مكاسب سعودية مضاعفة مع مساعي جذب عمالقة التكنولوجيا

بدأت السعودية تجني مكاسب سياسة نقل المقرات مع مستهل العام الجديد إثر افتتاح عمالقة التكنولوجيا مكاتب لهم بالبلاد بعد سباق بين شركات عالمية وازنة للظفر بفرصة يرى خبراء أنها اختبار لمدى استعدادها للامتثال لمبادرات البلد والمشاركة فيها بقوة.
الرياض - نجحت مساعي السعودية لتصبح مركزا لكل شيء بدءا من الرياضة والسياحة إلى الأعمال والتجارة، واجتذبت موجة جديدة من عمالقة التكنولوجيا في العالم في الفترة الأخيرة.
ويتسارع سباق الشركات العالمية نحو السوق السعودية باعتبارها أحد الوجهات المطلوبة في المنطقة ضمن سياسة نقل المقرات التي يراهن عليها البلد للمنافسة إقليما، وترجمة وعود رؤية 2030 لتحويل الرياض إلى أبرز مركز للأعمال في الشرق الأوسط.
وباشرت شركات عالمية مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت في تعزيز وجودها بالسوق السعودية، وسط إعلان الحكومة عن أنها ستوقف منح العقود للشركات الدولية التي لا تعتمد العاصمة مركزا إقليميا لها.
وحصلت هذه الشركات على تراخيص مقر خاصة من السلطات السعودية بهدف إنشاء مقر رئيسي إقليمي لها في الرياض قبل الموعد النهائي للامتثال لهذا الإجراء الذي حددته الحكومة في الأول من يناير 2024.
ولم يكن الأمر يقتصر على شركات التكنولوجيا فقط، فقد كانت ثمة موجة من النشاط قرب نهاية 2023، حيث تتطلع الشركات الكبرى إلى إنشاء مقرات رئيسية محلية. ومن بين التي حصلت مؤخرا على مثل هذه التراخيص أيرباص وأوراكل وفايزر.
وتحاول السعودية اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة بالمليارات من الدولارات، وقدمت حوافز للشركات العالمية لإقامة مقرات إقليمية في المنطقة بما قد يتحدى الهيمنة التجارية للإمارات في المنطقة.
وفي فبراير 2021، أعلنت السلطات عن قواعد جديدة لحصول الشركات على عقود حكومية، بهدف الحدّ من “التسرب الاقتصادي”، وهو مصطلح يُستخدم لوصف الإنفاق الذي يذهب لصالح الشركات التي ليس لها تواجد جوهري في البلاد.
ويشمل ذلك أيّ تعاقدات مع الهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة أو أحد أجهزتها، لكنها أصدرت استثناءات مؤخرا، منها العقود التي لا تتجاوز تكلفتها التقديرية مبلغ مليون ريال أو التي تنفّذ خارج السعودية.
ومن بين الاستثناءات عدم وجود أكثر من متنافس مؤهل من غير الشركات التي ليس لها مقر إقليمي في البلاد لتنفيذ الأعمال أو تأمين المشتريات المطلوبة، أو وجود حالة طارئة لا يمكن التعامل معها إلا من خلال دعوة الشركات التي ليس لها مقر إقليمي.
ويحتل ضبط إنفاق المليارات من الدولارات من قبل الحكومة والمواطنين والتي تغادر البلاد كل عام حيّزا مهما من الأجندة الاقتصادية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ويعتزم المسؤولون الحكوميون أيضا التوقف عن منح العقود للشركات الدولية التي ليس لها حضور فعلي في البلاد، وتعتمد فقط على الرحلات المكوكية لمدرائها التنفيذيين.
وكجزء من رؤيته لتعزيز الاقتصاد وجذب الاستثمار الدولي، ألغى الأمير محمد بن سلمان الإجراءات المفروضة على قيادة المرأة للسيارة، وخفف القيود المتعلقة بالاختلاط بين الجنسين، وإقامة الفعاليات الترفيهية.
15
موظفا هو الحد الأدنى للقوة العاملة في كل مكتب للشركات الأجنبية التي تعمل بالبلاد
لكن محدودية خيارات الترفيه، والقوانين الخاصة بمنع الكحول، تجعل بعض المدراء التنفيذيين الأجانب مترددين في الانتقال إلى البلاد.
ورغم ذلك، فإن مكانة أكبر منتج ومصدر في أوبك كأكبر اقتصاد في المنطقة، وسط خطط لاستثمار التريليونات من الدولارات لتصبح وجهة سياحية وتجارية عالمية، دفعت العديد من الشركات متعددة الجنسيات لإعادة التفكير بكيفية إدارة أعمالها في الشرق الأوسط.
ويعد سعي الرياض لجذب المقرات الإقليمية للشركات بمثابة خطوة تنافسية مع دبي، التي تمثل مركز أعمال بارز في الشرق الأوسط، ولطالما حظيت بالأفضلية من قِبل الشركات متعددة الجنسيات بسبب نمط حياتها والضرائب المنخفضة وسهولة التحرك.
وتقليديا، تدير العديد من الشركات العالمية عملياتها بالشرق الأوسط من مكاتب في دبي، وتحتفظ بمكاتب فرعية في مدن مثل الرياض، أو الدمام القريبة من المقر الرئيسي لشركة النفط أرامكو.
ومن غير الواضح ما الذي يعنيه اعتماد الشركات الرياض مقرا إقليميا رئيسيا بالنسبة إلى باقي عملياتها بأسواق المنطقة الأُخرى.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن مايكروسوفت قولها في بيان إن السعودية جزء من منطقة أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا “وضمن هذه المنطقة المتنوعة، لدينا عدد من المقرات الرئيسية، بما في ذلك مقر في السعودية”.
وبينما أفاد عملاق محركات البحث غوغل المملوك لمجموعة ألفابت أنه يتواصل مع السلطات المعنية بشأن المتطلبات، أكدت شركة تصنيع الطائرات الأوروبية أيرباص أن حضورها في السوق السعودية يتماشى مع القواعد التنظيمية للبلاد.
اقرأ أيضاً:
وبموجب هذه القواعد، يمكن للشركات الحصول على رخصة مقر إقليمي رئيسي إذا اتخذت الرياض مركزا ضمن معايير متعددة، من ضمنها ألا يقل عدد الموظفين بالمركز عن 15، وأن يكون بلدان آخران تابعان له.
في المقابل، تقدم الحكومة حوافز ضريبية وإعفاءات من اللوائح الخاصة بتوظيف السعوديين وذلك لتحقيق هدف توطين الوظائف لامتصاص البطالة بحلول 2030 لتصل إلى 7 في المئة.
وكانت السلطات قد أعلنت في ديسمبر الماضي أنها ستمنح إعفاء ضريبيا مدته 30 عاما للشركات التي لديها ترخيص مقر إقليمي من فئة محددة.
وقال وزير المالية محمد الجدعان حينها إنّ “الإعفاءات الضريبية الجديدة، الممنوحة على أنشطة المقرّ الإقليمي، ستمنح المقرّات الإقليمية للشركات العالمية في المملكة المزيد من وضوح الرؤية والاستقرار”.
وأوضح الجدعان أن هذا الأمر سيُعزز قدرات الشركات “على التخطيط المستقبلي، المتعلّق بتوسيع أعمالها في المنطقة، انطلاقا من المملكة، مع المشاركة، أيضا، في مسيرة التنمية والتحوّل”.
لكن خطة المقرات الإقليمية شابتها حالة من الارتباك بالنسبة إلى الشركات، حيث أشار بعض المسؤولين التنفيذيين إلى أنه من غير الواضح كيفية تطبيق القواعد التنظيمية على أنواع معينة من المؤسسات.
وجادل محللون بشأن الكيانات الحكومية السعودية المشمولة بقيود المشتريات، وما إذا كانت القواعد تؤثر على عمل الشركات التي لديها عقود من كيانات مثل صندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى غيرها من التساؤلات لدى هؤلاء المسؤولين.
وقالت وزارة الاستثمار الشهر الماضي إن “أكثر من 200 شركة حصلت بالفعل على تراخيص المقر الإقليمي الرئيسي، من ضمنها بكتل وبي.دبليو.سي وبيبسي، التي أكدت بالفعل على اتخاذ الرياض مقرا إقليميا لعملياتها”.