كاتبة تتوج بأهم جائزة أدبية يابانية مستخدمة "تشات جي.بي.تي"

الذكاء الاصطناعي يحضر مرارا في كتاب كودان الذي تدور أحداثه في طوكيو المستقبلية ما أثار جدلا واسعا.
الجمعة 2024/01/19
التقنية قد تهيمن على الجوائز الأدبية

طوكيو - كشفت ري كودان الحائزة على أرقى جائزة أدبية في اليابان أن برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي “تشات جي.بي.تي” تولّى كتابة نحو 5 في المئة من روايتها ذات المناخ المستقبلي، معتبرة أنه ساعدها في إظهار قدراتها في مجال التأليف.

وحصلت رواية كودان الأخيرة “طوكيو – تو دوجو – تو” (برج الرحمة في طوكيو) الأربعاء على جائزة أكوتاغاوا، إذ رأت لجنة التحكيم أنها “تبلغ درجة من الكمال يصعب معها العثور على أي خلل فيها”.

لكن ري كودان (33 عاما) أقرّت خلال احتفال بأنها استخدمت “كل إمكانات الذكاء الاصطناعي لكتابة هذا الكتاب”، موضحة أن “نحو 5 في المئة من الكتاب يتكون من جمل أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي” وأوردتها حرفيا.

ويؤكد عمل الكاتبة أن النصوص الإبداعية الحديثة باتت تساير التطورات التقنية وتتفاعل معها بشكل كبير، إذ استطاع الذكاء الاصطناعي أن يشارك الإنسان في فعل الكتابة الإبداعية شعرا وسردا، تأكيدا على أن أدب الذكاء الاصطناعي يختصر مسافات كبيرة من الوعي الثقافي والعلمي والتجريبي الذي مر بالمؤلف الإنسان.

القلق يزداد في مختلف القطاعات ومنها النشر من أداة الذكاء الاصطناعي التي جرى إطلاقها عام 2022، والتي يمكنها في بضع ثوان إنتاج نصوص على الطلب

ويزداد القلق في مختلف القطاعات ومنها النشر من أداة الذكاء الاصطناعي التي جرى إطلاقها عام 2022، والتي يمكنها في بضع ثوان إنتاج نصوص على الطلب.

ويحضر الذكاء الاصطناعي مرارا في كتاب كودان الذي تدور أحداثه في طوكيو المستقبلية، ويتناول سجنا على شكل برج صممه مهندس معماري منزعج من إفراط المجتمع في التسامح.

وأشارت كودان إلى أنها تجري باستمرار محادثات مع أداة الذكاء الاصطناعي، وتخبره بأفكارها شديدة الخصوصية والتي لا تستطيع “التحدث عنها مع أي شخص آخر”، مضيفة أن ردود “تشات جي.بي.تي” ألهمتها أحيانا حوارات في الرواية.

وأوضحت أنها تريد الحفاظ على “علاقات جيدة” مع الذكاء الاصطناعي و”إطلاق العنان لإبداعه”. ولم تشأ المنظمة المسؤولة عن جائزة أكوتاغاوا التعليق على هذه التصريحات ردا على سؤال حولها.

وانقسمت الآراء على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر البعض أن ما فعلته كودان غير جائز من حيث الأخلاقيات. ولاحظ أحد المستخدمين على إكس أنها “كتبت رواية باستخدام الذكاء الاصطناعي بمهارة”، لكنه تساءل “هل هذه موهبة؟ لا أعرف”. وأشاد آخرون ببراعة الروائية والجهود التي بذلتها خلال حواراتها مع الذكاء الاصطناعي لاستخلاص النصوص.

وتثير الثورة التكنولوجية الحالية الكثير من الآمال والتطلعات، لكن تحيط بها أيضا مخاوف كبيرة، فبينما يقول المؤيدون إن هذه البرامج يمكن أن تقوم بالتشخيصات الطبية وكتابة سيناريوهات وإنشاء ملخصات قانونية وتصحيح الأخطاء البرمجية، فإن أصحاب المهن الفنية والأدبية لا يخفون قلقهم الكبير من توسع هذه البرمجيات التي تهدد وجودهم.

حح

ويثبت انتشار العديد من الأعمال الإبداعية التي ساهمت فيها التكنولوجيا أو أنجزت عبرها كاملة أن الذكاء الاصطناعي انتقل فعليا مع برمجيات جديدة إلى طور التأليف والمساهمة في عمل مشترك، بحيث أسهم بقسطه في بناء العالم الأدبي، وأدلى بدلوه فيه، ودشن عهد ما يوصف بـ”الذكاء الاصطناعي المؤلف” الذي يفترض به أن يخرج من قيود التبعية إلى رحابة التأليف، ويتحول من منتَج فكري إلى منتِج للأفكار، وربما المفاهيم والمصطلحات.

لكن الجدل لن يتوقف حول هذا الموضوع خاصة في ما يتعلق بحقوق النشر وأصالة الإبداع البشري، إذ يطرح تحديات كبرى أمام فعل الكتابة، بينما يقر البعض بأن هذه التقنية وغيرها لا يمكن أن تلغي الإنسان المحور الأساسي في الإبداع، وأنه يمكن الاستفادة من التكنولوجيا بشكل عام في تعزيز الفكرة، لا صناعتها.

انتشار العديد من الأعمال الإبداعية التي ساهمت فيها التكنولوجيا أو أنجزت عبرها كاملة يثبت أن الذكاء الاصطناعي انتقل فعليا مع برمجيات جديدة إلى طور التأليف والمساهمة في عمل مشترك

ومع تتويج الكاتبة ري كودان لم يعد الحديث عن الذكاء الاصطناعي المؤلف ضربا من الخيال العلمي أو الأدبي، ألم يحقق العلم المستحيلات، وقد أنجز مبتكرات ساحرة ساهمت في الارتقاء بالحياة، بالموازاة مع المخترعات التي تسبب الخراب والدمار والموت، ولاسيما الأسلحة التي يتم تطويرها لتفتك بالبشر والحياة على سطح الكوكب الأرضي. لذا فللأمر وجهان: سلبي مدمر لمهنة الكاتب وإيجابي يسهل عملية الكتابة.

ولكن يطمئن الكثيرون عشاق الأدب والأدباء بأن التطورات الحاصلة قد تمكن الذكاء الاصطناعي من أن يكون محررا للأخبار، أو جامعا للمعلومات، أو حتى مؤلفا ومصمم كتب، لكنهم ينفون أنه بمقدوره أن يسلب الإنسان دوره في الإبداع، لأنه نتاج إبداع الإنسان نفسه، ويكون التحديث عبارة عن تطوير للخوارزميات، لكن الروح تبقى السر الأعظم الذي لا يمكن بثه في الأجهزة الذكية، ولا يمكن لها عيش الأحاسيس بمعناها الحقيقي، ومشاعرها الصادقة، لا تلك التي تبرمج وترسم لها.

وتتوافر كتب أُدرج عليها اسم “تشات جي.بي.تي” كمؤلف مشارك للبيع من خلال خدمة النشر الذاتي للكتب الإلكترونية في “أمازون”، لكنها تُعتبر عموما ذات نوعية رديئة. واعتبر الكاتب البريطاني سلمان رشدي في نهاية عام 2023 أن نصا قصيرا أُنشئ بأسلوبه بواسطة الذكاء الاصطناعي غير صالح “وينبغي رميه”.

كذلك تقدّم عدد من الكتّاب من بينهم جورج آر آر مارتن (كتاب “غايم أوف ثرونز”) بدعاوى ضد شركة “أوبن أي.آي” الناشئة في كاليفورنيا، مبتكرة “تشات جي.بي.تي”، تتهمها بانتهاك حقوق النشر الخاصة بهم.

12