نواب أردنيون يتحصنون بالبرلمان للتهرب من أحكام قضائية

عمّان - تشهد الساحة البرلمانية في الأردن جدلا واسعا بسبب ثلاثة نواب قيل إن رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي تلقى طلبا برفع الحصانة عنهم بسبب ملاحقتهم في دعاوى قضائية، بعضها في علاقة بتجاوزات مالية وأخرى بسبب “شتم وذم وتحقير”.
وذكرت أوساط إعلامية أردنية الأحد أن نائبا رابعا التحق بقائمة النواب الثلاث، حيث تفاجأت محكمة مؤخرا بأن المشتكى عليه هو عضو في مجلس النواب الأردني، وهو ما اضطرها إلى تأجيل البحث في الشكوى المقدمة بحقه إلى حين ورود ما يفيد برفع الحصانة عنه أو انتهاء هذا القيد المؤقت.
ولطالما كان موضوع الحصانة البرلمانية مثار جدل في المملكة، ورفض مجلس النواب الأردني في عام 2022 تعديلا دستوريا يقضي بإلغائها.
وصوت المجلس النيابي آنذاك بعدم الموافقة على المادة 23 من مشروع تعديل الدستور الأردني لعام 2021. وتعنى هذه المادة بإلغاء حصانة النواب والأعيان في حال محاكمة أحدهم وإبقائها للتوقيف، وجاء التصويت بالأغلبية لصالح رفض التعديل بواقع 106 مؤيدين لرفض رفع الحصانة و2 معترضين وامتناع واحد، ما أبقى على النص الأصلي من الدستور.
ويبرر النواب رفض رفع الحصانة بأنه يعيق عمل المجلس ويمس من هيبته، وهو ما يبدو غير مقنع بالنسبة إلى الكثيرين في الشارع الأردني، خصوصا وأن بعض النواب يستغلون هذا الامتياز للتملص من أي أحكام ردعية لتجاوزات ارتكبوها.
ونفى رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني، غازي الذنيبات، تلقي اللجنة أي طلب بشأن رفع الحصانة عن النواب الثلاثة، فيما توقع أنه إذا عرض على المجلس تنفيذ الطلب فإنه لن يرفع الحصانة عنهم إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك بحسب نوع القضايا المنظورة أمام القضاء.
وقال الذنيبات “إذا ما صح وطلب من رئيس المجلس رفع الحصانة عن النواب فإنه يتوقع تأجيل محاكمة النواب إلى حين انتهاء الدورة العادية الجارية بينما ترفع الحصانة عن النواب عملا بأحكام القانون”.
وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني افتتح أعمال الدورة العادية لمجلس الأمة في الحادي عشر من أكتوبر الماضي؛ ويعقد المجلس في كل سنة شمسية من عمره دورة عادية واحدة مدتها ستة أشهر، إلا إذا حل الملك المجلس قبل انقضاء تلك المدة، ويجوز للملك أن يمدد الدورة العادية مدة أخرى لا تزيد عن ثلاثة أشهر.
وتحظر المادة السادسة والثمانون من الدستور الأردني أن يوقف أي نائب أو يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر قرار بالأغلبية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو محاكمته.
وقال أحد النواب الذين طلب القضاء الأردني رفع الحصانة عنهم إن غالبية النواب توجد ضدهم في المحاكم قضايا مالية، كما أن منهم من رفع ضده قضايا كيدية الهدف منها تشويه سمعة النائب، خاصة مع اقتراب انتهاء عمر المجلس الحالي وإجراء انتخابات نيابية جديدة.
وأضاف النائب الذي تحفظ عن ذكر اسمه في حديثه مع موقع “سرايا” المحلي أنه قبل وصول قضية رفع الحصانة إلى اللجنة القانونية النيابية وعرض الموضوع تحت القبة لتصويت النواب عليه قد ينهي النائب القضية المرفوعة ضده أمام القضاء خاصة إن كانت تلك القضية مالية.
ونادرا ما يتخذ البرلمان الأردني بغرفتيه النواب أو الأعيان قرارا برفع الحصانة عن أعضائه إلا في قضايا كبرى، على غرار قضية النائب عماد العدوان الذي تم سحب الحصانة البرلمانية منه في مايو الماضي، بعد توقيفه بمزاعم تهريب الأسلحة والذهب من الأردن إلى الأراضي الفلسطينية.
النواب يبررون رفض رفع الحصانة البرلمانية بأنه يعيق عمل المجلس التشريعي والرقابي، كما أنه يمس من هيبته
وكانت قضية العدوان شهدت تفاعلا واسعا بعد إلقاء السلطات الإسرائيلية القبض عليه في الثاني والعشرين من أبريل الماضي. ونشرت آنذاك وسائل إعلام إسرائيلية مقاطع فيديو تظهر أنواعا من الأسلحة وكميات من الذهب، قالت إن سلطات الجمارك ضبطتها مع العدوان أثناء محاولة تهريبها عبر المعبر بين البلدين.
وتعد الحصانة البرلمانية تعطيلا لنصوص القوانين الجزائية في ما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها النائب أثناء انعقاد المجلس وإمكانية ملاحقته عنها.
ويتعامل المشرع الأردني معها على أنها حصانة مؤقتة تطبق فقط خلال الفترة التي يكون فيها البرلمان منعقدا، ويستثنى من تطبيقها في حالة القبض على النائب متلبسا بارتكاب جريمة جنائية.
ويرى نواب أردنيون أن مسألة الحصانة تنطوي على نوع من الحماية لعضو مجلس النواب، ليتمكن من القيام بدوره الرقابي والتشريعي.
وتعتبر النائبة ميادة إبراهيم شريم أن “وجود الحصانة لا يعني أبدا أن النائب لا يُحاسب إذا ارتكب أي جرم، في هذه الحالة لن يتغاضى عنه المجلس، هنا يبدأ الإجراء بقرار الأغلبية النيابية بإيقافه، ومن ثم تتم مُحاسبته قانونيا”.
وتقول شريم إنه “في حال أزيلت الحصانة عن النائب فإن هذا من شأنه أن يُفعّل الشكاوى الكيدية التي بالتأكيد ستحول بين عمل النائب وقيامه بعمله الرقابي والتشريعي، وأي شكوى مهما كانت بسيطة سيترتب عليها تعطيل أعماله، وأي ادعاء بسيط أو كيدي سيحتاج إجراءات قانونية توقفه عن العمل”.
من جهتها ترى صباح الشعار أن “أي حديث عن رفع الحصانة عن النائب والعين لغايات المحاكمة خلال انعقاد المجلس يهدف إلى تقزيم مجلس الأمة”.
وفي حديث سابق أدلت به لوكالة سبوتنيك الروسية قالت الشعار إن كل برلمانات العالم رفضت دساتيرها رفع الحصانة عن النائب وذلك لتحصينه من القوى السياسية وخصومه، متساءلة “كيف للنائب الأردني التعبير عن رأيه خلال انعقاد الجلسة وهو ينتظر محاكمة قد يستغلها الكثير بحجة إساءة النائب لهم”.