع العلاقات عبر زيارات واتصالات رسمية بين كبار مسؤولي البلدين.

لكن ملف التهريب عبر الحدود إلى الأردن يطرح تحديا جديدا أمام علاقات الجارتين، مما يترك الباب مفتوحا أمام المزيد من التصعيد، أو الانخراط في تنسيق حقيقي وفعّال.

2