مؤتمر بحريني يثير التساؤلات ببحثه في التراث عن حلول للمعضلات البيئية

المبالغة في تحديد أهداف مستقبلية لمؤتمر انعقد في مملكة البحرين حول “التراث الأثري لتقنيات الري وإدارة المياه في العالم الإسلامي” جعلت المشاركين فيه يهوّمون في الخيال، محاولين إيجاد علاقة مستحيلة بين أشغاله ومعالجة التغيرات المناخية والمعضلات البيئية التي أعيت العالم المعاصر بكل ما يمتلكه من مقدرات ووسائل تقنية وعلمية حديثة.
المنامة - أثار مؤتمر تحتضنه مملكة البحرين برعاية ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة تحت عنوان “التراث الأثري لتقنيات الري وإدارة المياه في العالم الإسلامي” اهتمام المراقبين بطرافة مضامينه.
لكنّه بالتوازي مع ذلك أثار استغراب البعض من أهدافه المعلنة ولمبرّرات عقده في المملكة التي لا تمتلك مقدّرات زراعية تذكر ولا تحتوي على موارد مائية تستدعي الاستنجاد بالأساليب التراثية في إدارتها، في ظل وجود الأساليب والتقنيات الحديثة ذات الفاعلية العالية في هذا المجال.
وجاء في تقديم وسائل الإعلام البحرينية للمؤتمر أنّه يركّز “على الطرق التي طورت بها المجتمعات الإسلامية القديمة بنية نقل وإدارة المياه بهدف الاستفادة من إبداعات تلك المجتمعات في إيجاد حلول للتحديات البيئية والمناخية التي تواجهها البشرية في الحاضر والمستقبل”.
وبدا هذا الهدف غير واقعي إلى حدّ بعيد خصوصا وأنّ “التحديات البيئية والمناخية” الوارد ذكرها ضمن تلك الأهداف تحوّلت إلى معضلات كونية يجري تدارسها على أعلى المستويات في مختلف دول العالم بما في ذلك قواه العظمى وتخوض البشرية سباقا ضد الساعة لإيجاد الحلول لها عبر توظيف العلوم والتقنيات الحديثة، ومحاولة تكييف اقتصاديات الدول وأساليب عيش المجتمعات بما يتلاءم مع حماية البيئة ووقف تدهورها السريع.
وبفعل عدم امتلاك مملكة البحرين لموارد مائية سطحية لجأت السلطات حتى مطلع ثمانينات القرن الماضي إلى الاستغلال المفرط لطبقة المياه الجوفية، الأمر الذي أدى إلى تآكل سريع لذلك المخزون المائي غير المتجدّد، وإلى تسرّب مياه البحر لما بقي منه بفعل انخفاض الضغط في المكامن غير المستغلة.
واتّجهت السلطات البحرينية منذ ذلك الحين إلى الاعتماد على تحلية مياه البحر لتوفير المياه الصالحة للشرب وساعدتها على النجاح في ذلك الموارد المالية المتأتية من النفط وقلّة عدد سكان المملكة. كذلك شرعت السلطات منذ سنوات في تنفيذ برنامج لاستغلال مياه الصرف الصحي وبدأت بإنشاء بنيته التحتية.
أما القطاع الزراعي في البحرين فهو قطاع صغير ومحدود المقدّرات بفعل محدودية الموارد المائية وقلّة الأراضي الصالحة للزراعة وطبيعة المناخ الحار والجاف.
وفي ما عدا التمور والأسماك التي تنتج المملكة محليا كميات منها فإنها تعتمد في توفير الغذاء لسكانها بشكل رئيسي على الاستيراد من عدّة وجهات في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وحين طمحت المملكة إلى توطين بعض المشاريع الزراعية وخصوصا في مجال تربية الأحياء البحرية والدواجن والمواشي استدعت الخبرات الدولية الحديثة في المجال وجلبت التقنيات الضرورية من البلدان الأكثر تقدما وتمكّنا في مجالها، ولم تلجأ إلى التراث وفقا لما هو معلن ضمن أهداف المؤتمر المذكور.
وبالاستناد إلى هذه الحقائق رأى منتقدو المؤتمر أنّ عقده يعد بمثابة “ترف ثقافي” لا يساوي الأموال التي رصدت له.
كما لمس هؤلاء وجود مبالغات في مداخلات المشاركين الذين لجأ بعضهم إلى التكلّف مسايرة لمحاور المؤتمر، وخصوصا ما يتعلّق منها بالبعد المستقبلي فيه من خلال تركيزه “على الإمكانيات التي تتضمنها الإبداعات البشرية السابقة في تطوير البنية التحتية لإدارة المياه والتي قد تحمل دروسا للحاضر وتقدم حلولا للمستقبل حيث تواجه البشرية تحديات بيئية وتغيرات مناخية”.
وبحسب منظمي المؤتمر الذي انطلق في السابع من الشهر الجاري ويستمر حتى التاسع منه، فإنه من “خلال دراسة الإنشاءات والبيئات التي نشأت فيها، يتمكن علماء الآثار من إلقاء الضوء على التقنيات التي أدارت بها المجتمعات القديمة موارد المياه واستخداماتها، حيث يمكن لهذه المعرفة أن تساهم بشكل كبير في تحسين الممارسات الحديثة لإدارة المياه، إضافة إلى المساعدة في استخدام التاريخ من أجل تكوين فهم أفضل للعلاقة بين الإنسان والبيئة”.
وقال الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار إنّ المؤتمر “يمثل جسرا يربط بين ماضينا العريق وحاضرنا ومستقبلنا، وخلال أيام إقامته سنعمل على الاستفادة من المعارف الإنسانية القديمة من أجل مواجهة التحديات البيئية والمناخية الراهنة، فنحن نؤمن بأن فهم تراثنا وتقديره يمكن أن يلهمنا لإيجاد حلول مبتكرة تساعد في تحقيق التنمية المستدامة”.
ورأى سلمان المحاري مدير إدارة الآثار والمتاحف بالهيئة أنّ المؤتمر “يأتي متواكبا مع مجموعة من الاكتشافات البحرينية التي تمت في مواقع مختلفة من المملكة خلال الأعوام الماضية، إذ تم اكتشاف قنوات ري وشبكات ممتدة. كما تم مسح الينابيع الطبيعية الموجودة في البحرين ودراسة كل ما يتعلق بالزراعة القديمة، وأماكن تجمع المجتمعات البشرية، وفهم التقنيات التي استخدمت لتوزيع المياه والمنشآت المتعلقة بها”.
واعتبر أن وجود تلك المكتشفات “سوف يساعد على فهم الموجود ومقارنته ببعض الدول الإسلامية”، وأنّ “هذا الفهم سوف يسهم في إحداث تغييرات على المستوى العالمي، فهناك مناطق مختلفة في العالم تعاني من الجفاف وبالمقابل هناك مناطق أخرى تعاني من الفيضانات والسيول، ومن هنا تأتي أهمية فهم عقلية الإنسان القديم والاستفادة منها لفهم الحاضر، وبحث طرق وأساليب يمكن إعادة توجيهها لمواجهة التغيرات المناخية”.
ولم تخل مداخلات المشاركين الأجانب في المؤتمر من مجاملة لإبراز أهميته وخصوصا دوره المستقبلي. وقال تيموثي إنسول من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكسترا في المملكة المتحدة “إن هذا المؤتمر وبتعاون الخبراء من مختلف دول العالم يطرح أهمية العمل من أجل الحد من التغيرات المناخية التي تؤدي بطبيعة الحال إلى شح المياه، ومن هنا تبرز أهمية هذا المؤتمر وتوقيت انعقاده”.
وفي نفس الاتجاه سار الباحث العراقي جعفر الجوذري من جامعة القادسية قائلا إن “انعقاد المؤتمر يأتي في فترة مهمة تواجه فيها المنطقة تحديات مناخية تستوجب إعادة النظر في طريقة استخدام المياه”. وأشار إلى أنّ “علماء التراث يتطلعون إلى الاستعانة بوسائل الماضي لدراسة الحاضر وهي فكرة يتشاركها جميع الحضور في هذا المؤتمر، فالتغير المناخي والتصحر وقلة مصادر المياه تعد مشاكل تتطلب مواجهاتها بمثل هذه المؤتمرات العلمية”.