سقطات النواب ترسخ الصورة السلبية عن البرلمان المصري

أحدثت واقعة اعتداء نائبة عن حزب الوفد المصري على عضو في لجنة لمراقبة الامتحانات بعد ضبطها في حالة غش، ضجة كبيرة، خصوصا وأنها ليست المرة الأولى التي يتورط فيها نائب في البرلمان المصري في سقطة تستفز المصريين.
القاهرة - تصدرت واقعة الغش التي تورطت فيها نائبة بالبرلمان المصري أثناء أدائها الامتحانات الجامعية، النقاشات في دوائر سياسية متعددة، لاسيما وأن الحادثة أثارت انتقادات شعبية واسعة للبرلمان وأعضائه.
وتأتي الواقعة لترسخ صورة سلبية للبرلمان المصري في أعين قطاعات شعبية ترى أن المؤسسة التشريعية لم تقم بالدور المطلوب منها لحمايتهم من إجراءات اتخذتها الحكومة الفترة الماضية، وارتبطت برفع أسعار الخدمات العامة.
ولم يصدر عن البرلمان المصري تعليق عن الواقعة التي تورطت فيها النائبة عن حزب الوفد نشوى رائف، بعد أن اتخذت جامعة جنوب الوادي (جنوب مصر) قرارا بحقها يقضي بحرمانها من امتحانات الفرق الثالثة بكلية الحقوق نتيجة ضبطها وهي تغش باستخدام سماعة بالأذن واعتدائها بالضرب على عضو مراقب داخل اللجنة.
وحررت الجامعة المصرية محضرا بالواقعة التي تداولها مواطنون على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، ورأوا أنها تعبر عن واقع حزبي مترد بعد أن فشلت غالبية الأحزاب في أن تقنع الرأي العام بجدوى وجودها على الساحة.
وقررت محكمة القضاء الإداري بقنا، الخميس، إحالة الدعوى المقامة من النائبة لوقف حرمانها من استكمال الامتحانات إلى مفوضي الدولة لكتابة التقرير الخاص بالدعوى.
وطالت البرلمان اتهامات بأنه شريك في أزمات معيشية عدة يتعرض لها المواطنون مع غياب دوره التشريعي والرقابي واختفائه تقريبا من المشهد السياسي.
وحصلت النائبة من قبل على الدكتوراه وتنتسب لكلية الحقوق، وهي نائبة عن دائرة البداري بمحافظة أسيوط (جنوب مصر) ووصلت إلى البرلمان بعد نجاحها في الانتخابات السابقة، وهي عضو في لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب. ووقع عدد من النواب في البرلمان المصري في زلات وسقطات خلال الفترة الماضية، وصبت واقعة النائبة – الطالبة المزيد من الزيت على التململ الشعبي من البرلمان بغرفتيه مجلس النواب والشيوخ بعد أن غابت قضايا عدة تشغل الرأي العام عن نقاشاته.
ويعتقد البعض من المراقبين أن الرحيل المتوقع للحكومة يجب أن تواكبه ثورة موازية في الأحزاب بما يسهم في تنشيط الممارسة السياسية وتحفيزها على القيام بدورها.
وتسبب تراجع دور البرلمان في حالة من الانفصال بين النواب ودوائرهم ونشوب اعتداءات تعرض لها نواب من مواطنين رأوا أنهم غير جديرين برعاية مصالحهم.
عدم الاشتباك الحقيقي من جانب البرلمان مع قضايا المواطنين ينطوي على خطورة بالغة على مستقبل العمل السياسي
وتشير معلومات وصلت “العرب” إلى وجود مشروع قانون سيتم تقديمه للبرلمان الفترة المقبلة يتضمن تعديلا على قانون الانتخابات، وسط ترجيحات بتقليص نسبة القائمة المغلقة المطلقة والاستجابة لأحد مقترحات الحوار الوطني أن تكون الانتخابات بنسبة 25 في المئة للقائمة النسبية المفتوحة، و25 في المئة للقائمة المغلقة و50 في المئة للمقاعد الفردية، ما يحقق قدرا من مطالب القوى السياسية.
وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن المشهد المصري يغيب عنه دور نائب البرلمان الذي يجب أن يكون أعلى مستوى في الهيكل السياسي وأن يكون النائب ذا صفة ورؤية وموقف وتاريخ قوي، وهو أمر غاب عن أذهان الأحزاب التي تبحث عن دخول البرلمان بأي شكل دون أن تملك كوادر تستطيع تمثيلها والدفاع عن مصالح المواطنين.
وأوضح أسعد في تصريح لـ”العرب” أن عورات النظام الانتخابي تلعب دورا في ضعف أداء البرلمان بعد أن أضحى الوصول إليه يرتبط بالقدرة المالية وليس السياسية، وأن الأحزاب اعتمدت في اختياراتها للمرشحين على قدراتهم المادية وجرى إسقاط النواحي السياسية بشكل متعمد.
وينطبق هذا الأمر على كل الأحزاب، بما فيها المعارضة، وفي ظل الواقع الاقتصادي الصعب ومعاناة المواطنين فالغالبية على قناعة بأن هذه الأموال غير شرعية ويتم إنفاقها لخدمة مصالح النواب الشخصية، ما أفرز صورة مشوهة لأعضاء البرلمان.
ولم تكن واقعة “نائبة الغش” الوحيدة التي أثارت جدلا الأيام الماضية، حيث كان زميلها بحزب الوفد أيضا والنائب بمجلس الشيوخ عبدالعزيز النحاس، مثار ضجة أخرى بعد أن تداولت صحف محلية صورا لعقد إيجار “ملهى ليلي” يحمل اسمه، وهو ما اعتبره البعض خروجا عن الآداب العامة التي يجب أن يتحلى بها عضو البرلمان. ويؤشر التعامل السلبي لحزب الوفد مع الواقعتين على أن الأزمة تكمن في القيادات الحزبية التي لا تجيد العمل العام، وفي الحالتين لم يتخذ الحزب موقفا حاسما بشأن النائبين، أو يعلن تبرئتهما من التهم المنسوبة إليهما، وبدا كأنه يتابع ما يحدث مثل باقي الهيئات السياسية والقطاعات الشعبية التي استفزتها سلوكيات النواب.
واكتفى رئيس حزب الوفد عبدالسند يمامة بالقول إنه سيفتح تحقيقا في واقعة نائبة الغش وحال ثبوت التهمة سيتخذ قرارا بإسقاط عضويتها، ولم يتطرق إلى أمر عضو مجلس الشيوخ عبدالعزيز النحاس.
وأكد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني كمال زايد في تصريحات لـ”العرب” أن إحداث تغيير في قانون انتخابات البرلمان هو السبيل لتعزيز الممارسة السياسية وتحسين صورة البرلمان، وأن الاستمرار على نظام القائمة المغلقة التي تسمح بوصول نصف عدد النواب بما يشبه التعيين أضر بالحياة السياسية المصرية خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي فظهور هذه الوقائع أمر طبيعي بعد أن تغيرت معادلة ممارسة السياسة والوصول إلى البرلمان.
وذكر زايد أن عدم الاشتباك الحقيقي من جانب البرلمان مع قضايا المواطنين ينطوي على خطورة بالغة على مستقبل العمل السياسي، لأن المواطنين ستضيق بهم سبل الاعتراض على أي تصرفات حكومية صعبة وسط الأوضاع الاقتصادية القاسية، وبدلا من أن يلعب البرلمان دورا لامتصاص غضب الشارع قد يسهم في إشعاله.
ولفت كمال زايد إلى أن الحالة المصرية تشير إلى عدم وجود برلمان حقيقي، والسبب يرجع إلى الممارسات الضعيفة للنواب والأحزاب، وأن تغيير المناخ السياسي بشكل عام والاستفادة من مخرجات الحوار الوطني وتطبيقها هو بادرة أمل تساعد على تحسين الأجواء العامة، مع التأكيد على ضرورة تغيير التركيبة الحالية داخل البرلمان وهي تشكل أحد أوجه الغضب الشعبي من المؤسسة التشريعية.
وتستشعر جهات حكومية خطر استمرار الواقع السياسي على ما هو عليه، وتمت إعادة النظر في بعض قيادات حزب مستقبل وطن، الظهير السياسي للحكومة وصاحب الأغلبية في البرلمان، وجرى تغيير رئيس هيئته السياسية في البرلمان مؤخرا، ما يفتح الباب للنظر في دور عضو البرلمان قبل عام من إجراء الانتخابات التشريعية.