قطاع التوظيف أمام تحدي التأقلم مع طفرة الذكاء الاصطناعي

واشنطن - أكّدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا أنّ تطوير الذكاء الاصطناعي يثير "مخاوف"، لكنّه يوفر في الوقت ذاته "فرصا رائعة" مع ما شهده الاقتصاد العالمي من "نمو محدود خلال السنوات الأخيرة".
وجاء تعليق جورجييفا خلال مقابلة مع وكالة فرانس برس الاثنين، عقب نشر الصندوق تقريرا يتمحور حول تأثير الذكاء الاصطناعي على مسألتي التوظيف والاقتصاد العالمي، قبل يوم على انطلاق المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
ويتزايد القلق من التأثيرات السلبية التي قد يخلفها تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي على أسواق العمل، ليس فقط من حيث الكم، بل قد يطال جودة الوظائف.
وتحمل التوقعات حول أسواق العمل العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة في طياتها الكثير من التغييرات الجوهرية بالنظر إلى تأثير عالم التكنولوجيا المزدهر على قطاع الأعمال.
وأشار تقرير الصندوق إلى أن نحو 60 في المئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة ستتأثر سلبا بالذكاء الاصطناعي، بينما ستكون عواقب هذه التكنولوجيا أكبر في الدول الأفقر.
ورجحت الدراسة التي نشرت الأحد الماضي، أن يؤثر استخدام الذكاء الاصطناعي بصورة إيجابية على نحو نصف الوظائف المتأثرة، حيث سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية.
وأشارت إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتولى المهام التي يقوم بها البشر حاليا في النصف الآخر من الوظائف المتأثرة، الأمر الذي قد يفضي إلى تراجع عدد الوظائف المتاحة وتراجع الأجور في هذه المجالات.
ويعتقد خبراء الصندوق أن من المرجح أن تتأثر نحو 26 في المئة من الوظائف بشدة بالذكاء الاصطناعي في البلدان منخفضة الدخل، ونحو 40 في المئة من الوظائف في البلدان الناشئة.
لكن معدي الدراسة حذروا من تفاقم عدم المساواة، ففي نفس المجالات، يمكن للعاملين الذين يجيدون التعامل مع الذكاء الاصطناعي الحصول على أجور أعلى، مقارنة بالآخرين الذين لا يجيدون ذلك.
وقالت جورجييفا إن “40 في المئة من الوظائف في العالم ستتأثر بالذكاء الاصطناعي، وستكون الوظائف التي تتطلّب مؤهلات الأكثر تأثّرا”، مضيفة أن “60 في المئة من الوظائف ستتأثر في الاقتصادات المتقدمة وبعض البلدان الناشئة”.
وأشارت أثناء المقابلة في دافوس إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي قد يترجم كذلك بـ”زيادة في الرواتب”. وقد تتسبب هذه التقنية في تعزيز عدم المساواة في الأجور، مع تأثيرها سلبا على الطبقات الوسطى تحديدا، بينما قد يشهد الموظفون الذين يتقاضون أصلا رواتب مرتفعة “زيادة في مدخولهم” تعود إلى زيادة في الإنتاجية تتيحها لهم برمجيات الذكاء الاصطناعي.
وترى جورجييفا أن من المؤكد أنّ الذكاء الاصطناعي سيُحدث تأثيرا، لكن هذا التأثير سيكون مختلفا، فإما تزول الوظيفة التي يمارسها الفرد أو تشهد تحسّنا.
وتساءلت خلال المقابلة قائلة “ماذا ينبغي أن نفعل للمتضررين؟ وكيف نتقاسم المكاسب الخاصة بالإنتاجية؟ وكيف نستعدّ بشكل أفضل؟”.
إلا أنّ صندوق النقد يبدي خشية من أن يساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الفجوة بين البلدان المتقدمة والدول الأخرى التي لن تستفيد بنفس القدر من الابتكارات المستقبلية.
تأثر أسواق العمل بالذكاء الاصطناعي
♦ 60 في المئة من الوظائف بالاقتصادات المتقدمة ستتأثر سلبا
♦ 40 في المئة من الوظائف بالبلدان الناشئة ستتأثر سلبا
♦ 26 في المئة من الوظائف بالبلدان منخفضة الدخل ستتأثر سلبا
وقالت جورجييفا “علينا التحرّك سريعا، لنجعلهم يستفيدون من الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي”، مضيفة أن "المسألة الفعلية تصبح في تحييد المخاوف المرتبطة بهذه التكنولوجيا والتركيز على كيفية تحقيق أفضل فائدة للجميع".
وتابعت "نحن في أمس الحاجة إلى عناصر قادرة على تعزيز الإنتاجية، في ظل تباطؤ وتيرة النمو العالمي".
ودعت مديرة الصندوق الدول إلى بذل جهود في ما يخص الميزانية، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة والحجم الكبير للديون. وتُعدّ هذه الجهود ضرورية لمواجهة ما شهدته السنوات الأخيرة بدءا من الجائحة وصولا إلى الحرب في أوكرانيا والتضخم الحاد.
وقالت إن "مشكلة الديون أصبحت خطرة في بعض البلدان التي إما باتت عاجزة عن سداد ديونها أو تضطر إلى إنفاق نسبة كبيرة من عائداتها لخدمة الديون"، وهو ما يحدّ من قدرتها على الاستثمار وتمويل الخدمات الأساسية.
وتابعت "حتى لو أنّ خدمة الديون (التكلفة السنوية لتسديد مبلغ مقترض مع الفوائد) ارتفعت في كل البلاد”، فإن المستوى الذي يُسجل "يبقى قابلا للإدارة في دول كثيرة تصرّف عدد كبير منها بحكمة وعدّل هيكل ديونه".
وأشارت إلى ضرورة أن "تعيد الدول تكوين احتياطيات ميزانياتها"، لأنّ عليها أن تكون "مستعدة بصورة مستمرة لمواجهة كل تطوّر غير متوقّع".
وأوضحت جورجييفا أن هذه الخطوة تتطلّب هامشا في المالية العامة، وهو ما لم تعد تتمتع به دول كثيرة بعد ثلاث سنوات من الأزمات المتكررة.
كما لفتت إلى أنّ السياسة المالية التوسعية من شأنها أن تلغي تأثيرات السياسة النقدية، من أجل إعادة التضخم إلى مستويات أكثر قبولا، وهو ما سيتسبب في إطالة الوقت اللازم لتحقيق هذا الهدف.
وتطرقت إلى عامل آخر يتمثل في الانتخابات، وقالت "ستنظّم نحو 80 دولة عمليات انتخابية سنة 2024، وندرك ما الذي تشهد الانتخابات من ضغوط مرتبطة بالإنفاق مثلا".
وشددت جورجييفا التي تنتهي ولايتها في نهاية سبتمبر المقبل، على أن "هذا العام سيكون صعبا"، وتابعت "علينا أن نكون مستعدين لأي تقلبات مقبلة".