تركيا في سباق لكسر الجمود مع المستثمرين

البنك المركزي يقترب من إنهاء دورة التشديد النقدي.
السبت 2024/01/13
تركيز مشتت في كل الاتجاهات

ينظر محللون بعين الشك في قدرة تركيا على إغراء المستثمرين بالعودة إلى سوقها كون منعطف التحول لسياسة نقدية أخف لا يزال بعيدا عن الوضوح، رغم محاولات المسؤولين إرسال إشارات طمأنة بأن برنامج الإصلاح الاقتصادي يسير وفق المخطط له.

نيويورك - تتطلع تركيا إلى كسر الجمود مع المستثمرين من خلال قيام المسؤولين بجولة ترويج في الأسواق الرئيسية لإقناع أصحاب المصلحة بجدوى سياساتها الاقتصادية والنقدية الجديدة، عقب فوز رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية ثالثة مايو الماضي.

وكشف مصدر مطلع أن البنك المركزي التركي أبلغ المستثمرين خلال اجتماع في نيويورك أن أسعار الفائدة قريبة من المستويات المطلوبة لإنشاء مسار لخفض التضخم، وأن دورة التشديد ستكتمل في أقرب وقت ممكن.

وأوضح المصدر لوكالة بلومبرغ أن المسؤولين الأتراك أكدوا للمستثمرين أنهم لاحظوا تحسنا كبيرا في توقعات التضخم وانخفاضا في الاتجاهات الأساسية، اعتبارا من سبتمبر الماضي.

وقالت محافظ البنك المركزي التركي حفيظة إركان للمستثمرين في الاجتماع في مقر بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان في نيويورك إن “السياسات ناجحة”، لكن “مهمتنا لن تنتهي” حتى يتم تحقيق استقرار الأسعار.

ووفق المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأن الاجتماعات كانت مغلقة أمام الصحافة، فإن إركان ناقشت جهود البنك المركزي في تجميع الاحتياطيات وزيادة حصة الودائع بالليرة في الجهاز المصرفي.

حفيظة إركان: سياساتنا ناجحة ومهمتنا لن تتوقف حتى يتحقق الاستقرار
حفيظة إركان: سياساتنا ناجحة ومهمتنا لن تتوقف حتى يتحقق الاستقرار

وتأتي هذه التصريحات كمحاولة من كبار المسؤولين الاقتصاديين في تركيا لإقناع المستثمرين بالعودة إلى الأصول التركية، بعد إصلاح السياسة من قبل أردوغان.

وذكر المصدر أن إركان ونائب المحافظ جودت أكجاي تحدثوا مع المستثمرين شخصيا، بينما تحدث وزير المالية محمد شيمشك عبر جلسة عبر الإنترنت.

وتعوّل تركيا على إركان، المصرفية السابقة في وول ستريت، وشيمشك، الخبير الإستراتيجي السابق في ميريل لينش، لمعرفتهما الكبيرة بحالة السوق الأميركية وبمزاج المستثمرين في الولايات المتحدة من أجل رسم صورة وردية للاقتصاد التركي.

ومع ذلك، أشار المستثمرون خلال الاجتماع إلى مخاوف تشمل ارتفاع تكاليف التحوط من مخاطر العملة التركية المنهارة، وما إذا كانت سياسات الفريق الاقتصادي ستستمر كعوامل تمنع المزيد من التخصيص للأصول التركية.

وتراجعت الليرة إلى مستوى قياسي يتجاوز 30 مقابل الدولار، لتصل إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، قبيل انطلاق فعالية “يوم المستثمر” الخاصة بالبنك المركزي في نيويورك.

وتراهن مجموعة واسعة من المستثمرين الكبار، بما في ذلك دويتشه بنك وجي.بي مورغان، على حدوث تحول في السندات التركية خلال العام الحالي.

وقال جي.بي مورغان الخميس الماضي، في تقرير إنه “يجب على المستثمرين إما الانتظار حتى ترتفع العائدات التركية أو انخفاض التضخم قبل التفكير في الاستثمار في سندات الليرة”.

وشكل 2023 عاما آخر متقلبا بالنسبة للأصول التركية، بعدما تأثرت بالانتخابات الرئاسية ثم الارتفاع السريع في الفائدة لمكافحة التضخم، وسط ترقب المستثمرين الذين يريدون معرفة ما إذا كانت السياسة ستستمر وما سيجلبه العام المقبل لهم.

وتحقق الجهود المبذولة لجذب المستثمرين المحبطين إلى السوق التركية تقدما بطيئا، وفقا لوثيقة نشرها بنك أوف أميركا في أكتوبر الماضي، والتي تكشف ردود أفعال أصحاب الأعمال عقب اجتماعات خاصة عُقدت مع شيمشك في لندن في ذلك الشهر.

وتوجز الوثيقة انطباعات 23 مؤسسة استثمارية، بما في ذلك شركة عالمية تدير أصولا بقيمة 4 تريليونات دولار وصناديق تحوط أميركية وبريطانية، فضلا عن صندوق ثروة سيادي آسيوي يبلغ حجمه 700 مليار دولار.

وأشار المستثمرون إلى حجم التحديات التي تواجه الاقتصاد التركي، ومخاوف مستمرة بشأن التحولات السياسية، فضلا عن الشكوك حول كفاية الصلاحيات لدى الحكومة للقيام بهذه المهمة الشاقة.

وبعد سنوات من الدعوة إلى خفض الفائدة للسيطرة على أسعار الاستهلاك، قام أردوغان بتعيين فريق اقتصادي جديد في يونيو الماضي مليئا بأسماء صديقة للسوق وعدت بالعودة إلى سياسات أكثر تقليدية.

وأثارت تلك التعيينات تفاؤلا اجتاح الأسواق التركية. وارتفعت السندات والأسهم الدولارية، في حين انخفضت سندات مقايضة العجز الائتماني، وهي مقياس رئيسي لمخاطر الدولة، بأكثر من 250 نقطة أساس.

يجب انتظار ارتفاع العائدات أو انخفاض التضخم قبل الاستثمار في سندات الليرة
يجب انتظار ارتفاع العائدات أو انخفاض التضخم قبل الاستثمار في سندات الليرة

وعلى مدى العقد الماضي، انخفض حجم التدفقات الأجنبية في سوق الأسهم والسندات التركية بواقع 85 في المئة، من أكثر من 150 مليار دولار في 2013 إلى أكثر بقليل من 20 مليار دولار حاليا.

كما انخفضت رؤوس الأموال المباشرة، إذ يملك المستثمرون الأجانب الآن نحو 30 في المئة فقط من الأصول التركية مقارنة بمتوسط بلغ 60 في المئة على مدار العقدين الماضيين.

ووفقا لبيانات من تاكاسبانك، التي تتولى أعمال المقاصة، فإن الملكية الأجنبية في سوق السندات التركية تقترب من واحد في المئة بانخفاض من 28 في المئة قبل عشر سنوات.

ومنذ 2003 جذبت تركيا استثمارات بقيمة 250 مليار دولار، 68 في المئة منها من أوروبا و8 في المئة من الولايات المتحدة و7 في المئة من دول الخليج و14 في المئة من آسيا.

وبينما تكاد تكون الليرة غير قابلة للتداول خارج البلاد، باتت تركيا، العضو بمجموعة العشرين، وأكبر اقتصاد ناشئ في العالم، سوقا يهيمن عليه لاعبون محليون.

وتتطلع أنقرة إلى أن تقوم دول الخليج باستثمارات مباشرة بنحو 10 مليارات دولار مبدئيا في أصول محلية كجزء من محاولاتها لترميم علاقاتها مع المنطقة، وفي الوقت ذاته حصول اقتصادها على جرعة أوكسيجين.

وفي يوليو الماضي، زار أردوغان السعودية والإمارات وقطر بداية لحشد التمويل الأجنبي الذي سيعزز اقتصاد بلاده أملا في إعادة ضبط المؤشرات بعد إعادة انتخابه في مايو الماضي.

وكانت إركان قد جادلت في السابق بأنه يجب على المستثمرين شراء السندات المحلية على أساس أن التضخم والسياسة النقدية من المرجح أن يكونا أكثر “اعتدالا” في نهاية هذا العام.

وتتمتع تركيا بأعلى عائدات من العملة المحلية بين الدول النامية الكبرى، وفقًا لمؤشر بلومبرغ لحكومات العملة المحلية للأسواق الناشئة، والذي يتتبع 18 دولة بما في ذلك الصين والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا.

ورفع البنك المركزي بقيادة إركان سعر الفائدة القياسي إلى 42.5 في المئة من 8.5 في المئة منذ تعيينها العام الماضي. وتسارع معدل التضخم إلى 65 في المئة على أساس سنوي الشهر الماضي، وهو مستوى أقل من توقعات وضعها البنك المركزي.

وأنهى مؤشر أسعار الاستهلاك العام الماضي بارتفاع يسير به في اتجاه التسارع حتى يتجاوز مستوى 70 في المئة المتوقع بحلول مايو المقبل مع ظهور مخاطر جديدة، على أن يبدأ في التباطؤ خلال النصف الثاني من 2023.

11