دبي تستقطب المزيد من أصحاب الثروات في آسيا

حوّل المزيد من أصحاب الثروات في آسيا أنظارهم إلى دبي بهدف تركيز مكاتب لهم وزيادة محافظ أعمالهم، في صورة تعكس حجم الإغراءات التي تقدمها الإمارة لترسيخ مكانتها كأفضل وجهة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جذبا للاستثمارات.
دبي - يتسابق عدد متزايد من مديري الثروات في آسيا لإنشاء مكاتب في دبي مستفيدين من تحسن العلاقات الدبلوماسية بين الصين والشرق الأوسط ويراهنون على زيادة الطلب من المستهلكين من أجل التنويع الجغرافي.
وتمثل الإمارات الغنية بالموارد حلقة وصل بين الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا الوسطى وآسيا، ولطالما كانت دبي، التي تعتبر المركز المالي والتجاري الرئيسي في منطقة الخليج، نقطة جذب للأثرياء في العالم.
وتسعى دبي، انطلاقا من مكانتها المحورية في الشرق الأوسط، إلى جذب المكاتب والشركات العائلية عبر توفير مزايا تشمل التدريب والشهادات المخصصة وهي دفعة عززتها زيادة الثروة لدى كبار رجال الأعمال الذين تركوا أوروبا بعد الحرب في أوكرانيا.
والإمارة في منافسة قوية مع السعودية التي تعمل على سياسة نقل المقرات للشركات الأجنبية إلى عاصمتها الرياض ضمن إستراتيجية التحول الاقتصادي ضمن رؤية 2030.
ويؤكد مديرو الثروات أن دبي تبرز كمركز ثروة مفضل للعديد من رجال الأعمال والأسر الغنية في آسيا، وخاصة الصين، إذ يتطلعون إلى الاستفادة من السياسات المؤاتية وتوسيع أعمالهم.
ويتوقع تشينغ بان، المدير المالي لشركة نوح القابضة، وهي واحدة من أكبر شركات إدارة الثروات في الصين والتي تشرف على 23 مليار دولار من الأصول، الحصول على رخصة تجارية في دبي بحلول نهاية هذا العام.
وقال لرويترز إن “مكتب دبي سيخدم رجال الأعمال الصينيين الذين يؤسسون أعمالهم في هذا السوق”.
وأوضح أن إستراتيجية نوح هي تتبع نمو ثروات الزبائن، ولهذا السبب “سيتعين علينا أن نكون هناك ونعتني بالثروات المولدة محليا”.
ولزيادة أعمالها تركز الشركة لإرسال بعض الموظفين من الصين أولا وتعيين موظفين محليين في وقت لاحق إلى دبي.
وتابع بان “يبحث العديد من رواد الأعمال الصينيين عن أسواق جديدة وتنويع سلاسل التوريد الخاصة بهم، والعديد منهم متحمسون للفرص التي يوفرها الشرق الأوسط”.
وتتزايد أهمية المنطقة بالنسبة للصين مع توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة وسط خلافات حول قضايا تشمل التجارة والتكنولوجيا وغيرهما.
وساهم الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء والموقف السياسي المحايد وسهولة ممارسة الأعمال والمناطق الزمنية الملائمة والإعفاء من الضرائب في جذب الشرق الأوسط لأعداد كبيرة من الأثرياء في السنوات الأخيرة.
ولم تصل صناعة الثروة الخاصة الناشئة في الإمارات بعد إلى النطاق أو التطور لاستيعاب الثروة المخزنة في سويسرا وغيرها من الملاجئ المالية التقليدية بشكل كامل.
ولكن المسؤولين قدموا على مدار السنوات الخمس الماضية حزمة من الحوافز لجذب رؤوس الأموال وإغراء الشركات وصناديق الاستثمار العالمية بإقامة محافظ أعمال لهم في السوق الإماراتية.
وسعيا لتعزيز مناخ الأعمال، قدمت الإمارات في 2018 برنامج التأشيرة الذهبية الذي يمنح إقامة لعشر سنوات للمستثمرين والمواهب والكفاءات.
وفي 2019 دخلت قوانين إقامة الأجانب مرحلة أخرى بإطلاق نظام “البطاقة الذهبية” التي تمنح للمستثمرين والكفاءات الاستثنائية، في خطوة أعطت زخما كبيرا لمناخ الاستثمار وبرامج تنويع الاقتصاد وبنائه على أسس مستدامة.
كما سمحت الدولة للأجانب بالتملك الكامل في الشركات العاملة في 13 قطاعا من بينها الصناعة والزراعة والطاقة المتجددة وغيرها من القطاعات الإستراتيجية ذات القيمة المضافة.
وأطلقت دبي العام الماضي مركزا للثروات العائلية واصفة إياه بأنه “أول مركز مخصص للثروة العائلية في العالم” لمساعدة الأفراد والشركات الأثرياء على التعامل مع المجالات الثقافية والحوكمة.
ونتيجة لذلك، يتطلع مديرو الثروات الغربيون، بما في ذلك بنك لومبارد أودييه السويسري الخاص، إلى توسيع حضورهم التجاري في المنطقة للاستفادة من تدفق المغتربين وتزايد عدد الأفراد الأثرياء.
وفي آسيا، كانت هونغ كونغ وسنغافورة منذ فترة طويلة أكثر مراكز الثروة الخارجية تفضيلا للأفراد الأثرياء الباحثين عن تنمية أعمالهم وزيادة الأرباح.
لكن مديري الثروات رأوا في حديثهم مع رويترز أن بعض الزبائن يتطلعون الآن إلى التنويع في أسواق أخرى واستكشاف فرص استثمارية جديدة.
ووفقا لتقرير الثروة لعام 2023 الصادر عن شركة كابجيميني، انخفض العدد العالمي للأفراد أصحاب الثروات العالية بنسبة 3.3 في المئة ليصل إلى 21.7 مليونا في عام 2022، لكن عدد الأثرياء في الشرق الأوسط ارتفع بنسبة 2.8 في المئة في العام ذاته.
وشهدت الإمارات أعلى تدفق صاف لأصحاب الملايين في العالم في عام 2022، وتشير التقديرات إلى أنها تلقت تدفقا صافيا قدره 4500 آخرين من الأثرياء في عام 2023، وفقا لبيانات من شركة هنلي أند بارتنرز الاستشارية للثروات والهجرة ومقرها دبي.
ومراهنة على هذا الاتجاه، أنشأت فارو كابيتال، وهي شركة متعددة الأسر ومقرها سنغافورة، مكتبا لها في دبي الشهر الماضي.
وقال باتريك تسانغ، رئيس مجلس إدارة مجموعة تسانغ العائلية، ومقرها هونغ كونغ، إن الشركة “تخطط لإطلاق مكاتب جديدة في أبوظبي والرياض هذا العام بعد تأسيس كيان لها في دبي في عام 2022”.

وفي دليل آخر على قوة جاذبية دبي للأعمال، تخطط شركة لاندمارك فاميلي أوفيس ومقرها هونغ كونف أيضا لإنشاء مكتب لها في الإمارة خلال الأشهر المقبلة.
وقال كاميرون هارفي، المؤسس والرئيس التنفيذي للاندمارك، إن “مكتب الشركة في دبي سيتم استخدامه لمساعدة الزبائن المقيمين في الصين وجنوب شرق آسيا وأستراليا في العثور على فرص استثمارية في الشرق الأوسط”.
وكشفت دراسة حديثة أجريت على 76 مكتبا فرديا ومتعدد العائلات في آسيا والمحيط الهادئ، أجرتها شركة كامبدن ويلث أند رافلز فاميلي أوفيس، أن متوسط تخصيص الأصول للشرق الأوسط يبلغ واحدا في المئة فقط، بينما يخطط 7 في المئة منها لزيادة ذلك.
وقال مانيش تيبروال، المؤسس المشارك لشركة فارو كابيتال السنغافورية، “نعيش في أوقات مثيرة للاهتمام للغاية حيث باتت الجغرافيا السياسية أكثر أهمية للعائلات من أي وقت مضى”.
وأوضح أن سعي دبي لتنظيم الأصول الافتراضية ونظام التأشيرات الذهبية، من بين أمور أخرى، عززت جاذبيتها.