السعودية تبحث عن نقطة التوازن في سوق النفط المتقلبة

اعتبر محللون ومصادر في قطاع النفط أن خفض السعودية لأسعار بيع الخام إلى آسيا يعكس ضعف أساسيات العرض والطلب، ولا يشير إلى تحول في سياسة أوبك+ أو إلى صراع على حصص في السوق، لكنه يعيد إلى الأذهان تجارب سابقة لم تحقق أهدافها.
الرياض - خفضت السعودية في السابع من يناير الجاري سعر البيع الرسمي للخام العربي الخفيف لشهر فبراير إلى آسيا، أكبر سوق للبلد، إلى أدنى مستوى في 27 شهرا.
وأثارت الخطوة مخاوف في السوق بشأن الطلب في المنطقة والعالم، وأدت إلى انخفاض العقود الآجلة لخام برنت ثلاثة في المئة بعد يوم من القرار.
وأحيا تعديل الأسعار بالنسبة إلى بعض المراقبين ذكريات تحول السياسة السعودية خلال مارس 2020 ونوفمبر 2014 عندما خفضت الأسعار ورفعت الإنتاج في محاولة لزيادة حصتها في السوق.
وذكر محللون ومصادر في القطاع أن الخفض هذه المرة جعل سعر الخام السعودي متماشيا مع نظيره من المنتجين الآخرين.
وظلت السعودية أكبر منتجي منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ترفع السعر على مدى خمسة أشهر متتالية حتى نوفمبر الماضي.
وقالت حليمة كروفت، من شركة آر.بي.سي لأسواق رأس المال، لرويترز “لا نرى الخفض الأخير مؤشرا على تحول وشيك”.
لكنها أشارت إلى أنه يُبقي في المقابل الأسعار متماشية إلى حد كبير مع أنواع الخام العالمية الأخرى، ما يعكس ضعف سوق النفط.
وارتفعت إمدادات الخام لأن زيادة الإنتاج من دول ليست أعضاء في أوبك، مثل البرازيل والولايات المتحدة، حدت من تأثير خفض السعودية وحلفائها في أوبك للإنتاج.
وتعمل الإمارات على زيادة صادرات خام مربان الرئيسي لأبوظبي منذ بداية 2024، مما عزز الإنتاج الزائد لأنواع أخرى من الخام الخفيف منخفض الكبريت من دول تشمل نيجيريا والولايات المتحدة والبرازيل وأنغولا التي انسحبت من أوبك في بداية 2024.
وتظهر بيانات كبلر أن شحنات الخام من إيران، المعفاة من خفض أوبك للإنتاج، بلغت مليون برميل يوميا في المتوسط إلى آسيا خلال ديسمبر الماضي بما يعادل ثلاثة أمثال معدل الشهر نفسه من العام السابق.
وقال غاري روس، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك غولد إنفستورز، إن “خفض السعودية للأسعار جاء استجابة لتغيرات السوق مثل انخفاض علاوة العرض الفوري لخام التسليم في وقت لاحق وضعف هوامش التكرير”.
800
ألف برميل يوميا تقديرات ارتفاع الطلب العالمي خلال عام 2024، وفق منظمة أوبك
وأضاف روس وهو مراقب مخضرم لأوبك “إنهم بحاجة إلى تحسين القدرة التنافسية”.
وذكر مراقب آخر لأوبك، طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالحديث علنا، لرويترز أن من الخطأ اعتبار خفض الأسعار مؤشرا على صراع وشيك على حصص في السوق. وقال إن “الأسعار عادت إلى مستوياتها الطبيعية بعد أن كانت مبالغا فيها”.
وسيجري تحالف أوبك+، الذي يضم أوبك وحلفاءها، خفضا إضافيا للإنتاج في الربع الأول من عام 2024 ليصل إجمالي كمية الخفض إلى حوالي ستة ملايين برميل يوميا، وستجتمع لجنة من الوزراء في الأول من فبراير المقبل لمراجعة السوق.
وتواصل الأسواق مراقبة الوضع في البحر الأحمر بالتزامن مع قلق المستثمرين من خطر اضطراب الإمدادات حتى مع تحويل ناقلات النفط مسارها بعيدا عن الممر المائي.
وعلقت شركة النفط البريطانية الكبرى شل الشحنات عبر البحر الأحمر بعد بدء الضربات الأميركية والبريطانية، لكن شركة شيفرون الأميركية المنتجة أبقت على مساراتها في الممر.
واستبعد مصدر في التحالف النفطي أن يغير الأعضاء خلال الاجتماع المرتقب السياسة المتبعة حتى مع الضبابية، التي تكتنف آفاق الأسواق بسبب توترات البحر الأحمر.
وانتهى العمل باتفاق أوبك+ في مارس 2020 بعد أن رفضت روسيا تأييد زيادة خفض إنتاج النفط للتعامل مع تأثير كوفيد – 19 على الطلب. وردت السعودية على رفض حليفتها بزيادة إنتاجها وخفض أسعار البيع الرسمية.
وخفضت السعودية الأسعار في ذلك الوقت أكثر مما حدث في مطلع يناير؛ فقد خفضت سعر البيع الرسمي إلى آسيا في أبريل 2020 ستة دولارات للبرميل، ما أدى إلى انخفاض الأسعار العالمية، وزادت خفض الأسعار بواقع 4.2 دولار للبرميل في مايو.
وأدى التحول في سياسة السعودية خلال نوفمبر 2014، استجابة لطفرة في إنتاج النفط الصخري الأميركي، إلى انخفاض الأسعار لأقل من 50 دولارا للبرميل ووفرة في المعروض العالمي لعامين، والتي لم تنته إلا بعد تشكيل أوبك+ في أواخر 2016 والبدء بخفض الإنتاج.
وقلل مندوبون في أوبك من أهمية مسألة الحصص في السوق، مستشهدين بوجهة نظر المنظمة التي تعتبر أن نمو المعروض من دول ليست أعضاء في أوبك سيتباطأ وأن حصة الأعضاء في السوق ستتعافى مع مواصلة الاستثمار في الطاقة الإنتاجية.
وتوقعت أوبك ارتفاع الطلب العالمي على نفطها خلال 2024 بمقدار 800 ألف برميل يوميا مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى 28.5 مليون برميل يوميا، بدعم من نمو الاقتصاد العالمي.
واستبعدت في تقريرها الشهري الذي أصدرته الأربعاء أن تؤدي التطورات السياسية والجيوسياسية إلى تغيير كبير وملموس في زخم النمو.
وقالت المنظمة إنه “بناء على التوقعات الأولية للطلب العالمي وتوقعات المعروض من خارج أوبك لعام 2025، فإنه يُتوقع أن يواصل الطلب على خام المنظمة ارتفاعه بمقدار 500 ألف برميل يوميا في العام المقبل، ليصل إلى 29 مليون برميل يوميا”.
ومع تركيز معظم دول العالم على التحول إلى الطاقة منخفضة الكربون، أكد مسؤولون تنفيذيون غربيون في شركات نفط أن الفشل في الاستثمار في التنقيب سيؤدي إلى نقص في النفط على المدى المتوسط.
وقالت كروفت إن “من الصعب رؤية كيف أن العودة إلى حرب الحصص ستؤدي إلى تحسين الأوضاع المالية في السعودية لعام 2024، لأنها ستحتاج إلى خفض الأسعار على مدى أشهر لإبطاء إنتاج الولايات المتحدة من الخام الصخري”.
وأشارت أيضا إلى أن علاقات السعودية مع روسيا تبدو جيدة. وأردفت قائلة “السعودية قد تختار البقاء في وضع الثبات على اعتبار أنها فعلت ما يكفي لدعم السوق وستواصل السعي إلى زيادة تقاسم الأعباء مع الأعضاء الآخرين”.
وأضافت “غير أن ذلك لا يعني أن الرياض ستفتح أبوابها وتتحمل (انخفاض الأسعار) إلى أقل من 50 دولارا مرة أخرى”.